الثلاثاء 7 أيلول (سبتمبر) 2010

المقاومة تبدأ بإلحاق الهزيمة بأعداء المقاومة

الثلاثاء 7 أيلول (سبتمبر) 2010 par خليل قانصو

هل يوجد خيط يربط في هذا الوقت بالذات، بين انسحاب كتائب الجيش الأمريكي من العراق أو بعضها من جهة، وبين الخلوة التي يعقدها من جهة ثانية ضيوف الرئيس الأمريكي في واشنطن، تمهيداً للمفاوضات المباشرة، بحثاً عن حل للقضية الفلسطينية، بعد أن تقلصت، كما يبدو، بموافقة الضيوف والمضيف، لتقتصر على الأمور المعيشية، في بلدات متفرقة في الضفة الغـربية؟

يقال ان الجيش الأمريكي أنهى مهماته القتالية في العراق وخرج منه سالكاً نفس الطريق التي جاء منها. ولكنه أبقى خمسين ألف جندي، منهم خمسة آلاف من القوات الخاصة، بالإضافة إلى عدد كبير من المرتزقة الذين تجندهم الشركات الأمنية. رغم ذلك، طلع علينا رئيس وزراء العراق المنتهية ولايته، ببشرى «استقلال العراق». وكأن بقاء هذه القوات الأمريكية، التي تتوزّع قواعد عسكرية، منتشرة في طول البلاد وعرضها، ليس بنظر دولته احتلالاً، هذا من ناحية، أما من ناحية ثانية، فإن هذه البشرى تنطوي على اعتراف ضمني بأن العراق كان محتلاً. علماً بأن العملاء والمتعاونين هم الذين يشغلون المناصب الوزارية والوظائف الإدارية، في ظل سلطة المحتلين وتحت رقابتهم. في حين أن الوطنيين والأحرار، يناضلون ويقاومون ولا تثنيهم التضحيات، من أجل دحر المستعمرين عن بلادهم، والحفاظ على كرامة الناس واسترجاع حقوقهم. فلولا نفوذ المحتلين والمستعمرين لما تسلم رئيس وزراء العراق «المنتهية ولايته» منصبه الحالي. وتكاد أن تنطبق هذه القاعدة على الكثير من الحكام في ديار العرب. وتأسيساً عليه، يعجب المرء، كيف يتجرّأ هذا الرجل على التظاهر بالغبطة يوم «استقلال العراق»؟ اللهم إلا إذا كان مفهوم «الاستقلال» بات يعني بلوغ الأعوان المحليين درجة من الكفاءة، بحيث يمكنهم الاضطلاع بما تمليه الوكالة عن المستعمرين، والإشراف على تنفيذ مشاريعهم. في هذه الحال، نكون حيال ما يمكن أن ينعت بفرحة التخرج. عسى أن تكتمل هذه الفرحة بانسحاب بقية القوات الأجنبية من العراق وحلول الأجهزة الأمنية العراقية مكانها.

ويحق لنا، في السياق نفسه، أن نسأل ألا يَـشغل «الرئيس» الفلسطيني المنتهية ولايته وحفنة «المفاوضين» الكبار والصغار، الذين يحيطون به مناصبهم في ظل المحتلين «الإسرائيليين» وتحت رقابتهم؟ ما الذي يمنع «الإسرائيليين»، إذا شاءوا، من اعتقال «رئيس السلطة» وجماعته أو زجهم، في مبنى وفرض الإقامة الجبرية عليهم؟ هل توجد وسيلة لحمايتهم، إذا عزم «الإسرائيليون» على دس السم لهم؟ اما إذا توقفت المساعدات التي تصل إلى «سلطة رام الله»، عن طريق الاتحاد الأوروبي، من مصادر مختلفة، فمن المرجح ان الإدارة التي تقوم بتسييرها، فضلاً عن الأجهزة الأمنية التي تقودها في الضفة الغربية، سوف تتهاوى وتتلاشى جميعها بسبب فقدان الأجور التي تدفعها «السلطة». ولكن هل تمنح الأموال التي هي ليست ثمرة انتاج وطني، «شرعية وطنية» للوكلاء الذين عـُهد إليهم في التصرف بها؟ وما هي الضمانات على ديمومة هذه «الشرعية»، التي تتغذى في أحضان الدول الغربية الاستعمارية؟

