الأربعاء 15 أيلول (سبتمبر) 2010

فلسطين : لماذا لا يوجد حل؟

الأربعاء 15 أيلول (سبتمبر) 2010 par ميشيل كيلو

لم تعد قضية فلسطين تطرح على ناسها غير الأسئلة الصعبة، فتزيدهم حيرة على حيرة، على أن أكثر أسئلة فلسطين أهمية هو الآتي : لماذا لم ينجح أي مسعى منذ مدريد عام 1991 إلى اليوم في إيجاد حل للمشكلة التي تعترف الأطراف العربية والإقليمية والدولية بأنها مشكلة المشاكل، وأنه يتوقف على حلها بزوغ حقبة مديدة من السلام والأمن والازدهار، في كل مكان من هذه الدنيا؟ وكذلك : لماذا لم تنجح أمريكا في الضغط على «إسرائيل» كي تقبل حلاً هذه نتائجه، لا شك في أنه سيخدم مصالحها بنسبة مليون في المئة؟

قبل الرد على هذين السؤالين، أود التذكير بحقائق واكبت ما سمي آنذاك حل القضية الفلسطينية :

أولى هذه الحقائق أن العالم العربي كان قد بدأ مصالحة «إسرائيل»، مباشرة بعد حرب أكتوبر/ تشرين الأول عام 1973، وتعهد بعدم شن أو خوض حرب أخرى ضدها، رغم أنها لم تخرج جيشها في ما بعد من أراضي العرب المحتلة، وإنما سحبته من بعضها وأبقته في بعضها الآخر، وتحديداً في أراضي فلسطين وسوريا ولبنان. بانسحاب «إسرائيل» من أراضي مصر والأردن، اكتمل التغيير في الموقف العربي من القضية الذي كان يرى فيها جزءاً مركزياً من المعركة ضد الاحتلال، وغدت بالنسبة إليه جزءاً من سياسة خارجية تؤيد موقف فلسطين التفاوضي كما تقرره منظمة التحرير. برفع الغطاء العربي عن القضية، لم تعد محور ما كان يسمى «النضال العربي» أو «قضيته المركزية».

وثانية الحقائق، أن الاتحاد السوفييتي كان ينهار ويتلاشى في هذه الأثناء، وأن انهياره رفع جزءاً رئيساً من الغطاء الدولي عن القضية الفلسطينية التي فقدت بفقده حليفاً ونصيراً رأى فيها واحدة من روافع الصراع مع أمريكا والغرب، وشيئاً يتخطى فلسطين إلى العالم، فمارس ضغوطاً على خصومها الكثيرين : من العرب وغير العرب، وعمل على حمايتها وضمان استمرارها. باختفاء السوفييت تغير وضع القضية وضعفت منظمة التحرير.

وثالثة الحقائق، أن تراجع وتلاشي بعدي القضية العربي والدولي كان يمكن أن يطوي صفحة فلسطين، لولا انتفاضة شعبها التي بدت وكأنها تعوضها عما فقدته، وتقدم بديلاً ضاغطاً على العالم، يصعب إخراجه من المعركة.

بسبب هذه التحولات، كان من الصعب أن تحصل المنظمة على حل وطني يعيد كامل الأرض ويقيم الدولة المستقلة. لقد فقدت فلسطين أوراقاً مهمة :عربية ودولية، بينما كانت «إسرائيل» ترفض حلاً يبادل الأرض بالسلام، وتعتقد أن قدرة المنظمة على إيذائها تتراجع باطّراد، وأن استيلاءها على ما لم تضمه بعد من أرض فلسطين غدا ممكناً، خاصة أن انحياز أمريكا إليها لن يتغير، وأن حدود الحل ستقع حتماً بين إعادة حد أدنى من الأرض إلى منظمة التحرير، وبين حد أدنى من السلطة هو نوع من الحكم الذاتي على السكان.

