الأربعاء 15 أيلول (سبتمبر) 2010

مصر التي ترعى

الأربعاء 15 أيلول (سبتمبر) 2010 par وائل عبد الفتاح

مصر راعية الجولة الثانية للمفاوضات. ليست مجرد صاحبة الملعب، كما نفهم من تصريحات المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، إنها شريك يدفع عملية التفاوض الدائرة الآن في شرم الشيخ. يدفعها لكن إلى أين؟ لا أحد يملك الإجابة غالباً. المفاوضات هدف في حد ذاتها. دورانها يمنح جميع الشركاء فرص الاستمرار. سلطة أبو مازن بكل أمراضها وفسادها وشيخوختها المزمنة. والمستوطنون الجاهزون بـ 13 ألف مستوطنة ستدشن فور انتهاء مهلة 26 أيلول. مصر التي ترعى المفاوضات سيستمر نظامها في تعاطي إكسير الخلود على السلطة.

لماذا المفاوضات؟ المعارضون استهلكوا في الرفض المطلق، والراغبون في دوران الماكينات أداروها من دون خطة، ولا طريق إلى نقاط تعادل ذهبية، تحدث عندها نقلة في حالة «اللا حرب واللا سلم».

يمكن أن تحدث مفاجأة بالطبع، لكنها ستكون باتجاه استمرار الوضع على ما هو عليه. كما يحدث في مصر نفسها، انتظار التغيير سار في اتجاه تدعيم النظام الحالي واختياراته دولياً. وبعدما كان المجتمع يشن حرب التغيير، غرق في حرب كاميليا. زوجة راعي كنيسة دير مواس أصبحت رمزاً في حرب من عجائب اللحظة الراهنة، المسلمون يريدونها بعدما أسلمت ووزعت صورها ترتدي الخمار. والمسيحيون يدافعون عنها بفيديو مصور تعلن فيه الولاء والطاعة للكنيسة والبابا والعائلة.

نهاية متوقعة لشحن الطوائف المنتعش في ظل اللعب على ثقافة القطيع. النظام محترف في تحريك ثقافة القطيع إلى حدودها القصوى، وإدارة البلاد من خلالها، إغراق مفاجئ لمفردات ثقافة القطيع تخرج معه قيم الحرب الأهلية، ليست دينية، ولكنها سباق على تحريك القطيع، كل قبيلة تدافع عن نفسها على حساب كاميليا. كاميليا لها قيمة لأنها رمز المنافسة. لا قيمة لها في حد ذاتها.

حروب الصور انتهكت خصوصية كاميليا، كما انتهكت من قبل خصوصية عائلة الدكتور محمد البرادعي، الذي فوجئ بأنه مطالب بالدفاع عن أخلاقه وأخلاق عائلته، عندما سُرّبت صور من موقع الفيسبوك لابنته بلباس البحر (المايوه) وأخرى للرجل يجلس إلى مائدة تتضمن زجاجات خضراء. وبدلاً من مناقشة المطالب السبعة بتغيير الدستور وقواعد انتخابات الرئيس، انشغل المجتمع بسؤال : هل تقبل أن تنتخب شخصاً ترتدي ابنته المايوه، ويشرب الخمر؟

تغيير من هذا النوع مفاجأة ليست هينة على مستوي «معركة البقاء» في السلطة. هناك من يلعب في الخفاء لتهييج القطيع. يبحث لهم عن عدو. صيد يتحمسون لالتهامه.

وأمام كل حفلة لالتهام الفريسة، تعود للكلمة الخالدة رنتها : «مفيش فايدة». رنة الكلمة ترتفع كلما انتشر اليأس من التغيير، أو كلما زادت نقاط الدعم من واشنطن. تزامن فاضح بين رنة «مفيش فايدة» والاستمرار في أداء الوظائف الحيوية المطلوبة من النظام. وفي المقابل يبدو التغيير غريباً ومشرداً في بحث عن تأسيس قواعد لدولة مدنية تؤمن بالمساواة بين الجميع، حاكماً ومحكومين، ولا تعطي قداسة للحاكم ولا تضفي عليه أبوة. رئيس لا يعلو فوق مؤسسات الدولة، ولا يبتلعها بحضوره الشخصي، رئيس ليس فوق الجميع.

دولة مواطنة، لا تمييز بين فرد وآخر على أساس الدين أو العائلة أو الثروة. هذا هو التغيير أو «الفايدة» التي يبدو أن هناك وعياً بها من أسفل. صوتها يبدو ضعيفاً لكنه يشق الطريق في ظل الفوضى الكبيرة التي أخرجت تظاهرات التنافس على كاميليا بأوامر من رجال السلطة الدينية أو بإيحاء منهم، كل منهم، في الطرفين، يريد الحفاظ على سلطته، أو نصيبه من الكعكة قبل توزيع تركة العهد الذي يبيد، لكنه يرعى مفاوضات بلا هدف معلن سوى استمرارها.

رعاية المفاوضات تبدو جزءاً من خلود نظام لا يستمد شرعيته من أصوات الناخبين، ولكن من غلبته على الدولة. الانتخابات هنا ليست معركة على رضى الناخبين، ولكنها قدرة على استمرار الغلبة، وهنا لا مانع من استخدام ورقة المفاوضات لاستدرار الغلبة ومعها قداسة لا تنهي عصر الرئيس الأبدي، ولكنها تنقل ميراثه إلى من يخلفه، سواء كان من النظام أو من العائلة.

هكذا فإن «جمهورية مبارك» ترعى مفاوضات تضمن لها خلود الملك.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 13 / 2165551

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

29 من الزوار الآن

2165551 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 29


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010