ينجم عنه أن «الاستقلال» و«الصفة التمثيلية» للحكام والمفاوضين، كلها كلمات لا معنى لها في بلاد العرب، أو قل هي خداع ألفاظ ومطية لاغتصاب حقوق الناس، قبل أن يـُرمى بهم على دروب المنفى أو في مخيمات تحيط بها الجدران العالية. لقد سمعنا الناطقين باسم الفصائل الفلسطينية يعلنون اعتراضهم على النهج الذي قرر جماعة «السلطة» في رام الله سلوكه. وتنامى الينا أن عناصر من أجهزة أمن «السلطة» منعت اجتماعاً تنادت إلى عقده، حركات سياسة وطنية في الضفة، بقصد بلورة خطة عمل للجم الانحراف الذي يجسده التفاوض مع الحكومة «الإسرائيلية»، وقبول جميع شروطها، وهي حكومة يغلب عليها التطرف والطابع الفاشيستي العنصري. وليس أكبر دلالة على قبح السياسة الاستعمارية، التي تسير عليها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها من الدول الأوروبية، من مهزلة هذه المفاوضات «الفلسطينية الإسرائيلية»، التي يتقابل فيها الفاشستيون العنصريون «الإسرائيليون» من جهة، وثـلـّة قليلة العدد من «الفلسطينيين». انها صورة المستعمرين الغربيين في مرآة «الشرق الأوسط»، إذ على ماذا يتفاوض الوكيل مع موكله، إذا كان التفاوض مطلب هذا الأخير وبحسب الشروط التي يضعها؟ على تحسين أداء الوكيل أو على تخفيض أجره! ان أصحاب القضية الفلسطينية ممنوعون من التعبير والحركة. إن الحرية والديمقراطية، اللتين أهداهما التحالف الغربي، تحت قيادة الولايات المتحدة الأمريكية إلى العراقيين، هما بالقطع مختلفتان عن الحرية والديمقراطية في بلاد الغرب. لماذا لا يـُستفتى الفلسطينيون واللاجئون والمبعدون منهم بوجه خاص؟

من البديهي أن ما حل بالعراق من موت ودمار، انما كانت الغاية الأساسية منه هي إزالة احتمالية نشوء قوة ترعى وتحمي مشروع نهضة عربية يسمح بتكامل وتعاون الشعوب العربية، في المجالات الثقافية والاقتصادية، بمعزل عن تدخل الامبريالية الغربية. ولكن من الطبيعي أن مثل هذه القوة العربية لو أتيح لها أن تتكون كانت ستصطدم، قطعاً، بالمشروع الاستعماري الصهيوني، بما هو نقيض للنهضة العربية. تم تخريب العراق، إذن، ليس بسبب النفط أو طمعاً به، وانما لأن المشروع الصهيوني يقتضي تخريبه، وتفرقة شعبه تمهيداً لتجزئته وإضرام نار الفتنة بين أجزائه. تتوجب الملاحظة هنا، أن الغزاة الذين جاءوا، من أجل أن يهدموا العراق، استطاعوا تأجيج العصبية القبلية. فألبسوها لباساً مذهبياً حتى كان لهم ما أرادوا، إذ خرجت مجاميع من العراقيين تهدم العراق ضرباً بالمعاول، وتقتل العراقيين طعناً بالخناجر. وكأن هؤلاء المـُضللين لم يسمعوا شيئاً عن تعاليم الرسالة التي حملها محمد، ولا استخلصوا العبر من سيرته، والغريب أنهم نصبوا أنفسهم أئمة وأولياء على الناس.

