السبت 25 أيلول (سبتمبر) 2010

إنهم يطمسون جريمة 1948

السبت 25 أيلول (سبتمبر) 2010 par الياس سحاب

نشر الكاتب السويدي اليساري هيننغ مانكيل مؤخراً نصاً سياسياً بالغ الاهمية عن القضية الفلسطينية، تضمن مذكراته اليومية المقتضبة عن الرحلة التي قام بها مع «اسطول الحرية» الذي حاول عبثاً كسر الحصار «الاسرائيلي» على غزة، والذي تعرضت مقدمته (الباخرة مرمرة) لمجزرة ذهب ضحيتها عشرة ناشطين ابرياء عزّل.

الكاتب السويدي كان على آخر سفن الاسطول، وهي باخرة شحن صغيرة اسمها «صونيا»، وخلاصة مذكراته انه عندما دخل في مواجهة مباشرة مع الجنود «الاسرائيليين»، وجد «أنهم لم يكونوا اكثر من مجموعة من اللصوص» (والعبارة له حرفياً) لم يتركوا لأي من النشطاء أي شيء من ممتلكاتهم الشخصية لم يسرقوه (النقود، والهواتف، والحواسيب النقالة ـ لابتوب) وأي أغراض أخرى، إضافة الى فظاظة لاانسانية ولااخلاقية في التعامل مع كل النشطاء، مهما كانت طبيعتهم، بحيث كانوا يطلقون الرصاص على اي عجوز بطيء الحركة في تنفيذ الأوامر بالتحرك.

الى جانب النص الحرفي لمذكراته القصيرة البالغة التعبير، نشرت مجلة «وجهات نظر» نص الترجمة الحرفية، لمقابلة اجرتها مع الكاتب السويدي، عن رحلته هذه، مجلة «درشبيغل» الألمانية.

ويمكن اعتبار هذا النص، نموذجاً لحوار الطرشان السائد عالمياً، بين مثقفين ما زالوا يتمسكون بصورة «اسرائيل» المثالية كما ترسمها الدعاية الصهيونية (مجلة درشبيغل، في جميع اسئلتها)، ومثقفين اكتشفوا الأكذوبة التاريخية بالتعرف المباشر الى حقيقة ما يمثله النموذج «الاسرائيلي» (الكاتب السويدي اليساري مانكيل، في جميع اجوبته الصريحة، كما في نص مذكراته الصريحة).
اكثر ما في هذه المقابلة دلالة اصرار المجلة الألمانية الصهيونية الميول كما يبدو، على غض النظر تماماً عما اكتشفه الكاتب السويدي من تطابق بين صورة النموذج «الاسرائيلي»، وصورة نظام التمييز العنصري الذي كان سائداً في جنوب افريقيا، واصرارها على طرح اسئلة خبيثة من نوع : كيف يمكن ان تكون هناك قواسم مشتركة بين كاتب اوروبي يساري من جهة، وبين منظمة (حماس) «ذات التوجهات الاستشهادية، المحتقرة للمرأة»، من جهة ثانية؟ مع التقديم لهذا السؤال باصرار على ان صورة «اسرائيل» في نظر المثقف الاوروبي عموماً ما زالت صورة البلد الديموقراطي الوحيد في «الشرق الاوسط»، الذي يتمنى اي مثقف غربي ان يعيش فيه، وفيه وحده، دون سواه من البلدان المجاورة.

إنهم ببساطة ما زالوا مصرين على طمس الجريمة التي وقعت في العام 1948، والجريمة التي وقعت في العام 1967، وكل تداعيات هاتين الجريمتين الممتدة على ارض فلسطين التاريخية وجوارها، حتى يومنا هذا، والاكتفاء بصورة «اسرائيل» كما ترسمها الدعاية الصهيونية الاعلامية.

هذه مصيبة في حد ذاتها، لكن المصيبة الأدهى، ان الأنظمة العربية الرسمية، بما فيها «السلطة الفلسطينية»، شريكة هذا الاصرار الأوروبي (والأميركي) على طمس الجريمة التي وقعت في العام 1948، والاكتفاء، في مبادرات الحل ومحادثاته، بالاهتمام ببعض الجوانب الهامشية التي نشأت عن جريمة 1967، مع ميل واضح لدى جميع الاطراف، الى مسايرة الاحتلال «الاسرائيلي»، ومكافأته بكل ما بناه من مستوطنات في الضفة الغربية، ومن تهويد كامل للقدس العربية، ومن اي توسع جديد يصر عليه في الاراضي المحتلة.

أما جريمة 1948 ونتائجها، فقد ذهب الرجل الثاني في الزعامة «الاسرائيلية»، الى الحد الاقصى من الصراحة بشأنها، بالمطالبة بطرح مسألة عرب الـ 48 على بساط المفاوضات الجارية، تمهيدا لنقلهم خارج «اسرائيل»، بعد ان اصبحت المطالبة بالاعتراف بـ «اسرائيل» دولة ليهود العالم، مطلباً اميركياً صريحاً، بعد ان كانت مطلباً صهيونياً فقط.

ان كل اطراف المفاوضات الجارية حالياً متورطة في طمس جريمة 1948، بكل مفاعيلها، بدليل انه حتى «المبادرة العربية»، التي ليس لها أي وزن سياسي في المفاوضات، تذهب في هذا الاتجاه بعد ان اغفلت تماماً كل ما جرى في العام 1948، سوى اشارة خجولة الى ايجاد حل متفق عليه لمشكلة اللاجئين.

لكن اعادة قراءة الكتابات الحية لمثقفين اوروبيين من طراز الكاتب السويدي اليساري مانكيل، تبقى اشارة، بين اشارات اخرى، الى ان جريمة 1948 غير قابلة للطمس بهذه السهولة التي يعتقدونها، والتي يعملون لها بكل دأب ووقاحة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 7 / 2181321

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2181321 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40