الجمعة 17 أيلول (سبتمبر) 2010

ثمن الحرب في العراق

الجمعة 17 أيلول (سبتمبر) 2010

تركز اهتمام الصحف التي تناولت أنباء ما وُصف بـ «انتهاء الأعمال القتالية في العراق»، على وصف حال العراق بعد الحرب، وعلى الثمن الباهظ الذي كلفته هذه المغامرة. ولكنه على الأغلب، محسوب من الزاوية الأمريكية : عدد القتلى والجرحى الأمريكيين الذين سقطوا في هذه الحرب، وكمية الأموال الأمريكية التي أهدرت فيها، وما عاناه الجنود من صدمة، وما عانته أسرهم في غيابهم، وما إلى ذلك. وحفاظاً على اللياقة، تتطرق هذه الصحف، إلى ذكر ما دفعه الشعب العراقي من دماء أبنائه وبناته.

في صحيفة «الغارديان» البريطانية، (31/8/2010)، يقوّم سايمون جينكينز، وضع العراق بعد هذه الحرب، فيقول : مع عودة الجنود الأمريكيين إلى وطنهم، يكون العراق أكثر حرية بقليل، مما كان عليه سنة 2003، ولكنه أقل أمناً بكثير. ولا يزال مليونان من العراقيين لاجئين في الخارج، بسبب الفوضى التي ابتُلي بها العراق منذ سبع سنين، مع مليونين من المشردين داخلياً. ومن المفارقات الغريبة أن المسيحيين العراقيين قد هربوا من البلاد. وفي ظل الحكم الغربي، لا يزال إنتاج النفط وهو الناتج الأساسي في العراق دون مستواه قبل الغزو، ولا تزال المنازل تتمتع بساعات من توفر التيار الكهربائي، أقل من السابق.

ويصف الكاتب هذا الوضع بأنه رهيب، حيث يقدر عدد المدنيين الذي فقدوا حياتهم من جراء العنف المرتبط بالاحتلال، بـ 100 ألف مدني. وليس لدى البلد حكومة مستقرة، وإعادة البناء في حدّها الأدنى، كما تجري عمليات القتل والاختطاف بصورة يومية . والفساد مُستشرٍ، ويتغذى على المساعدات التي لا تخضع للمحاسبة. والحكم الذي تتزايد أسلمته، يحدّ من ليبرالية المرأة بدلاً من أن يزيدها، ذلك ما أثمره الإنفاق الأمريكي الذي فاق التصوّر، وبلغ 750 مليار دولار، ليحقق أسوأ مردود يحققه المال في تاريخ الدبلوماسية الحديثة.

وفي تقويم الكاتب لحرب العراق، يقول : سوف يعدها التاريخ كارثة أدّت إلى إقصاء قوى الاطلسي عن بقية العالم، وجردتها من الأهلية لأن تكون شرطيّاً دولياً. لقد كانت ردّ فعل وحشياً ومبالغاً فيه، من قبل دولة أمريكية مصابة بجنون العظمة، ومتخمة عسكرياً، على عمل إرهابي غريب ووحيد، ولا علاقة له بالموضوع.

... إن الغرب يغادر العراق غارقاً في بركة من الدم، والغبار والدولارات. ولكن هذا الغرب، يظل مشدوداً بإحكام إلى شقيقة حرب العراق في الحماقة، حرب أفغانستان.

وكتبت صحيفة «الديلي تلغراف» البريطانية، (31/8/2010)، في افتتاحية لها بعنوان : «من انتصر في العراق؟»، كان تخليص البلاد من صدام حسين، أمراً صائباً، ولكن أداء الاحتلال الذي أعقب الغزو، يكاد يكون كارثياً . فقد أدّى إلى تورط عسكري، أطول وأكثر كلفة، وأشدّ دموية مما كان متصوراً. فكانت خسائر قوات الحلفاء حتى أمس، 4734 قتيلاً، بينهم 179 بريطانياً. وتشير أكثر التقديرات تواضعاً، إلى أن خسائر المدنيين العراقيين بلغت 100 ألف قتيل، كما أن الأذى الذي لحق بمكانة أمريكا (وبريطانيا إلى حد ما) في العالم الاسلامي، لم يكن بالحسبان. والعنف آخذ بالتزايد، ويعتقد أن حركة القاعدة (التي لم يكن لها موطئ قدم في العراق من قبل)، هي المسؤولة عن الشطر الأعظم منه.

وتسألت الصحيفة بعد ذلك : هل كان الأمر يستحق كل هذا العناء؟ وتقول : ذلك سؤال تستحيل الإجابة عنه، لأنه لا سبيل إلى معرفة ما كان سيفعله صدام لو تراجع الحلفاء عن هزيمته في ربيع سنة 2003.

وتقول الصحيفة، قد يكون العراق الآن، أكثر الدول ديمقراطية في العالم العربي بعد لبنان، وتذكر قول أوباما مؤخراً، إن العراق الآن «مثل كل الدول ذات السيادة، مستقل، وحرّ في شقّ طريقه بنفسه». وتعلق على ذلك بالقول: لن نتحقق من صحة ذلك إلاّ بعد مغادرة آخر الأمريكيين، وعندئذٍ فقط سنبدأ نعرف ما إذا كان هذا المردود، يستحق المحاربة من أجله.

