الاثنين 27 أيلول (سبتمبر) 2010

التطبيع يأتي بعد الانسحاب

الاثنين 27 أيلول (سبتمبر) 2010 par د. كلوفيس مقصود

استقبل معظم أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة خطاب الرئيس أوباما بالتصفيق عندما تمنى أن تكون فلسطين حاضرة كدولة في مقاعد الجمعية العامة السنة المقبلة، لكن بعد دراسة المقاطع التي أشار فيها إلى القضية الفلسطينية يصبح الترحيب المؤقت مدخلاً لتعمقٍ مطلوب في التدقيق. لقد انطوى هذا الخطاب على بنود لا مفر من تفنيدها بدقة حتى لا يستمر الإمعان في الآمال المغلوطة بأن الولايات المتحدة ملتزمة بمفهوم للدولة الفلسطينية، يتجاوب مع حقوق الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة ذات سيادة. فتغليف مقطع الرئيس أوباما المتعلق بالشأن الفلسطيني بمفردات النوايا التي قد تكون صادقة إلا أنها تنطوي على مؤشرات تسهل اجترار الأسباب التي جعلت من المحادثات إلى الآن عبثية، وبالتالي فإن التدقيق في المعاني والمصطلحات التي أوردها الرئيس أوباما يصبح واجباً حتى لا يستولد التصفيق الذي حصل آمالاً تمعن في الإحباط السائد اليوم.

حبذا لو أن الرئيس أوباما قام باختراق يتميز بوضوح الالتزام بالحقوق الفلسطينية بدلاً من الالتباس الذي أكد بقصد أو من دون قصد المسلمات التي أبقت «المفاوضات» لغاية الآن من دون أي تقدم أو نتيجة. كما أن تذمره بالقول إنه «بعد ستين عاماً في هذا المبنى فإن وجود «إسرائيل» كعضو يجب ألا يكون عرضة للنقاش»، وأكمل «إن «إسرائيل» هي دولة ذات سيادة، وهي الوطن التاريخي للشعب اليهودي، ويجب أن يكون واضحاً أن أية محاولات للتشكيك بشرعية «إسرائيل» سوف تقابل بمعارضة لا تتزعزع من جانب الولايات المتحدة». (يا للمفارقة قبل يوم واحد من هذا الخطاب أعلنت لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة المكلفة بالتحقيق في ما حدث للباخرة مرمرة التركية، بأن ما حدث كان خرقاً واضحاً للقانون الدولي!!) يستتبع هذا تساؤلات : هل يريد الرئيس أوباما أن يحصّن «إسرائيل» من كل الالتزامات التي فرضتها قرارات الأمم المتحدة في الجمعية العامة ومجلس الأمن، وقرار محكمة العدل الدولية خاصة المتعلق بجدار الفصل العنصري، هل أية إدانة لأي خرق تقوم به «إسرائيل» للقوانين الدولية والقرارات الدولية، سوف يصطدم بالفيتو الأمريكي كما كان يحصل في كثير من الأحيان؟

لم يكن هذا متوقعاً من الرئيس أوباما، خاصة أنه يعتقد أن مجرد مطالبة «إسرائيل» بتجميد الاستيطان لفترة مقبلة يكفي أن يعوض عما يقترب من الاستفزاز حين أكد أن «إسرائيل» هي الدولة التاريخية للشعب اليهودي. ولنفترض أن نتنياهو سيتجاوب ويجمد الاستيطان مرة أخرى ولمدة أشهر قليلة، رغم عدم اعتقادي بأن هذا التمديد قد يحصل، وإذا حصل فقد يكون ضمنياً ومشروطاً بعديدٍ من الثغرات، وأن يكتفي بالتجميد في ما يسمى بالمستوطنات العشوائية التي تعتبرها حكومات «إسرائيل» غير قانونية وكثيراً ما تتساهل في بقائها.

