الثلاثاء 21 أيلول (سبتمبر) 2010

الزيّ الجديد للإمبراطورية ... (2-2)

باراك أوباما في عالم السلطة الحقيقي
الثلاثاء 21 أيلول (سبتمبر) 2010

بول ستريت، صحافي وباحث ومؤرخ أمريكي يصنف ضمن الكتّاب اليساريين الراديكاليين، بالرغم من استقلاليته المفرطة، وقد كان من أوائل منتقدي أوباما. وفي كتابه الذي تميز بتوثيق دقيق وشفافية جيدة «باراك أوباما ومستقبل السياسة الأمريكية»، تنبأ ستريت بكل سياسات أوباما المنحازة لعالم الشركات والأعمال، وتبنيه لسياسات المحافظين،واتباعه لسياسات العسكرة والحروب الأمريكية. الآن، عاد ستريت بقوة وشراسة أكثر من ذي قبل بكتابه «الزي الجديد للإمبراطورية : باراك أوباما في عالم السلطة الحقيقي». هذا الكتاب الجديد، يعتبر بمثابة توثيق وتقييم لسجل وسياسات أوباما المحلية والدولية، والتي يراها ستريت طارئة ودخيلة على أجندة أوباما الأصلية التي كانت تعد بتغيير حقيقي.

[**أوباما خذل الأمريكيين الأفارقة والمجموعات العرقية الأخرى*]

يقول أوباما : «نعلم أيضاً أن نفقات الرعاية الصحية المتصاعدة تسحق الأسر الأمريكية من كل الأعراق، بيد أن الأمريكيين الأفارقة أكثر عرضة للإصابة بمجموعة كبيرة من الأمراض، وهم الأقل حظاً من كل الأعراق الأخرى في فرص الحصول على تأمين صحي. ونحن نعلم، أننا نعتقل أناساً من كل الأعراق أكثر من أي دولة أخرى في العالم، بيد أن الطفل الأمريكي من أصول إفريقية تبلغ احتمالات تعرضه للاعتقال (مستقبلاً) خمسة أضعاف احتمالات تعرض أطفال الأعراق الأخرى».

وباستثناء هاتين المناسبتين «حادثة البروفيسور غيتس وخطابه في احتفال جمعية ترقية الملونين» لم يبد أوباما أي اهتمام يذكر بمعالجة قضايا الملونين، وقضايا التمييز العرقي التي يقول عنها بول ستريت، إنها لاتزال حاضرة بقوة في المجتمع الأمريكي.

ونتيجة لتخاذل أوباما وتنازله عن مناصرة قضايا الملونين، وجهت كتلة النواب السود في الكونغرس، انتقادات لاذاعة للبيت الأبيض في ديسمبر (كانون الأول) 2009. واتهمت أوباما بتجاهل المحنة الاقتصادية العميقة للملونين والأقليات. وأبدت الكتلة استياءها من تقاعس البيت الأبيض والكونغرس عن معالجة مشاكل اقتصادية محددة ترزح الأقليات تحت وطأتها، وتشمل معدل البطالة المرتفع لدى السود 16%. وذكرت كتلة النواب السود أنها لم تعد تحتمل «توجيه السياسة العامة وفقاً لرؤية عالم وول ستريت».

أوباما من ناحيته، رفض بشدة الاتهامات الموجهة إليه، وقال إن من الخطأ محاولة إيجاد حلول للمشاكل الاقتصادية على أسس عرقية، فالهم الاقتصادي واحد ويطال الجميع، وعلى الكل أن يتكاتف للخروج من نفق الأزمة الاقتصادية المظلم من دون السعي لإيجاد حلول لأقلية معينة أو عرق بمعزل عن البقية.

[**على خطى بوش*]

ويرى ستريت، أن أوباما لم يخذل الأمريكيين الأفارقة فقط، لكنه أحبط أقليات ومجموعات عرقية أخرى، فهو حتى الآن لم يبذل جهداً ملموساً لإصلاح أوضاع المهاجرين وتعديل التشريعات التي تنتقص من حقوقهم، والتي يعمل اليمين المتطرف على تكثيفها وتسريع وتيرتها بوسائل تفتقر لأبسط قواعد الإنسانية.

وفي الفصل الخامس، يستعرض ستريت موضوعات ومجالات كثيرة، تبنى فيها أوباما سياسات أو بحسب تعبير ستريت وكثير من الأمريكيين جرائم بوش.

