الأربعاء 22 أيلول (سبتمبر) 2010

حاجز بيت لحم : حشر واهانة وعنف

الأربعاء 22 أيلول (سبتمبر) 2010

نحو مئة متر عن السور الاسمنتي العالي الذي يفصل بين الطرف «الاسرائيلي» من جدار الفصل في منطقة بيت لحم وبين طرفه الفلسطيني كان ممكنا أن نسمع أمس الصوت غير الواضح. رنين يصعد ويهبط كل بضع ثوانٍ، يذكر احيانا بمشجعي كرة القدم. بضعة امتار اخرى ويظهر المشهد بكامل بشاعته. الساعة الرابعة والنصف فجرا وتحت السور، على مدى نحو 200 متر تقريبا يكتظ في الظلام مئات من بني البشر داخل رواق حديدي بقضبان بعرض نحو متر ونصف متر. شبان، في بداية سنوات العشرين من حياتهم الى جانب من يبدون كأبناء ستين فما فوق. وجميعهم تقريبا عمال يحملون تراخيص عمل، يبنون «للاسرائيليين» بيوت احلامهم.

[**ساعة الحشر*]

بداية يحاولون ترتيب أنفسهم في الطابور، كي ينحشروا داخل الرواق المعدني، وبعد أن يكونوا قد اجتازوا هذه المرة تأتي مرحلة الانتظار الطويلة بين القضبان. وهم يدخلون في مشادات بينهم، يصرخون، يضربون ويخدشون وكل شيء كي يصلوا مبكرا قدر الامكان الى مدخل معبر العمال.

وكل هذا الوقت يتواصل انطلاق الصوت الرهيب. وهو يصعد في كل مرة يبدأ فيه احد المكتظين في دفع الاخرين والاندفاع الى الامام، ويخيل أنه في كل لحظة سينتهي الامر بمصيبة. وهم يمسكون بالقضبان بأيديهم بكل القوة، محاولين الاندساس والحفاظ على مكانهم في الطابور. الاكتظاظ والاحساس بالاختناق شديدان. وهكذا ايضا الاهانة والمساس بكرامة الانسان الذي يضطر الى أن يداس وان يحشر كي يعيل عائلته. النمو الاقتصادي لمدن الضفة لم يبدُ ابدا بعيدا بهذا القدر.

هم يأتون من الخليل، من بيت لحم ومن القرى المحيطة. سكان جنوب جبل الخليل يضطرون الى الخروج من بيوتهم في الساعة الثالثة قبل الفجر كي لا يتأخروا عن العمل. بعضهم يصل حتى ابكر من ذلك، للحفاظ على مكان قرب بوابة الدخول.

السيارات العمومية تتوقف الواحدة تلو الاخرى اسفل السور، تنزل العمال وتعود باتجاه الجنوب. وهم يخرجون منها ويتقدمون هرولة نحو الرواق. في الجانب الشرقي من الطريق عدة بسطات تعرض للشراء الاجبان والحمص المعلب (كل شيء تقريبا من انتاج «اسرائيل»)، الكعك الساخن، الفلافل، القهوة وبالطبع السجائر.

عمر شوكة من بيت لحم وموسى ابو خميس يقفان في بداية الرواق، حيث أن الطريق امامهما لا يزال طويلا. وهما يرويان انهما وصلا عند الساعة الثالثة والنصف تقريبا. «فهم يمررون في كل مرة عشرة اشخاص وبعدها يغلقون لعدة دقائق»، يشرح موسى. محمد الاخضر يقول انه حصل من قبل ان وقف اربع ساعات. وحسب اقوال هؤلاء فان الحشر والهستيريا ينبعان من التخوف من الا يصلوا في الوقت المناسب الى العمل. كل ساعة تأخير تكلف موسى غرامة 50 شيكلا ً من مشغله. سيارة عمومية الى منطقة تلبيوت، حيث يعمل الان، تكلف نحو 30 شيكلا ً. خالد من بيت لحم، ينضم الى الحديث بنظرة غضب. «أي قانون في العالم يقول ان على العامل ان يخرج من بيته في الساعة الثالثة فجراً كي يصل في الساعة الثامنة. مثل الحيوانات نحن نقف هنا». وقد خرج من بيته في الرابعة فجراً ومن المتوقع أن يصل الى العمل (مسافة نحو خمس دقائق سفر) في الثامنة تقريبا.

[**مثل قطيع بقر*]

قبل قليل من الساعة الخامسة صباحا، الجدول يبدأ فجأة بالتحرك الى الامام. المعبر يفتح. الاندفاعات وبالاساس قرب المدخل الى المعبر، تصبح اكثر فأكثر عنفا. احد العمال يعرض قميصا مع بقعة دم. هذا حصل في بداية الطابور، دفعوا شخصا الى جانبي بقطعة حديد. فجرح ونزف عليه. وبالتوازي، يفتح «المعبر الانساني» رواق اضافي فتحته الادارة المدنية في المكان كي تسمح بحركة سريعة للمحتاجين، النساء والحالات الانسانية. المرضى المزمنون يمكنهم ايضا الدخول الى الرواق عبر حاجز النفقين.

رجل ابن نحو 45 سنة يتسلق طريق القضبان من جهة رواق الخروج من المعبر. وبشكل عجيب تقريبا ينجح في دس جسده في طابور الداخلين. المعبر مرة اخرى يفتح لعدة ثوان، عشرات الاشخاص ينحشرون فيه ومعهم يسمع الصوت : «آه. آه. آه».

