الأربعاء 8 أيلول (سبتمبر) 2010

علاقة معقدة تربط فلسطين بالأردن

الأربعاء 8 أيلول (سبتمبر) 2010

مشاركة الملك عبدالله الثاني، ملك الاردن، في قمة واشنطن، الى جانب الرئيس مبارك وزعماء الولايات المتحدة و«اسرائيل» والفلسطينيين، بدت مفهومة من تلقاء ذاتها : الاردن، مثل مصر ايضا، سبق أن وقعا على معاهدتي سلام مع «اسرائيل»، وهما يأملان في أن تنضم اليهما جهات اخرى في العالم العربي، ولا سيما الفلسطينيون.

غير أن الصلة بين الاردن والفلسطينيين مركبة جدا، شهدت مواضع صعود وهبوط، وذروة التوتر بينهما كانت الصراع الدموي الذي قتل فيه الآلاف وربما عشرات الآلاف، في ما سمي بـ «ايلول الاسود».

كان هذا قبل أربعين سنة. استدعيت للاحتياط في 19 ايلول ( سبتمبر) 1970، بعد يوم من اجتياح الدبابات السورية للاردن. شرحوا لي بأنه بدأت حرب بين سورية والاردن، و«اسرائيل» ستقف الى جانب الاردن. قبل ثلاث سنوات فقط من ذلك قاتلنا ضد الاردن، قبل سنتين من ذلك فقط كانت عملية الكرامة ضد الاردن، وفجأة تجدنا نغير الاتجاه؟ يتبين ان نعم. الاردن يقاتل في سبيل حياته والامريكيون طلبوا منا ان نساعده. بعد نحو اسبوع سرحت دون ان يحتاج الجيش «الاسرائيلي» الى خدماتي. كان هذا دوري المتواضع في احداث ايلول (سبتمبر) اياه.

معظم اللاجئين الفلسطينيين وجدوا أنفسهم تحت حكم الاردن في 1948. فقد هربوا الى الضفة الغربية بل ووصل بعضهم الى الضفة الشرقية. الملك عبدالله، الذي سيطر على الضفة الغربية للاردن واراد جدا ان يضمن تواصل حكمه فيها، منح الجنسية الاردنية لكل الفلسطينيين، وكان هدفه استيعابهم في مملكته. لم يمنح أي زعيم عربي آخر الجنسية للاجئين.

عندما اقامت بعض الدول العربية، وعلى رأسها جمال عبدالناصر، منظمة التحرير الفلسطينية، عقب الملك حسين على ذلك بتحفظ شديد. معنى الامر، من ناحيته، كان محاولة فلسطينية لقطع الضفة الغربية عن الشرقية. وفقط بعد أن تلقى الشروحات والوعود من العالم العربي، اعطى موافقته على اقامة المنظمة في شرقي القدس، في 1964.

ولكن (م.ت.ف) انشغلت بدولة فلسطينية من البحر الى النهر. بحيث أن المواجهة مع الاردن كانت محتمة. وشخصت (م.ت.ف) ضعف النظام، اقامت جيشا خاصا بها (نحو 15 الف رجل)، وقف في الحواجز، وسيطرت على مناطق في شمال الضفة الغربية وعلى مخيمات اللاجئين الفلسطينية قرب الحدود السورية، اقامت جهازا قضائيا خاصا بها وتحدت السيادة الهاشمية.

جعلت المنظمة الاردن قاعدة «للارهاب» ضد «اسرائيل». «اسرائيل» اتهمت الاردن، وكانت الذروة في عملية الكرامة في اذار (مارس) 1968، ضد قاعدة (م.ت.ف) في الاردن، والتي خرج منها عرفات على قيد الحياة. جموع المتطوعين انضموا الى المنظمات الفلسطينية في اعقاب العملية، وصعدت (م.ت.ف) استفزازاتها حيال الحسين وحكومته.

الملك فهم بان الصراع مع (م.ت.ف) هو على مجرد وجود المملكة الهاشمية ولكنه حاول الوصول الى تفاهم. مفاوضات طويلة مع قادة المنظمة الفلسطينية انتهت في تشرين الثاني (نوفمبر)، باتفاق تتخلى فيه (م.ت.ف) عن الحكم الذاتي الذي اخذته لنفسها في الاراضي الاردنية.

غير أن شيئا لم يحصل. في اثناء 1969 تدهور الوضع، وفي بداية 1970 اقترب الحسين من اليأس. سافر الى الولايات المتحدة وطلب المساعدة ضد محاولة السيطرة الفلسطينية على بلاده. فحص امكانية الوصول الى اتفاق مع «اسرائيل»، ولكن لم يكن بوسعه أن يقبل المطالب «الاسرائيلية». سافر الى مصر، التقى بناصر وحاول اقناعه بان سيطرة (م.ت.ف) على الاردن لن تخدمه. ناصر لم يقتنع. في شباط (فبراير) 1970 نشر الحسين أمرا يحظر على المنظمة القيام بنشاطات سياسية في الاردن. أما هذا فببساطة لم يؤثر على (م.ت.ف).