ويستهل ستريت هذا الفصل بنقل فقرة معبّرة عن مقال للمحلل السياسي جاك غولد سميث، كتبه في مايو (أيار) 2009، وفيه يقول غولد سميث : «معظم التغييرات التي وعد بها أوباما كانت مجرد خطب وكلمات بليغة وأفعال رمزية ..والفرق الأساسي بين أوباما وإدارة بوش يكمن ليس في مادة أو جوهر سياسات أوباما، بل في الغلاف الذي يغلف به أوباما هذه السياسات».

ويقول ستريت، إن بعض أنصار أوباما خاصة الليبراليين كانوا في عام 2007 و2008 يؤيدونه كي يصبح رئيساً لأمريكا، لأنهم كانوا يعتقدون أن أوباما معارض ومقاوم حقيقي للهجوم الشرس الذي شنته واشنطن في أعقاب هجمات 11/9 على الحريات المدنية. ويقول ستريت، إن أحد مؤيدي أوباما قال له في أيوا في نهاية 2007، إن أوباما بوصفه بروفيسور قانون دستوري سابق سيعمل على تقويض سياسات «الحرب على الإرهاب» الخرقاء التي تشمل «التنصت، وغوانتانامو، والتعذيب وقانون باتريوت».

ويذكر ستريت، أن أوباما عندما كان مرشحاً للرئاسة، كان يعد باحترام الدستور والحقوق الأساسية، كان يعد كذلك بتثبيط وإقصاء سياسات إدارة بوش القمعية. وكان إغلاق معتقل غوانتانامو من الوعود التي اجترها أوباما كثيراً في حملته.

وعندما تولى أوباما الرئاسة، واصل السير في سياسات إدارة بوش. ففي فبراير (شباط) 2009، على سبيل المثال، أصدرت إدارة أوباما أمراً فيدرالياً يتبنى موقف إدارة بوش الذي يبيح الاعتقالات العشوائية من دون أسباب أو مذكرات اعتقال قانونية، ويتم تطبيق هذا المفهوم القانوني المريب في الدول التي تحتلها الولايات المتحدة، مثل أفغانستان التي يعامل المحتجزون فيها باعتبارهم «أسرى حرب» وبالتالي يتم حرمانهم من حق «الحماية من الاعتقال من دون تحديد أسباب». وباختصار تتم مصادرة حقوق الأسرى الأفغان القانونية والإنسانية بأساليب ممعنة في الإجحاف والجور، ومنافية لأبسط قواعد القانون الدولي. ويرى ستريت أن أوباما لم يكتف بتبني سياسات بوش، بل عمل أيضاً على توسيع مظلتها. ومواقف إدارة أوباما والأشواط المذهلة التي قطعتها لتوفير حماية قانونية وسياسية، تعفي مسؤولي إدارة بوش وشخصيات في وكالة الاستخبارات «السي آي إيه» من التحقيق معهم، خير مثال على ذلك. وإدارة أوباما تعمل بكل قوة للحيلولة دون مقاضاة مسؤولي إدارة بوش على جرائم انتهاكات الإنسان المرتبطة بتعذيب العرب والمسلمين الذين أعتقلوا بالخطأ بعيد أحداث 11/9.

وفي إبريل (نيسان) 2009، أعربت وزارة العدل في إدارة أوباما عن تصميمها على حماية موظفي «السي آي إيه» الذين تولوا مسؤولية جرائم التعذيب بالرغم من نيلها إشادة من المحللين والمعلقين الليبراليين على سماحها بنشر مذكرات سرية صادرة من البيت الأبيض في عهد بوش تؤطر وتبيح ممارسات تعذيب متطرفة في بشاعتها.

وعندما نشرت وزارة العدل في إبريل (نسيان) 2009، مذكرات إدارة بوش التي كانت تؤمن على ممارسات التعذيب الوحشية، نأى أوباما بنفسه عن المطالبات التي كانت تحض على مقاضاة إدارة بوش، ومحاسبتها على انتهاكاتها الفظيعة لقوانين حقوق الإنسان، وقال أوباما مبرراً موقفه المتخاذل : «لن نستفيد شيئاً من إضاعة وقتنا ومجهودنا لوضع اللوم على الماضي!».

ولم يستح المتحدث الرسمي لإدارة أوباما روبرت غيتس، من التفوه بتبريرات مضحكة أخرى وقال : «هذا ليس وقت القصاص .. من الأفضل لنا جميعاً أن نتطلع نحو المستقبل».

وفي مايو (أيار) 2009، بدل أوباما موقفه المؤيد لنشر صور حديثة تفضح وتضيف أبعاداً جديدة لأساليب تعذيب المعتقلين في السجون الأمريكية، وزعم أوباما أن نشر الصور «سيؤجج مشاعر العداء لأمريكا، وبالتالي سيعرض قواتنا الموجودة في العالم العربي والإسلامي لأخطار أكبر».