هذا الحل قرر الأمريكيون أن يمر في مرحلتين : أولى يقوم خلالها الحكم الذاتي، تستعيد المنظمة فيه مساحة قليلة من الأرض (13% من الضفة وغزة)، وثانية تترك لمفاوضات نهائية لا شأن لأحد غير ممثلي الفلسطينيين و«الإسرائيليين» في تحديد ما سيتمخض عنها، ستقرر الوضع النهائي لفلسطين، ولـ «إسرائيل» أيضاً. انتهت المرحلة الأولى من المفاوضات عام 1993، وقام بعدها حكم ذاتي فلسطيني في مناطق قليلة من فلسطين 1967. إلا أنه منذ ذلك اليوم وحتى اللحظة، لم يتم أي شيء بالنسبة إلى مفاوضات المرحلة الثانية، النهائية، التي ستقرر قيام الدولة الفلسطينية وحدودها وعاصمتها، وستحل مشكلة اللاجئين والمستوطنات والمياه .. إلخ. في هذه الأثناء، أعاد الصهاينة احتلال الضفة الغربية، وانسحبوا من غزة، فضاع الحكم الذاتي من الأولى، وتوطن في الثانية، حيث تحكم «حماس»، بعد طرد المنظمة بالقوة من القطاع، فكان الصراع بينها وبين المنظمة قشة قصمت ظهر البعير الفلسطيني، وجعلت تحقيق أي هدف من أهدافه ضرباً من المحال. بالانقسام الفلسطيني وما تلاه من قتال، اكتملت دائرة الضعف الفلسطيني التي كانت قد بدأت ترتسم عربياً بعيد عام 1976، ودولياً بعد 1991.

يتساءل العقل العربي لماذا لا تضغط أمريكا على «إسرائيل»، وهل تستطيع حقاً الضغط عليها . يظهر من العرض المختصر الذي قدمته أنها ليست على خلاف معها كي تضغط عليها، ويؤكد أنها تعتقد مثلها أن المنظمة حصلت عام 1991 على أكثر مما تستحق، على ما كانت عاجزة عن انتزاعه بالقوة، لو رفضت أمريكا و«إسرائيل» إعطاءها إياه سلماً. واليوم، وبعد أن ضعفت المنظمة وتم شق الصف الفلسطيني إلى وطنيين وإسلاميين، بلغ العداء بينهما حد القتل، لا مجال لإقامة دولة فلسطينية في غير عالم الكلام والوعود، عالم موجه نحو إدارة الأزمة الفلسطينية، سينحدر بقدرات فلسطين إلى درك لن يخرج منه أي حل عادل للقضية، خاصة أن أصحابها صاروا عاجزين عن فعل أي شيء لمصلحتها، على الصعيدين السياسي والعسكري، وهم ينخرطون في عملية تمزيق وانتحار ذاتي قاتلة، حولتها إلى ورقة بيد قوى إقليمية تكثر من الحديث عن قدسية القضية، مع أنها لا تساوي عندها فلساً واحداً.

استخدم الأمريكيون القضية الفلسطينية طوال نصف قرن ونيف لترويض العرب، وهم يستخدمونها الآن لترويض المنطقة أيضاً. بما أن الترويض بدأ للتو، في ظروف تختلف اختلافاً هائلاً عن ظروف ما قبل احتلال العراق، فإن من الصحيح القول : إن قضية فلسطين دخلت في المجهول، والدليل : الموعد الذي حدده البيت الأبيض لإقامة دولتها العتيدة، وهو خامس موعد يحدده لقيامها، منذ عام 1993.

لن تحصل فلسطين على شيء غير المزيد من إضعاف قدراتها وتمزيق صفوفها، لسبب سبق ذكره، هو أن الطرف الآخر يعتقد جازماً أنها حصلت على أكثر مما تستحق، وأخذت ما لم تكن موازين القوى تتيح لها أخذه، وأنه ليس بوسعها السعي إلى ما هو أكثر منه، بعد تدهور وضعها الذاتي إلى حد أفقدها آخر ورقة كان يمكنها: وحدتها الوطنية.

يقال منذ بعض الوقت : إن أمريكا جادة في البحث عن حل للقضية، بسبب تأثيرها السلبي في مصالحها الإقليمية والدولية. لو كان الوضع الفلسطيني قوياً، لكان هذا القول صحيحاً. ولو كانت أمريكا بحاجة إلى الفلسطينيين، ولم يكن الفلسطينيون هم الذين يحتاجون إلى أمريكا، لكان الأمر صحيحاً. لكن الوضع الفلسطيني سيّئ إلى درجة تجعل بديل أي إخفاق، المزيد من الاعتماد على أمريكا، وحاجة ممثلي فلسطين إلى واشنطن أكبر بكثير من حاجة واشنطن إلى هؤلاء، خاصة بعد أن فقدوا القسم الأكبر من أوراقهم الدولية والإقليمية والعربية والذاتية.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 14 / 2165553

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

34 من الزوار الآن

2165553 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 34


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010