ولكن في الصيف وقع شيء خلق قاسما مشتركا بين مصر والاردن : كلاهما وافقا على مبادرة وزير الخارجية الامريكية، وليم روجرز، لوقف النار مع «اسرائيل». في (م.ت.ف) قرروا اسقاط الحسين. في 1 ايلول (سبتمبر)، قاموا بمحاولة اغتيال فاشلة له. بعد خمسة ايام من ذلك أنزلوا في مطار الزرقاء ثلاث طائرات غربية واخذوا مسافريها كرهائن، لإحراج الحسين. كما أنهم «حرروا» منطقة اربد.

الملك فهم بأن السبيل الوحيد من ناحيته هو الحرب ضد (م.ت.ف). في 16 ايلول (سبتمبر) عين حكومة جنرالات، وفي الغداة شرع في صراع عديم الرحمة. صراعه اصطدم بمقاومة عنيدة. (م.ت.ف) طلبت المساعدة من سورية وهذه بعثت بمئات الدبابات الى داخل الاردن.

هنا دخلنا نحن في الصورة. طائرات «اسرائيلية» حامت فوق قافلة الدبابات للاشارة بأن في وسعنا أن ندمرها. السوريون فهموا الرسالة وبعد ثلاثة ايام من التضامن مع (م.ت.ف) عادت الدبابات الى قواعدها.

▪▪▪▪

كان هذا انتصارا مضرجا بالدماء للحسين، قـُتلت فيه آلاف عديدة. في 27 ايلول (سبتمبر) 1977 عقد في القاهرة احتفال للتوقيع على اتفاق بين الحسين و(م.ت.ف) شعر فيه الملك بالاهانة، رغم انتصاره. ناصر سعى الى منح عرفات الاحساس بانه لم يهزم. وفي اليوم التالي توفي الرئيس المصري على نحو مفاجىء، وفقدت (م.ت.ف) سندها الاهم. الحسين كان بوسعه أن يتنفس الصعداء. ولكن في 1974 اضطر الملك الى ان يبتلع قرار الجامعة العربية الاعتراف بـ (م.ت.ف) كممثل وحيد للشعب الفلسطيني.

لاحقا تحدثت طويلا مع الملك حسين عن ايلول (سبتمبر) اياه. كان فيه عداء شديد لـ (م.ت.ف) ولكن براغماتية لا حصر لها جلبته الى أن يستضيف في تشرين الثاني (نوفمبر) 1984 المجلس الوطني الفلسطيني، ويجري مفاوضات مع عرفات على مدى سنة، على اقامة اتحاد فيدرالي اردني ـ فلسطيني، لم تنجح.

عندما فشلت محاولتنا الوصول الى مؤتمر دولي يؤدي الى حل اردني فلسطيني بسبب معارضة اليمين، اعلن الحسين نهائيا عن فك ارتباطه عن الضفة الغربية. في تموز (يوليو) 1988 اعلن بان ليس لديه مطالب هناك وأنه يؤيد انتقالها الى سيادة فلسطينية، وفي تشرين الثاني (نوفمبر)، اتخذ المجلس الوطني الفلسطيني القرار باقامة دولة.

الحسين لم يحب اتفاق اوسلو، ولكنه استخدمه كي يفعل ما اراد فعله منذ زمن بعيد الوصول الى اتفاق سلام مع «اسرائيل». بعد يوم من توقيع اتفاق المبادىء في البيت الابيض، وقع اتفاق المبادىء بين «اسرائيل» والمملكة الهاشمية وبعد سنة من ذلك وقع اتفاق السلام. منذئذ شارك الحسين في المسيرة السياسية بيننا وبين الفلسطينيين، وابنه عبدالله سار في طريقه.

ايلول (سبتمبر) الاسود لم ينسَ، رغم أنه مرت اربعون سنة منذئذ. قدامى الفلسطينيين لا يزالون يسمون الحسين «الجزّار» بينما بعض قادة المملكة الهاشمية لا يغفرون محاولة الانقلاب الفلسطينية. ولكن ليس هناك مفر امام أحد : المثلث «الاسرائيلي الفلسطيني الاردني» ملزم بان يحل «النزاع» المتواصل وحل «النزاع» ينطوي على محاولة عقلانية لوضع مواجهات الماضي جانبا. لكنها لا تنسى، لانها لا تنسى، ببساطة لا يمكن.

- **«اسرائيل اليوم»



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 7 / 2165399

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المرصد  متابعة نشاط الموقع صحف وإعلام   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2165399 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010