الأربعاء 15 أيلول (سبتمبر) 2010

أي حل لقضية فلسطين؟

الأربعاء 15 أيلول (سبتمبر) 2010 par د. سليم الحص

نقول بكل بساطة : إن انتهت القدس، لا قدّر الله، انتهت فلسطين. وإن انتهت فلسطين لا سمح الله انتهت الأمة العربية. وإن انتهت الأمة العربية تبدد المسلمون في كل مكان. فلا خيار أمامنا في المواجهة إلا رفع شعار أن الأمة العربية باقية على العهد في تشبثها المطلق بالقدس قطب الرحى في قضية المصير العربي التي تتجسد في فلسطين.

كان طبيعياً إطلاق تسمية قضية العرب المركزية على قضية فلسطين منذ أن كانت. ما كانت قضية فلسطين يوماً قضية الفلسطينيين وحدهم. ولو كانت كذلك لكانت تبددت عند تشريد الشعب الفلسطيني على امتداد أطراف المنطقة العربية في الحرب العربية «الإسرائيلية» الأولى عام 1948. بقيت القدس رمزاً لوحدة القضية ووحدة المصير من وحدة القضية. لم يستطع العدو الصهيوني اللعين ابتلاع القدس وصرف أنظار العرب عنها، فأخذ في قضمها. فإذا بالاحتلال «الإسرائيلي» يرسي قواعد سكانية له في ما بات يسمى القدس الغربية، بالتمايز عن القدس العربية، علماً بأن القدس ما كانت يوماً إلا عربية، وفي الآونة الأخيرة، أي خلال السنوات المنصرمة، أخذ العدو الصهيوني يتحفز إلى الانقضاض على القطاع العربي من القدس كي تغدو القدس كلياً في يده.

واستهداف القدس له بالطبع أكثر من معنى. فالقدس تكتنز بين جنباتها معالم تاريخية لها قدسية عند المسلمين والمسيحيين، وكذلك عند اليهود. والحملة الصهيونية في فلسطين كانت ولا تزال منذ بدايتها ترتدي عند اليهود طابعاً دينياً، أو هكذا صور رواد الحركة الصهيونية لإثارة مشاعر بني جلدتهم وشد عزيمتهم وتوحيد إرادتهم. ولو أن التجارب المرة أظهرت بجلاء في ما بعد أن كثرة من «الإسرائيليين» ما كانوا يوماً يهوداً إلاّ في التعبئة للاستيلاء على فلسطين العربية. وكون القدس قبلة المسلمين والمسيحيين جعل منها قطب الرحى في صراع مديد ومتشعب. والمعروف أن القدس عند المسلمين هي أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين. فالمسلمون كانوا في فجر ظهورهم يتوجهون في صلاتهم مع الرسول الأعظم (صلى الله عليه وسلم) صوب القدس قبل أن يأمرهم الله بالتوجه إلى مكة المكرمة. فلا غرو في القول إن القدس وفلسطين وجهان لقضية واحدة، وهما لا ينفصمان. فالقدس، كما فلسطين، هي القضية.

المشروع العربي للسلام لم يكن على مستوى القضية ببعديها الوطني والقومي. فالمبادرة تجد الحل في العودة إلى حدود العام 1967، وكأنما لم يكن هناك قضية قبل ذلك العام. هل ننسى أن الفترة السابقة حفلت بالحروب والمواجهات كان منها حرب عام 1948، التي عرفت بالنكبة، وحرب عام 1956 واعتداءات «إسرائيلية» وصدامات كادت أن تكون شبه يومية. والصهاينة لم يتركوا لحدود عام 1967 أثراً بما زرعوا ويزرعون من مستوطنات يهودية في كل مكان. والحديث عن حدود عام 1967 يوحي وكأنما كان ثمة كيان صهيوني قبل تلك السنة وكانت تلك حدوده. والكل يعلم أنه لم يكن هناك وجود لكيان يهودي قبل النكبة في عام 1948. فيبدو وكأن المشروع العربي للسلام يأخذ ضمناً بمقولة «الحق للقوة» التي كانت في خلفية المنطق، أو بالأحرى اللامنطق، الصهيوني، طوال الحملة التي شنها الصهاينة، بتغطية ودعم مطلق من الدول الكبرى، وبالأخص من الدولة العظمى أمريكا، لإقامة الكيان الصهيوني على أرض العرب.

العرب يجب أن لا يرضوا بحل يقوم على تجاور دولتين : إحداهما عربية والأخرى يهودية. فلسطين قطر عربي ينبغي أن يبقى واحداً موحداً، عاصمته القدس بطبيعة الحال، ولتكن فيه جالية يهودية تضم كل اليهود الموجودين على أرض فلسطين في الوقت الحاضر. فأي بلد في العالم في العصر الحديث لا يضم جاليات وجاليات. ونحن اللبنانيين أكثر من يعي ذلك بالنظر إلى الانتشار الاغترابي اللبناني الواسع جداً في شتى أرجاء المعمورة. يكاد لا يوجد بلد في العالم لا يحتضن جاليات من المغتربين اللبنانيين، ومن الحقائق المعروفة أن اللبنانيين، أو الذين هم من أصل لبناني، هم أكثر عدداً من اللبنانيين المقيمين في الوطن الأم وبفارق محسوس.

الحل لقضية العرب المركزية في نظرنا يجب أن يقوم على تحرير فلسطين وإقامة وطن فلسطيني موحد على أرضها يضم اليهود جالية ضمن شعبه ذي الغالبية العربية الراجحة. على أن يعود إلى فلسطين جميع اللاجئين الفلسطينيين من شتى أرجاء العالم. والقدس بالطبع هي العاصمة.

أما التسويات المطروحة على الساحة هذه الأيام فلا تمتّ إلى الحلول الحقيقية بصلة. فتقسيم فلسطين إلى شطر عربي وشطر صهيوني اكتسب فعلياً الكثير من الصدقية منذ قيام الكيان «الإسرائيلي» وترسخه بدعم من المجتمع الدولي ولا سيما من الدولة العظمى أمريكا. وأصبح اليوم هو الحل الوحيد المطروح مع وجود تباينات في المواقف حيال بعض التفاصيل، من مثل تحديد المساحة التي سيشغلها الشطر العربي في مقابل الشطر «الإسرائيلي»، وكذلك الخصوصيات التي ستتمتع بها كلتا الدولتين على المستويين الإقليمي والدولي، بالطبع مع وجود جنوح دولي صارخ إلى منح الكيان الصهيوني من الخصوصيات ما لا يقاس بما يمنح الكيان العربي.

مشاريع التسوية كانت جميعها عقيمة فلم تؤدِ إلى حل ناجع. والحل الناجع لن يكون إلا ذاك الذي يبنى على الحق والعدل. من هنا قولنا إن الحل لن يكون إلا على قاعدة تحرير فلسطين وإقامة وطن فلسطيني موحد على أرضها، فتكون فلسطين قطراً عربياً يضم اليهود جالية ضمن شعبه ذي الغالبية العربية الراجحة وفق ما تملي المعطيات القائمة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 16 / 2165320

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

23 من الزوار الآن

2165320 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 9


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010