وفي موقع «ريال كلير وورلد»، (1/9/2010)، كتب بول سالم (مدير مركز الشرق الأوسط، التابع لمؤسسة كارنيغي في بيروت)، «لقد غيّر غزو العراق بقيادة الولايات المتحدة سنة 2003، الحدود الجيوستراتيجية في «الشرق الأوسط». فقد جلب جيشاً غربياً جرّاراً إلى المنطقة، بهدف تغيير النظام، وأسقط دولة عربية رئيسة، اعتادت أن تقوم بدور المصدّ في وجه القوتين الإيرانية والتركية، على مدى معظم القرن العشرين، وأطلق عقال توترات إثنية ومذهبية حادة، لا تزال أصداؤها تدوّم في المنطقة. وعلى الرغم من أن آثار حرب العراق على المنطقة لا تزال تتكشف، فإن بعض العواقب لا يمكن عكس اتجاهها.

ويقول الكاتب، إن حرب العراق، أتت فعلاً بـ «شرق أوسط جديد»، ولكنه ليس «الشرق الأوسط» الذي تخيله المحافظون الجدد وإدارة بوش. ويجب على زعماء المنطقة وشعوبها، بعد أن تُركوا مع ما خلّفته الحرب، أن يكافحوا للتعامل مع نتائجها وآثارها، ويبحثوا عن طريقة لبناء الاستقرار الإقليمي والتعاون في مواجهة الأحداث التي تتحرك سريعاً.

وفي صحيفة «اندبندنت» (1/9/2010)، كتب باتريك كوكبيرن : إن العراق الذي تخلفه الولايات المتحدة وراءها، بلد يتزايد فيه العنف، وتخفق فيه الأطراف السياسية في تشكيل حكومة بعد ستة أشهر من الانتخابات البرلمانية.

... ويعكس الإخفاق في تشكيل حكومة جديدة، الانقسامات العميقة بين الفئات الرئيسة الثلاث السنية والشيعية والكردية وانقساماً بين الفئتين الشيعيتين : دولة القانون، والتحالف الوطني العراقي.

ويقول الكاتب، إن عجز الأحزاب العراقية عن التوصل إلى اتفاق، يزيد تأثير جيران العراق الذين يدعمون الأطراف المختلفة.

وفي موقع «أنتي وور» (1/9/2010)، كتب إيفان أيلاند : لم تكن حرب العراق مدمرة وحسب، بل كانت واحداً من أسوأ الأخطاء الاستراتيجية في تاريخ السياسة الخارجية الأمريكية.

وفي موقع «انتي وور» (3/9/2010)، كتب بول كريغ روبرتس، عن «التكلفة الحقيقية للحرب»، تحدّث أوباما عن التكلفة التي تجشمها الأمريكيون لتحرير العراق، ولكن، هل تم تحرير العراق فعلاً، أم إنه بات في أيدي ساسةٍ يشبهون دُمى تحركها أمريكا، ولا يزال محتلاً من قبل 50 ألف جندي، و200 ألف فرد من المرتزقة و«المتعاقدين»، وتحكمه أكبر سفارة في العالم، هي في واقع الأمر حصن منيع؟

ويمضي الكاتب قائلاً : لم يتحدث الرئيس أوباما عن التكلفة العراقية لـ «التحرر». ولم يذكر أعداد القتلى العراقيين الذين لم يُحصَوا، وتتراوح تقديرات عددهم بين 100 ألف، ومليون قتيل، معظمهم من النساء والأطفال. كما لم يذكر أعداد الأطفال الذين يُتّموا أو شُوهوا، ولا العراقيين النازحين وعددهم أربعة ملايين، ولا الطبقة الوسطى المهنية التي هربت من البلاد، ولا المنازل والبُنى التحتية، والقرى والبلدات التي دُمرت.

ويضيف الكاتب : ليس الثمن الأكبر لحرب المحافظين الجدد على العراق، هو مبلغ الثلاثة تريليونات دولار التي أنفقت عليها، ولا الجنود الأمريكيين الذين قُتلوا أو شوهوا فيها، ولا عائلاتهم التي تحطمت بسببها. بل إن أعظم ثمن لهذه الحرب الشريرة، هو تدمير الدستور الأمريكي، والحريات المدنية الأمريكية.

... فقد ظلّ الفرع التنفيذي يمارس سلطة أحادية غير مسؤولة، للقضاء على الدستور الأمريكي، بتدخل ضئيل من السلطة القضائية، وبدعم من الكونغرس، وأعلن أن المعارضين الأجانب لعمليات غزو واحتلال بلادهم «إرهابيون»، لا تنطبق عليهم قوانين الحرب، ولا القوانين الجنائية في الولايات المتحدة، ويخضعون للتعذيب والاحتجاز دون حدّ، ومن دون اتهام أو تقديم أدلة.

هذا هو ميراث نظام بوش/ تشيني، ويستمر هذا النظام الإجرامي في عهد أوباما. فقد أحيت «حرب أمريكا على الإرهاب»، المفبركة، زنازين العصور الوسطى، والاستبداد الفج، الذي ساد قبل الماغنا كارتا، وهذه هي التكلفة الحقيقية لـ «تحرير» العراق، الذي هو في واقع الأمر، تحويل العراق إلى دميةٍ طيعة في يد أمريكا.

- **المصدر : صحيفة «الخليج» الاماراتية



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 10 / 2165402

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المرصد  متابعة نشاط الموقع صحف وإعلام   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2165402 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010