احد العمال يجلس على الارض، ويمسك برأسه ويصرخ : «انتم بقر» او بالترجمة الحرة «انتم بهائم».

يوسف من قرية بني نعيم خرج من بيته في الثانية والنصف بعد منتصف الليل وهو ابن 35 وأب لثلاثة ويعمل في حي «جفعات شاؤول» في «العاصمة». اذا ما تأخر حتى ولو لمدة عشر دقائق سيغرم بساعة عمل. «اذا لم تأتِ بسبب التأخيرات فسيقيلونك»، يشرح قائلا. المشكلة على حد قوله هي في مواقف التفتيش. في المكان تنصب ثلاثة مواقع، ولكنّ واحداً او اثنين فقط يعملان كل صباح. رفيقه عبد يروي انه داخل المعبر يوجد طابوران آخران : بداية لآلة الكشف، حيث يفحص رجال الامن امتعة العمال، وبعد ذلك فحص تصاريح العمل. المرة تلو الاخرى يذكر المنتظرون في الطابور اسم جندي (او ضابط) يدعى اليكس يزعمون انه ينكل بهم.

«يوجد هناك اثنان، احمد الدرزي، الذي هو اكثر طبيعية، واليكس الروسي الذي يعاقبنا عبثا»، يروون قائلين. «وهو احيانا يؤخر عمالا فقط لمتعته، واحيانا يغلق احد الطوابير ويدخل كل الاشخاص الى الطابور المجاور. يمكنك أن تتخيل ماذا يحصل في هذه الثواني. مرة اخرى عشرات الاشخاص يدوسون الواحد الاخر». سألته ذات يوم لماذا يفعل هذا فقال : «هكذا افعل. اذا كان لا يعجبكم فاذهبوا للعمل في بيت جالا». سألنا الجنود لماذا لا يفتحون كل مواقع التفتيش الثلاثة فقالوا لنا انه لا يوجد ما يكفي من الجنود.

الساعة الخامسة والربع صباحا تقريبا، بعد الشروق بقليل. من الغرب حي جيلو ومن الجنوب قبر راحيل. سامر من الخليل يروي انه عندما جاء الى المكان رجل منظمات حقوق الانسان شرح له بان العمال هنا يحتاجون الى ممثلين للمنظمات لحماية الحيوانات. «صدقني الناس لا يريدون الفوضى، ولكن خوفهم هو التأخير. انتم تتعاملون معهم مثل الحيوانات. فهم يبنون لكم البيوت والدولة فأعطوهم بعض الاحترام».

«الناس هنا يريدون الموت من شدة الخجل. هذا الطابور يحطمك. ما هو الهدف هنا، من أجل ماذا، أنتم القوة الاكبر في «الشرق الاوسط». لا يمكنكم ان تجدوا حلا لهذه المشكلة؟ والجنود ايضا، انت ترى انه عندما يوجد ضغط وجلبة، فانه تثور اعصابهم ويتصرفون على نحو سيىء تجاه الناس. افهم، ليسوا حيوانات اولئك الذين تلتقطون لهم الصور هنا. انهم بشر يحاولون البقاء على قيد الحياة».

الخامسة والنصف. احد العمال يجلس على سطح الرواق، في منتصف الطابور. وهو يحاول أن ينزل جسده عبر فتحة في السطح الى داخل الجمهور كي يتجاوز المئات قبله. ولكن العشرات الذين تحته لا يسمحون له بذلك. فهم يكتظون الواحد في الثاني كي يمنعوه من النزول الى الاسفل. خالد من بيت لحم وصل الان الى منتصف الطابور. «حسنا، كيف العرض؟» سأل بمرارة. بعد الساعة السادسة بقليل ينجح أخيرا في الدخول الى المعبر.

في السادسة والربع الرواق لا يزال مليئا حتى لا يوجد مكان لأحد. ولكن الضغط يهدأ قليلا. هذا الصباح، بسبب الاغلاق، الجلبة لن تعود. ولكن في الاسبوع القادم، أغلب الظن سيضطر حاتم وخالد والباقون الى الوقوف مرة اخرى في الطابور على مدى ساعات. وليس فقط في حاجز 300. شكاوى مشابهة تطلق كل يوم عن حواجز اخرى في أرجاء الضفة : اكتظاظ، مواقع غير مأهولة بالجنود ومعاملة مهينة.

[**«حاجة أمنية»*]

من شرطة لواء القدس جاء التعقيب التالي بان «العمال يجتازون فحصا أمنيا شاملا يستغرق زمنا من أجل منع العمليات».

وتأتي التفتيشات انطلاقا من المراعاة القصوى للمارين. يجب ان نتذكر بانه في كل المعابر امسكت وسائل قتالية وتخريبية نقلها الفلسطينيون الذين ارادوا الدخول الى «اسرائيل» رغم وجود تصاريح عبور في حوزتهم. «نحن نجتهد كي نقصر زمن الفحص قدر الامكان ولا يوجد عامل فلسطيني ينتظر ثلاث ساعات في المعبر. الشرطة لا تعتزم القيام بأي مساومة في موضوع الفحوصات الامنية لان الحديث يدور عن حياة البشر».

- [**آفي يسسخروف | «هآرتس» | 22 ايلول (سبتمبر) 2010*]



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 10 / 2165786

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المرصد  متابعة نشاط الموقع صحف وإعلام   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2165786 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010