ويقول ستريت إن مزاعم أوباما كانت مثيرة للاستغراب والذهول، لأنها تزامنت مع الغارات والقصف المتكرر والروتيني للمدنيين الأفغان «ومثال على ذلك، مجزرة محافظة فرح في أفغانستان في مارس (آذار) 2009»، وتزامنت كذلك مع إصرار أوباما على مواصلة احتلال العراق، واستمراره في دعم وتأييد «إسرائيل» التي تمادت في قمع الفلسطينيين بوحشية مفرطة، وهذه المواقف هي التي تغذي وتلهب مشاعر العداء لأمريكا في العالم الإسلامي.

[**الدفاع والتنصت*]

وأوباما، الرئيس الذي يفترض أنه، ليبرالي ومناصر للحريات المدنية، وكان أستاذاً درس القانون الدستوري لعدة أعوام، بات يحافظ على ويدافع عن برامج الرقابة والتنصت الإلكتروني التي ابتدعها بوش في المحاكم. وأوباما لم يبذل أي مجهود يذكر، لتفعيل التزامه الانتخابي بتقوية لجنة الحريات المدنية التي كان يفترض أن تراقب وتحمي الحريات المدنية، عندما تعمل الاستخبارات على جمع ورصد المعلومات. ووفقاً للمحلل السياسي وأستاذ القانون في جامعة هارفرد، البروفيسور جاك غولد سميث، الذي شغل منصب نائب المحامي العام في عهد بوش : «يبدو برنامج الترصد والمراقبة الخاص بإدارة أوباما، مطابقاً ومماثلاً لبرنامج بوش، وقد استنفرت سياسات أوباما خاصة الأمنية المطابقة لسياسات بوش، كثيراً من الصحافيين والمحللين، الذين هبوا لانتقاده، منهم على سبيل المثال الكاتب الصحافي والمحلل السياسي مايكل دويل الذي كتب مقالاً نشرته صحف مؤسسة مكلاتشي الإعلامية الأمريكية العملاقة، وفي هذا المقال يقول دويل : «فرض أوباما سرية مفرطة كي يمنع إفشاء أدلة تعين المحاكم على مقاضاة إدارة بوش على خروقاتها في برامج المراقبة والمتابعة الأمنية. وعرقل نشر مذكرات تحقيقات أجراها مكتب التحقيقات الفيدرالي في عام 2008، مع نائب الرئيس ديك تشيني في إطار تحقيقات موسعة بشأن الإجراء العقابي الذي اتخذته إدارة بوش تجاه عملية الاستخبارات فاليري بلوم «التي تعمدت إدارة بوش كشف هويتها الاستخبارية انتقاماً منها». ويلاحظ دويل أن أوباما استمر في سياسة إصدار مذكرات الملاحقة والتوقيف القضائية، وجدد اللجان العسكرية، وحافظ على السجون السرية «التي يحتجز فيها أشخاص لفترة انتقالية قصيرة»، وواصل تعذيب المعتقلين ووسع «الاعتقال غير المحدد بفترة زمنية».

[**سياسة حربية*]

ويقول ستريت، إن أوباما ظل منذ توليه سدة الحكم يبرر سياساته الحربية والعسكرية، واستمراريته في تبني نهج الاعتداء على الحريات العامة الذي ابتدعته إدارة بوش بادعائه أن «بلادنا تخوض حرباً ضد شبكة من العنف والكراهية تعمل في أماكن بعيدة».

أوباما يعيد تدوير لغة بارانويا الخوف والتهويل، التي عملت إدارة بوش على تسويقها وترويجها، وقد كانت هذه اللغة حاضرة، عندما ألقى أوباما كلمة في تأبين ضحايا فورت هود، واستغل أوباما مقتل ثلاثة عشر جندياً أمريكياً في قاعدة عسكرية إمبريالية، ووجدها فرصة لكي يقول : «هذا وقت الحرب. هؤلاء الأمريكيون لم يموتوا في أرض معركة الخارج. لقد قتلوا هنا، وفي قلب هذه البلاد العظيمة، وفي قلب هذا المجتمع الأمريكي العظيم». ولكن أين كانت هذه الحرب؟

يجيب ستريت عن السؤال المنطقي الذي طرحه بنفسه ويقول إن الحرب وقعت في العراق، وأفغانستان، وغزة وفي باكستان. وقد كانت حرباً إمبريالية بامتياز، فرضتها الولايات المتحدة من جانب واحد. وضحاياها كانوا ومازالوا، المدنيين العرب، والبشتون، وبصفة أشمل، المسلمين الذين لم يفعلوا شيئاً للشعب الأمريكي، يستوجب شن الحروب عليهم.

