الجمعة 17 أيلول (سبتمبر) 2010

الصمت السوري

الجمعة 17 أيلول (سبتمبر) 2010

قليلة هي المعلومات التي تسربت عن اللقاء الذي عقده السناتور جورج ميتشل مبعوث الادارة الامريكية الى المنطقة مع الرئيس السوري بشار الاسد اثناء زيارة الاول الى العاصمة السورية امس، فالتصريحات الصحافية التي ادلى بها المبعوث الامريكي جاءت مغرقة في العموميات، وتكرار احاديث امريكية سابقة حول التزام الولايات المتحدة بالسلام الشامل دون تقديم اي مقترحات عملية لتحريك المسار السوري «الاسرائيلي» مجدداً.

اللافت ان زيارة السناتور ميتشل الى دمشق بعد بيروت جاءت في تزامن مع تواتر تقارير امريكية و«اسرائيلية» عن استعداد نتنياهو لعقد صفقة سلام مع سورية تؤدي الى الانسحاب من هضبة الجولان مقابل ترتيبات امنية وتطبيع العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين.

القراءة المتأنية لمجمل الوقائع والتحركات الدبلوماسية والسياسية على الارض لا توحي بوجود اي مفاوضات سرية او علنية، مباشرة او غير مباشرة بين الطرفين السوري و«الاسرائيلي». فمن الواضح ان القيادة السورية ترفض كل العروض الامريكية والفرنسية الحالية لفتح قناة مفاوضات اخرى غير القناة التركية.

صحيح ان الولايات المتحدة الامريكية تبذل جهوداً كبيرة لابعاد سورية عن ايران تمهيداً لعزل الاخيرة عربياً ودولياً، وتصوير اي حرب قادمة ضدها على انها حرب بين ايران الفارسية وبين الولايات المتحدة وحلفائها العرب و«الاسرائيليين».

فمثلما ادى انضمام التيار الوطني الحر بزعامة العماد ميشيل عون الى تحالف معسكر المقاومة بزعامة «حزب الله» الى تغيير قواعد اللعبة في لبنان، والغاء الصفة الطائفية السابقة للصراعات السياسية على ارضه، اي بين مسلمين ومسيحيين، فان وجود سورية في المحور الايراني يحول دون طموحات امريكية ـ «اسرائيلية» بخلق صراع فارسي ـ عربي، او سني ـ شيعي في المنطقة.

المقارنة هنا نسبية، فمكانة سورية في اطار محور الممانعة كبيرة واساسية دون اي شك في ذلك، والدور السوري في منطقة «الشرق الاوسط» اساسي لا يمكن القفز عنه، خاصة فيما يتعلق بعملية السلام في المنطقة التي تقودها الولايات المتحدة، وعلى المسار الفلسطيني ـ «الاسرائيلي» بالذات.

السناتور ميتشل يقوم بزيارة مجاملة الى دمشق لتأكيد اعترافه بهذه المكانة، ومحاولة تجنب تخريب الحكومة السورية للمفاوضات المباشرة التي يجمع معظم المراقبين على تعثرها.

فلم يكن غريباً ان يطلب السناتور ميتشل دعم سورية لتخفيف حدة المعارضة التي تتبناها الفصائل الفلسطينية التي تتواجد قياداتها في دمشق. ولعل السناتور ميتشل قد ادرك ان الحكومة السورية قدمت هذه المساعدة منذ اليوم الاول لانطلاق المفاوضات المباشرة، فقد كانت حدة المعارضة لها في حدودها الدنيا على اي حال، سواء من جانب قيادات هذه الفصائل او من قبل المسؤولين انفسهم.

صحيح ان بعض الصحف السورية نشرت افتتاحيات تعارض هذه المفاوضات المباشرة وتشكك في جدواها وفرص نجاحها، ولكن الصحيح ايضا ان اياً من المسؤولين السوريين، الكبار منهم او الصغار، لم يدن هذه المفاوضات في تصريحات رسمية، وكأن اتفاقاً جرى التوصل اليه داخل دائرة صنع القرار في سورية بالتزام الصمت الكامل تجاه هذه المسألة.

السؤال هو عن المقابل الذي حصلت عليه الحكومة السورية من الادارة الامريكية او حلفائها العرب مقابل جهود تخفيف المعارضة للمفاوضات المباشرة؟

من الصعب اعطاء اجابة جازمة في هذا الاطار، ولكن من الممكن التكهن بان الحكومة السورية، وهي تدرك خطورة الاوضاع في المنطقة، وتزايد احتمالات الحرب على احتمالات السلام فيها مثلما قال الرئيس الاسد اكثر من مرة في تصريحات صحافية، قررت التهدئة وعدم اثارة الغضب الامريكي، خاصة انها تعرف ان هذه المفاوضات المباشرة لن تؤدي الى اي اتفاق بسبب حصول «الرئيس» عبّاس على التفويض الشرعي او الدعم الفلسطيني، وعدم استعداد نتنياهو في الوقت نفسه لتقديم اي تنازلات على صعيد الاستيطان والمطالب الفلسطينية الاخرى.

الصمت السوري قد لا يطول كثيراً، واذا طال فهذا ربما يعني وجود استعداد امريكي لفتح قناة التفاوض بين سورية و«اسرائيل» حول الجولان، ولعل انهيار المفاوضات المتوقع يرفع عن الحكومة السورية حرج هذا الصمت.

- [**رأي صحيفة «القدس العربي» اللندنية*]



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 6 / 2181284

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المرصد  متابعة نشاط الموقع صحف وإعلام   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

9 من الزوار الآن

2181284 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 8


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40