الأربعاء 15 أيلول (سبتمبر) 2010

من قتل الحريري اذن؟

الأربعاء 15 أيلول (سبتمبر) 2010

ما زالت قراءة لائحة الاتهام في قضية مقتل رفيق الحريري تؤجَّل. لم ينه المدعي العام في المحكمة الدولية، دانيال بلمارا، التدقيق في الشهادات التي قدمها حزب الله الى حكومة لبنان وتقرن «إسرائيل» بالقتل حتى أضيفت قضية جديدة قد تعوق المحاكمة أكثر. فحزب الله يطالب بمحاكمة «الشهود الكاذبين» التي تعتمد الدعوى عليهم، في زعمه. لا داعي البتة الى بدء المحاكمة ما دام «الشهود الكاذبون» يجولون بحرية، لأنه اذا تم البرهان في محاكمتهم على أنهم كذبوا فسيضطر الادعاء الى الفحص من جديد عن الشهادات التي يملكها كما يقول حزب الله، وليس هو الوحيد الذي يزعم ذلك.

حظي هذا الطرح في الأسبوع الماضي بدعم من جهة غير متوقعة. فقد قال سعد الحريري، رئيس حكومة لبنان وابن رفيق في مقابلة صحافية مع «الشرق الاوسط» أن الشهود الكاذبين «ضللوا المحققين وأضروا بالعلاقات بين سورية ولبنان»، عندما وجهوا اتهاماتهم الى سورية. لم يعتذر الحريري لسورية من أنه اتهمها بقتل أبيه في شباط (فبراير) 2005 لكن كلامه كان كافيا ليبين للجمهور في لبنان وسورية، وعلى نحو لا يقل عن ذلك لمصر والسعودية اللتين رأتا سورية متهمة مباشرة ورئيسية بالقتل، أن لبنان قد طهر اسم سورية مع المحاكمة او من غيرها.

بيد أن كلام الحريري يحدث موجة ارتدادية داخل لبنان. ففي نهاية الاسبوع عقد جميل السيد الذي كان رئيس جهاز الامن العام زمن الجريمة مؤتمرا صحافيا مدويا طلب فيه من الحريري «أن يعيد اليه حقوقه وإلا فسيفعل ذلك بيديه». كان الجنرال السيد أحد المتهمين الاساسيين بتدبير القتل، واعتقل مدة تقترب من أربع سنين الى أن أطلقت لجنة التحقيق سراحه بحجة أنه لا توجد أدلة على مشاركته.

في ذلك المؤتمر الصحافي اتهم السيد الحريري ومؤيديه مباشرة في كتلة «المستقبل» التي يترأسها، بالمسؤولية عن تضليل المحققين وبالعمالة مع محاولة مصر (التي اتهم احد دبلوماسييها في لبنان بالتحريض)، والسعودية والولايات المتحدة و«إسرائيل» القاء التهمة على سورية وعلى أجهزة الامن اللبنانية لاحداث حرب أهلية في لبنان. يطلب السيد الان من المدعي العام بلمار ان يستقيل، وينوي أن يدعي على المسؤولين عن اعتقاله في محكمة في سورية خاصة، لأن الادعاء في لبنان كما يزعم يمنعه من تقديم دعوى عليهم.

في رد على هذه التهم قال عضو مجلس النواب عقاب صقر، إن السيد أرسل وسيطا الى رفيق الحريري، وطلب منه 15 مليون دولار عوض ازالة دعواه عليه وعلى حكومة لبنان. وعندما رفض الحريري الطلب أصبح السيد مستعدا لخفض الثمن الى 7.5 مليون دولار.

إن العاصفة التي أثارها السيد، الى جانب الشكوك في شأن صدق الشهادات التي تملكها لجنة التحقيق الدولية وضغط حزب الله السياسي الداخلي من اجل محاكمة «الشهود الكاذبين»، توقف رئيس الحكومة في مواجهة معضلة شديدة: هل يستجيب لمطالب الغاء المحكمة الدولية تماما ونقل التحقيق للجنة تحقيق عربية لبنانية، أي إماتة التحقيق، أم يترك اللجنة تستمر على تحقيقها وتجري المحاكمة مع كل آثارها الممكنة على استقرار لبنان؟

تتابع اللجنة في ظاهر الأمر عملها بغير ما صلة بالزعزعة التي أحدثتها في لبنان، بل إنها بادرت الى إعداد نحو 40 محامياً لبنانياً لإجراء محاكمة فيها منزلة للقانون اللبناني والقانون الدولي أيضا. يفترض أن يتولى هؤلاء المحامون الدفاع عمن يتوقع أن يحاكموا. لكن لا يخفى على لجنة التحقيق أيضا التقلبات السياسية التي نشأت في لبنان وسورية منذ مقتل الحريري. فقد جددت السعودية علاقاتها بالنظام السوري؛ ووثقت تركيا صلاتها ببشار الأسد ومكنت من تنقل حر للمواطنين بين الدولتين؛ وغير رئيس حكومة لبنان مساره وجدد الحلف بين لبنان وسورية؛ وأصبح حزب الله المتهم بمقتل الحريري جزءا من حزام استقرار لبنان وفي يده القدرة على نقضه.

نتيجة هذا النسيج السياسي الجديد الذي نشأ في غضون خمس سنين فقط لم يعـد لدى المدعي العام بلمارا الان، فضلا عن أنه ليست له سلطة أن يحاكم ويؤثم القتلة، القدرة على تقرير مصير لبنان أيضا.

هذا عبء ثقيل لا على لجنة التحقيق التي أنشئت بمبادرة لبنانية وفرنسية وأمريكية وسعودية، بل على الدول المساعدة. فقد طلب وليد جنبلاط من فرنسا مثلا أن تتحلل من كل قضاء للمحكمة وإلا فانها «ستتهم باشعال حرب أهلية في لبنان» قد تحدث على أثر المحاكمة. والسعودية من جهتها تستعمل ضغوطا على فرنسا والولايات المتحدة لتتركا التحقيق يموت.

تصر فرنسا في الحقيقة على أن تجرى المحاكمة، لكنها تطمح أيضا الى أن تكون مشاركة في المسيرة السياسية بين سورية و«إسرائيل»، وقد تتفضل آخر الأمر بأن تدفع عن ذلك ثمنا سياسيا لسورية وتؤيد أن تحل لجنة تحقيق عربية محل المحكمة الدولية.

أعلنت الولايات المتحدة من جهتها أن المحاكمة لن تكون ورقة مساومة، وأنها تؤيد إجراءها بلا تحفظ، لكنها مشفقة أيضا على استقرار لبنان، وقد تصبح المحاكمة على القتل حدثا سياسيا لا يقل عن القتل نفسه. وهي ترى أن سؤال من قتل الحريري يمكن أن يخزن مع سؤال من قتل كندي «حقا»، لأن جواب هذا السؤال قد يعرض الكثير من المصالح فجأة للخطر.

- **«هآرتس»



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 10 / 2165635

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المرصد  متابعة نشاط الموقع صحف وإعلام   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2165635 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 19


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010