[**الصدمة*]

الفصل السادس والأخير من الكتاب جاء بعنوان : «لقد حُذرنا» وفيه يقول ستريت، إن أوباما وبنهاية 2009 بدأ يواجه شبه تمرد خفيف ونقمة عليه وسط صفوف التقدميين، الذين كان كثيرون منهم يؤيدونه ويناصرونه بشدة، ويدافعون عنه وعن إدارته دفاعاً مستميتاً ضد أي انتقاد.

وبعض القوى اليسارية والليبرالية التي أخذت مأخذ الجد وتبنت وعود حملة أوباما بتطوير إصلاحات نظام الرعاية الصحية، والنضال من أجل خفض انبعاثات الكربون، وصيانة الحريات العامة، ونقل سياسة البلاد الخارجية من العسكرة للدبلوماسية، تبدو مصدومة من التحولات السياسية منذ ديسمبر 2009. وقد عبّر كثير من التقدميين عن إحباطهم وتقززهم من هشاشة إصلاحات نظام الرعاية الصحية التي أجراها أوباما حتى الآن.

وقد تراجع مناصرو أوباما عندما وجدوه، يقلد جورج بوش، ويصعّد حرب واشنطن في أفغانستان وباكستان، وعندما عاد أوباما من قمة كوبنهاغن للمناخ في ديسمبر 2009 من دون أن يلتزم بضوابط مناخية ملزمة. بدأت تبرز مؤشرات نقمة التقدميين وتمردهم بعد أن اتضح أن الرئيس الكاريزمي الذي أثار حماس الكثيرين بشعارات مثل : «نعم نستطيع»، تحوّل شيئاً فشيئاً لرمز شاحب عنوانه : «لا، لا نستطيع».

لقد تحوّل الرجل الذي كان يبدو رئيساً ديمقراطياً، وكانت حملته الانتخابية المثيرة تحمل وعود التغيير، تحوّل إلى رئيس إمبريالي خاضع للوبيات والشركات.

ويورد ستريت بعض مؤشرات تحول الليبراليين والتقدميين وتمردهم على أوباما :

أعلن مؤسس ائتلاف «التقدميين من أجل أوباما» توم هيدن أنه نزع ملصق تأييد أوباما من سيارته بعد خطبة الحرب التي ألقاها أوباما في كلية ويست بوينت العسكرية في ديسمبر 2009.

قرر ائتلاف «التقدميين من أجل أوباما» إسقاط اسم الرئيس من المنظمة وتعديل الاسم كي يصبح «التقدميون من أجل صعود أمريكا».

تنويه محرر مجلة «التقدم» اليسارية الليبرالية إلى خطبة أوباما في ويست بوينت بدت وكأن كاتبها أحد معدي خطب بوش.

أبدى أغلبية الناس الذين عرفوا أنفسهم باعتبارهم ليبراليون في استطلاعات الرأي معارضتهم لتعزيزات أوباما العسكرية وتعصيده للحرب في أفغانستان وعلى الحدود الباكستانية الأفغانية.

أغلبية النشطاء والمدونين والسياسيين والتنظيمات الليبرالية اليسارية، أبدت عدم رضاها عن إصلاحات أوباما لنظام الرعاية الصحية.

إصدار اتحاد الحريات المدنية الأمريكي لائحة إدانة حادة لأوباما لرفضه مقاضاة إدارة بوش على جرائم الحرب التي ارتكبتها، ولتجاوز البيت الأبيض لكل الحدود والمعايير القانونية والأخلاقية من أجل التستر على آثام إدارة بوش.

مواجهة كتلة النواب السود في الكونغرس لأوباما، واتهامها له بوضع أجندة وول ستريت فوق مطالب واحتياجات السود والأقليات الأخرى.

ثم ينتقل ستريت لوصف أوجه كثيرة لم يفِ أوباما بوعوده فيها.

ويختم ستريت كتابه بفصل تذييلي «حاشية» بعنوان : «الاستسلام المؤسف لما كان يسمى باليسار الراديكالي». وفيه يرثي ستريت غياب اليسار الأمريكي عن الساحة ويحث اليساريين على التفاعل، ومناهضة نكوص أوباما عن وعوده الانتخابية.

- [**المصدر : صحيفة «الخليج» الاماراتية | تأليف : بول ستريت | إعداد وترجمة : محمد إبراهيم فقيري*]



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 8 / 2181740

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع تفاعلية  متابعة نشاط الموقع ريبورتاج   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

36 من الزوار الآن

2181740 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 38


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40