الثلاثاء 21 أيلول (سبتمبر) 2010

هل ستبقى امريكا على قيد الحياة؟

الثلاثاء 21 أيلول (سبتمبر) 2010

«بعد بضع سنوات ستتدهور الولايات المتحدة الى دولة شرطة فوضوية، يسكنها الجهلة والعامة. وسائل الاعلام ستملي فيها جدول الاعمال، المشادات في السوق ستحتل مكان الابداع، العنصرية والتمييز ضد النساء سيميزان المجتمع والصين ستنظر اليها من أعلى ازدهارها الاقتصادي وتفرك يديها متعة في ضوء تفتت الثقافة الغربية». هذه، على الاقل، رؤيا الكابوس للكاتب اليهودي، من مواليد روسيا والمقيم في امريكا غاري شتاينغرت.

على نهج انباء الغضب على مدى التاريخ ثمة في أقواله غير قليل من المبالغات، ولكن ايضا نواة الحقيقة. ذرة من الحقيقة. حقيقة هي ان الاساس الانتاجي للاقتصاد الامريكي آخذ في التآكل. وان وسائل الاعلام الالكترونية تقضم من البنية التحتية للثقافة والتعليم العالي، ونهج «متعدد الثقافات» الذي سيطر على اجزاء واسعة من مؤسسات التعليم في امريكا يخلق مسيرة مناهضة للثقافة في اوساط الجيل الشاب. صحيح ان بعض الجامعات والكليات في ارجاء الولايات المتحدة لا تزال تعتبر من افضلها في العالم، الا أنه في ضوء الازمة الاقتصادية المتواصلة لا ضمانة في أن تبقى في الصدارة.

غير أنه ليس فقط شتاينغرت يقرع أجراس التحذير بل اشخاص آخرون ايضا. في الخطوط العامة الجدال هو بين اولئك الذين يقولون «يمكننا الحفاظ على مكانة الولايات المتحدة كرقم واحد» وبين اولئك الذين يردون بان «على أي حال لن نتمكن من البقاء اوائل، بل وافضل هكذا».

توم فريدمان يكرس في السنوات الاخيرة العديد من مقالاته وكتبه للمعضلة الامريكية. استنتاجه هو انه منذ الازمة الاقتصادية للعام 2008 طرأ تراجع في مكانة أمريكا كزعيمة للعالم، سواء على المستوى السياسي ام المستوى الاقتصادي وذلك لان الاحتياجات المالية الداخلية تقلص قدرة امريكا على ان تكون نشطة وفاعلة في المجال الدولي، وبالتأكيد ليس كما كانت.

وهو يقتبس عن كتاب البروفيسور ميخائيل مندلبلوم من جامعة جونس هوبكنز، الذي ادعى بانه بسبب عبء الديون الخارجية والداخلية لامريكا، فان العالم سيكون في المستقبل «مكانا أقل أمنا وأكثر انفلاتا»، وذلك لانه لن يكون للولايات المتحدة ذات القدرة على التوجيه للنظام في العالم واداء دور الشرطي العالمي. ولكن مندلبلوم (وفريدمان) اللذين ليسا كشتاينغرت وكالذين يرون السواد على نحو مهني، لا ييأسان. أولا، فهما يذكراننا بان امريكا لا تزال القوة العظمى العسكرية الاقوى في العالم، وكذا الاقتصاد الامريكي، رغم الازمة التي اجتازها، لا يزال اكبر من كل الاقتصادات الاخرى في المعمورة.

برأيهما، فان المفتاح للحفاظ على مكانة الولايات المتحدة هو بالاساس اقتصادي. بمعنى، اذا كان كل ذوي الشأن، بمن فيهم السياسيون، سيركزون على مهمة حث النمو، ترميم القاعدة الصناعية، كبح جماح الاستهلاك العام، تقليص التعلق بالنفط وما شابه فانها ستضمن ايضا في المستقبل المكانة الجيوسياسية وكزعيم للعالم. ليست اوروبا «المستعطفة» (بالمعنى العسكري والسياسي)، ولا الصين (التي رغم ازدهارها الاقتصادي في المجال العمومي لا تزال توجد في أسفل الدرك من حيث دخل الفرد) وبالتأكيد ليس روسيا (غير الواردة) يمكنهم أن يؤدوا الدور.

وما لكل هذا بنا؟ «الاسرائيليون» مشوشون قليلا بالنسبة لامريكا. من جهة، نحن نشعر انفسنا قريبين منها، نعترف ونفهم اهمية «العلاقات الخاصة» في مجال العلاقات الامنية. وعليه فان معظمنا يفهم بان لنا مصلحة في امريكا قوية وسائدة (وليس هذا، بالطبع، صدفة ان دولا كإيران، تركيا، البرازيل وغيرها تحاول المس بالصدارة الامريكية).

ولكن احيانا ايضا نحن نكون مفعمين بالشكاوى والمخاوف من أن تكون الولايات المتحدة، لا سمح الله، سائدة أكثر مما ينبغي. «نحن لسنا جمهورية موز»، قال في حينه مناحيم بيغن الراحل؛ «السفير الامريكي ليس المندوب السامي» قال جاد يعقوبي رحمه الله. وهذه بعض من التصريحات الاكثر رقة. «اسرائيل» حقا ليست «جمهورية موز» والسفير الامريكي، كائنا من يكون، بعيد عن ان يكون «المندوب السامي».

وبالذات، السلوك السياسي لـ «اسرائيل» في عهد بيغن يثبت على نحو ظاهر بانه مع امريكا يمكن الجدال، ويمكن الاقناع، بل ويمكن قول (لا) ايضا، مثلما فعل مرات عديدة معظم رؤساء الوزراء منذ بن غوريون وحتى نتنياهو، ومع ذلك يجب عدم المس بالعلاقات الهامة معها. ولكن هذا شريطة أن نعرف كيف نميز بين الاساسي والتافه، بين الهام حقا وبين الاقل اهمية. ليس دوما يجلس في البيت الابيض رئيس ودي وليس دوما تتميز السياسة الخارجية الامريكية بالحكمة الفائقة. ولكن تخيلوا كيف سيبدو العالم، وماذا كان سيكون عليه وضعنا، لو لم تكن الولايات المتحدة «رقم واحد» بل اوروبا أو الصين او روسيا؟

- [**زلمان شوفال | «اسرائيل اليوم» | 21 ايلول (سبتمبر) 2010*]



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 8 / 2178523

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المرصد  متابعة نشاط الموقع صحف وإعلام   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2178523 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 10


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40