أما المشكلة في هذا الصدد فهي أن السلطة الفلسطينية جعلت من التجميد وكأنه العائق الوحيد في المفاوضات الفلسطينية. ولنفترض أن التجميد لفترة أخرى قد يحصل، ماذا بعد؟ التوجه العام للرئيس أوباما في خطابه وتركيزه على الموضوع الفلسطيني يكاد ينطوي على حذف القضية من جدول أعمال الأمم المتحدة إلا في ما يتعلق ببعض الأوجه الإنسانية. وقد عبّر عن ذلك في خطابه أيضاً بقوله إن هذا «النزاع بين «الإسرائيليين» والعرب هو قديم قدم هذه المؤسسة ومن الممكن أن نأتي في العام المقبل ونلقي خطابات طويلة كما كان الحال خلال الستين عاماً الماضية، نستطيع أن نقرأ لائحة من التذمرات، وهنا نستطيع أن نمكن قوى الرفض والكره». على ماذا هذا ينطوي؟ على القول إن القرارات التي دانت «إسرائيل» غير قانونية، وإنها كانت نتيجة كراهية أعضاء في الأمم المتحدة ؟ ألم يكن هناك من حجج عربية ودولية تؤكد شرعية الدوافع لاستصدار هذه القرارات؟ هل ينطوي هذا على حكم تاريخي للرئيس أوباما لتزوير التاريخ ومسيرته المستقبلية؟ هل ينطوي على تصميم أمريكي على إبعاد الأمم المتحدة من التداول في الشأن الفلسطيني حتى تستأثر الولايات المتحدة بمعالجته، قد يكون هذا منطقياً لو أن هناك رصيداً من الحيادية والموضوعية لدى الرئيس أوباما، ولكنه يدرك ويعي أن اللوبي «الإسرائيلي» لا يزال قادراً على حق النقض من خلال الكونجرس حتى ولو أرادت الإدارة الأمريكية أن تكون موضوعية وحيادية، وبالتالي مؤهلة لأن تدير عملية المفاوضات. ولماذا يقول إن بعض الدوافع هي «الكره» كما ورد في خطابه، إن العرب الذين أيدوا حقوق فلسطين الشرعية ليس أحد منهم يكره، ولكن الكثير منهم غاضبون والغضب هو استدراج للحوار والنقاش للإقناع والاقتناع ولإزالة أسباب الغضب. أما الإدعاء بأن كل غضب يوحي بأنه ينطوي على كره، فإنما هو تجاهل لكون الكره نقيض الغضب.

إن هذه الملاحظات الناقدة لما يتضمنه خطاب الرئيس أوباما هي لتحصين الموقف العربي لأن يكون مهيأ للمزيد من التدقيق في معاني المصطلحات الواردة مع التقدير لبعض المثاليات التي تميز عادة خطب الرئيس أوباما، وهذا لا يعني أننا لا نعترف بأن مطالبته بالتجميد كانت لإعطاء انطباع بأنه حيادي، ولكن التجميد هو اعتراف بصوابية وشرعية المستوطنات، وبالتالي كان خطأ كبيراً أن يردد «الرئيس» عبّاس شرطه بالاكتفاء بالتجميد بدلاً من التفكيك. نقول هذا وندرك أن الرد بكون هذه المطالبة «غير واقعية»، ولكننا نتوقع في هذه المرحلة الشديدة الخطورة ألا تستمر المحادثات من منطلق التجميد لأن هذا يرسخ تجاوز وإهمال أولوية فلسطينية وهي وحدة المرجعية بمعنى ما يسمى «المصالحة»، وألا يكتفي «المفاوض الفلسطيني» الحالي بمطالبة «إسرائيل» برفع الحصار عن غزة، أما إذا ظل الانقسام بهذا الشكل فالمسؤولية تتحملها كل القيادات الفلسطينية، وهذا ما يرسخ قناعة نامية بأن منظمة التحرير الفلسطينية التي كان ينظر إليها بأنها إطار الشعب الفلسطيني وعنوان وحدته لم تعد اليوم كما يجب أن تكون عليه دائماً.

وأخيراً، ما معنى إثارة الرئيس أوباما إلى الموقعين على مبادرة السلام العربية «بأن عليهم أن يستثمروا هذه الفرص أي استئناف المفاوضات ويتخذوا خطواتٍ ملموسة من أجل التطبيع الذي وعدت به «إسرائيل»».

إلى الرئيس أوباما مع فائق الاحترام والتقدير :

التطبيع يأتي بعد الانسحاب الكامل من الأراضي المحتلة وإنجاز الحقوق التي أقرتها الشرعية الدولية، لنضمن أمن العرب والفلسطينيين، كما تصر «إسرائيل» على أمنها.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 16 / 2165376

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2165376 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 19


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010