ورطة ابو المستوطنات

فأنا أؤمل وأدعو الله ألا يحدث ذلك لكن هذا ما سيحدث إن لم يكن غداً فبعد غد او بعد سنة او خمس سنين او عشر.

اليكم النبوءة الكئيبة عند كثيرين وبما يسعد آخرين : بعد مباحثات لا تنتهي، وأزمات متوالية وتهديدات وتملقات، ستقوم دولة «اسرائيل»، على التقريب، على «الخط الاخضر» أو كما اعتيد أن يقال في هذه الايام «على أساس خطوط 1967».

أكتل الاستيطان؟ ربما وحتى ليت ذلك يكون. ستقسم القدس، ستكون الاحياء العربية وعددها 21 تحت «سلطة فلسطينية»، والاحياء اليهودية تحت سلطة «اسرائيلية». وماذا عن اللاجئين وحق العودة؟ سيوجد حل ما : يبدو أن «اسرائيل» ستوافق على استيعاب عدد ضئيل لكنه رمزي، وسيجد الباقون حلاً في الدول العربية وربما حتى في الولايات المتحدة، (كما نشر في الاسبوع الماضي عن ايهود اولمرت).

أتقولون : ليس هذا في الحساب. سيقتل ولا يجوز؟ بربكم: ألم ندخل قبل سنين كثيرة يهودا السجن لأنهم خالفوا قانون حظر محادثة منظمة التحرير الفلسطينية. أتذكرون : «لا نحادث الارهابيين»؟ واليوم أصبح قادة منظمة التحرير الفلسطينية ممن يُطلب اجراء المقابلات معهم في قنوات تلفازنا. وقبل عقدين او ثلاثة جرؤ أناس من الشيوعيين وأكثرهم من العرب على الحديث علناً عن «دولتين للشعبين»، والآن يعلن نتنياهو بجلاله وعظمته أن هذه هي سياسته التي لا بديل منها.

هذا ما سيحدث كما قلنا آنفاً. لماذا؟ وماذا عن «العودة الى صهيون» و «لذريتك أعطيت هذه الأرض»؟ سيحدث هذا لأن العالم يريد ذلك وسيريد ذلك بقوة أكبر في السنين القادمة. نحن نستولي على المناطق منذ 44 سنة، ولم يقبل العالم كله وفيه الولايات المتحدة قصة «العودة الى صهيون».

إن من يجلس في مكتب رئيس الحكومة يقرأ الآراء الاستشارية وتقديرات الوضع بل يقسم بنظرية جابوتنسكي («ضفتان للأردن واحدة لنا والاخرى لنا أيضاً»)، بل إنه ينشد بصوت مرتفع «ابذلوا نصيحة وحلاً»، لا أمل بأن يحظى بتأييد العالم وبغير هذا التأييد ليس لنا ما نفعله هنا. كذلك اعتقد الأفارقة الجنوبيون بالمناسبة أن العالم سيصمت الى الابد، وأخطأوا. ونخطىء نحن أيضاً في تفسير مقاصد العالم. «العالم كله ضدنا» ليس نشيداً فقط.

أجل، سيجلى عشرات آلاف المستوطنين عن بيوتهم. لا يكاد يوجد أمر أفظع من هذا. وأريد، وقد غطيت عيني عندما ظهرت على شاشة التلفاز المشاهد والأصوات من اخلاء «غوش قطيف»، أن أدعو الله بسلامة المستوطنين ومنعة دولة «اسرائيل». تنتظرنا أيام صعبة.

اذا بحثوا عن مذنبين في هذا الوضع فلن يضطروا الى المضي بعيداً : فالعجرفة والشعور بالسيادة والاستخفاف بالعالم كله والأحلام الداحضة لأناس «الليكود» وتوابعهم وأناس «العمل» والمجرورين وراءهم هم الذين سيوصلوننا الى الأيام الفظيعة.

أتذكر بارتجاف مثلاً كيف حدثني في زمانه قائد منطقة الجنوب اريك شارون كيف «احتال» على رئيس الأركان حاييم بارليف، للتوصل الى لقاء ميداني مع لجنة الوزراء للاستيطان وأقنعه بانشاء مستوطنة (لم تعد موجودة فقد هدمت في الاخلاء بأمر من شارون). إن شارون نفسه، عشية الاتفاق الأول مع الفلسطينيين، قال إنهم سينشئون مستوطنات فوق كل تل وغور وجبل في المناطق، لمنع تقسيم البلاد ونقل أراض الى الفلسطينيين. الآن يجلس رؤساء حكومات، وبيبي أيضاً، ويصدعون رؤوسهم كيف يخرجون في سلام من الورطة التي أورثنا اياها «أبو المستوطنات».

لن يهش التاريخ لنا في هذا الشأن ولن يبقى لنا سوى ترديد الصلاة التي رددناها قبل بضعة ايام عن تقوى وتوجه صادق : «عن الخطيئة التي خطئناها أمامك... على عمد وخطأ، وحماقة وعن غريزة الشر، وعن انكار وكذب وجرأة، وتحلل من العبء وسخافة، وعناد، وبالقسم الكاذب...» وبعبارتنا نحن : العجرفة والشعور بالسيادة، كل ذلك كان لنا بالمرصاد.