الأحد 19 أيلول (سبتمبر) 2010

التحرير قبل الأسلمة

الأحد 19 أيلول (سبتمبر) 2010 par فهمي هويدي

في الأخبار أن الشرطة التابعة لحكومة «حماس» في غزة أغلقت لمدة ثلاثة أيام منتجعاً ترفيهياً تم افتتاحه قبل شهرين بدعوى إقامة حفلات «ماجنة مختلطة». ونقل عن مسئول في المنتجع أن عشرة رجال مدنيين مسلحين ملتحين، يعتقد أنهم من المباحث الجنائية، وصلوا إلى المكان قبل ساعة من موعد الإفطار، وطردوا العاملين والزوار الذين بلغ عددهم 150 شخصاً.

وحسب الكلام المنشور فإن أولئك المدنيين أغلقوا منتجع «كريزي ووتر» دون أن يكون لديهم إذن من النائب العام يخولهم ذلك. وقبل ذلك بأسبوعين تقريباً (في 8/8) نشرت صحيفة «الحياة» تقريراً عن معاناة سكان قطاع غزة بسبب ما أسمته محاولة أسلمة المجتمع بالقوة، من خلال فرض الزي الإسلامي على طالبات المدارس الحكومية، وتدخل المنسوبين إلى أجهزة الأمن في خصوصيات المواطنين وحياتهم الاجتماعية.

أدري أن ثلاثة أرباع الأخبار التي تنشر عن «حماس» في غزة لا تذكرها بأي خير، وأنها عادة ما تكون مسكونة بالرغبة في التشويه والكيد لأسباب مفهومة، وأن ثمة أطرافاً فلسطينية وأخرى عربية ضالعة في هذه العملية (لا تسأل عن «الإسرائيلية»). لكنني سمعت شهادات متواترة أيدت فكرة «الأسلمة» التي تسعى إليها عناصر في «حماس». وهو ما جعلني أرجح صحة المعلومات التي وردت في التقريرين اللذين سبقت الإشارة إليهما. من ثم فقد سمحت لنفسي بأن أقول كلمة في الموضوع.

لا أريد أن أقلل من شأن ثبات «حماس» وشجاعة قادتها وصمودهم في مواجهة الابتزاز والعدوان والحصار. في ذات الوقت فإنني لا أشك في غيرة عناصرها أو إخلاصهم فيما يسعون إليه. لكني أزعم أن التوفيق خانهم في فكرة فرض الأسلمة بقوة السلطة. وأذهب إلى أبعد زاعماً بأن التحرير مقدم على الأسلمة، كما أن الأنسنة بمعنى أن يشعر كل إنسان بكرامته مقدمة على الاثنين.

قبل أن أشرح هذا المنطوق أستعيد القصة التالية : حين قام الصرب بعدوانهم على البوسنة، تدفق بعض اللاجئين البوسنيين على العاصمة الكرواتية زغرب هرباً من البطش والترويع. وقدر لنا أن نزور أحد المعسكرات التي احتشد فيها أولئك اللاجئون. الذين كانوا خليطا من الرجال والنساء والأطفال. كنا مجموعة من العرب يتقدمنا الشيخ محمد الغزالي رحمه الله. التقينا ببعض اللاجئين، ونقل إلينا أحد المترجمين ما قالوه عن معاناتهم وهربهم من الموت الذي لاحقهم. وأثناء الحديث طلب أحد زملائنا السعوديين من المترجم أن يسأل إحدى السيدات البوسنيات لماذا هي ليست محجبة. سمعه الشيخ الغزالي فالتفت إليه مندهشاً وقال بصوت مسموع، هذا من قلة الذوق وسوء الأدب. ثم وجه كلامه إلى صاحب السؤال قائلاً : ألم يشغلك في كل مأساة السيدة سوى أنها حاسرة الرأس، فتقرعها وتؤنبها بدلاً من أن تهدئ من روعها وتطيب خاطرها؟

أتكئ على ملاحظة الشيخ الغزالي في النظر إلى ما يجري في غزة بما يسمح لي أن أصوغ السؤال على النحو التالي : لماذا ينشغل بعض الغيورين في «حماس» بلباس الناس وحياتهم الخاصة، في حين أن القطاع محاصر بالاحتلال وحياة الناس فيه مهددة وعذاباتهم بلا حدود؟

إن إحدى المشكلات الكبيرة التى يعاني منها الإسلاميون الغيورون تتمثل في خلل الأولويات واستعجال النتائج. وذلك راجع إلى سوء التقدير والنفس القصير. تشهد بذلك التصرفات التي تصدر عن البعض فى القطاع والتي سبقت الإشارة إلى بعضها. وفي ظل الظروف التي يعرفها الجميع فإن الأولوية لا ينبغي أن تعطى لقضية الأسلمة، وإنما لتحرير القطاع ومواجهة المخططات التي تدبر له. ويكفي للأسلمة في الوقت الراهن أن يجسد المسئولون عنه قيم الإسلام بما يحولهم إلى نماذج تحتذى، دونما حاجة إلى قرارات إدارية أو تدخلات مباحث الشرطة الجنائية، علماً بأن مدرسة الإسلام تعلمنا التدرج في التكليف رفقاً بالناس، والحكمة في التعامل مع المنكرات، بما قد يستدعي في بعض الأحيان قبولاً مؤقتاً بمنكر أصغر حتى لا يكون البديل عنه وقوعاً في منكر أكبر.

إن استخدام القرارات الإدارية والشرطة في إحداث التغيير الاجتماعي حقق فشلاً ذريعاً في تجارب الأسلمة التي نعرفها. ذلك أن التغيير في هذا الجانب يتطلب نفساً طويلاً، ويكون بالتربية والتثقيف وليس بإجراءات الضبط والتعنيف. وفي كل الأحوال فإن الحفاظ على كرامات الناس أصل ينبغي عدم التنازل عنه. ومعلوم أن الكرامة بنص القرآن من حقوق الإنسان بصرف النظر عن لونه أو عرقه أو صلته. ولذلك قلت إن الأنسنة مقدمة على الأسلمة. حيث من لا كرامة له يسقط عنه التكليف ولا تجدي معه الأسلمة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 7 / 2165892

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2165892 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 21


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010