ولعل الدليل الساطع على مركزية المشروع الصهيوني، في خطة الامبريالية الغربية في «الشرق الأوسط»، هو ما يجري، أيضاً، على الساحة اللبنانية، خصوصاً ذلك الاشتباك الذي وقع في أحد أزقة بيروت، في ليل 31 آب (اغسطس) 2010، بين عناصر من «حزب الله» من جهة ومن حركة اسلامية تسمى «حركة الأحباش» من جهة ثانية، والذي ما لبث أن انتقل إلى مناطق أخرى في المدينة، وترافق مع ظهور مسلحين من مختلف الأطراف في الشوارع. ولكن اللافت للنظر هو ما تناقلته وسائل الإعلام عن أشخاص وجدوا الفرصة سانحة فقاموا بإفراغ محتوى وعاء من النفط في مسجد وأشعلوا حريقاً فيه. وذلك في منطقة غير المنطقة التي اندلع فيها الاشتباك. وللإيضاح فإن «حزب الله» وهو حركة اسلامية شيعية تنظم المقاومة في الجنوب في مواجهة الاعتداءات «الإسرائيلية». و«الأحباش» اسم يدل على «الجمعية الخيرية للمشاريع الإسلامية»، وهي تمثل تياراً اسلامياً سنياً، يبدو أن بينه وبين «حزب الله» علاقات جيدة. أما المسجد الذي طاله الحريق فإنه يقع في منطقة غالبية سكانها من المسلمين السنة، وبناء عليه يكون المسجد للمسلمين السنة، لقد تمذهبت المساجد.

من البديهي، أن الغاية من اشعال النار في المسجد هي ايقاع الفتنة المذهبية، أثبت هذا الإسلوب إلى جانب أساليب أخرى طبعاً، كعمليات الاغتيال والخطف والتفجير فعاليته في العراق كما هو معروف، وليس مستبعداً أن يـُستخدم في لبنان أيضاً. هذا لا يعني أن الناس مقتنعون، بوجه عام، بأن المسألة من أصلها هي مسألة صراع مذهبي. ولكن الذين يقفون وراء الاشتباكات والمتفجرات لا يتركون لهم خياراً، غير الابتعاد عن الذين ينتمون إلى طائفة ليست طائفتهم أو يتبعون مذهباً ليس المذهب الذي يتبعونه. تجدر الإشارة هنا إلى ان الإنتماء الديني لا يكون عادة، فعلاً إرادياً. كما أنه لا يكون في أغلب الأحيان أيضاً، ارتقاء وسموا بالذات، نتيجة للتهذيب الديني واهتداء بتعاليم الدعوة الدينية.

ولكن ما يعنينا ويهمنا هو البحث عن الأسباب الحقيقية التي أدت إلى هذا الاحتقان في لبنان وفي العراق وفي فلسطين المحتلة أيضاً، استناداً إلى معطى لا يحتاج إلى بسط وتوسع، لكثرة البراهين على صحته، وهو مركزية المشروع الصهيوني في «الشرق الأوسط»، بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية ولحلفائها في الاتحاد الأوروبي. ولعل أحد هذه البراهين، هو ما أفادت به بعض الأنباء عن أن رئيس وزراء بريطانيا الأسبق بلير، يعترف في كتاب له أن نائب الرئيس الأمريكي، كان يريد بعد احتلال العراق مهاجمة سورية و«حزب الله» وحركة «حماس». يقتضي المشروع الصهيوني كما أسلفنا، تصفية القضية الفلسطينية نهائياً. وهذا لا يتحقق في الواقع إلا إذا توفر شرطان اساسيان متلازمان، لا غنى عنهما : أولهما ايجاد أنظمة حكم قمعية في الأقطار العربية المحيطة بفلسطين، وثانيهما إقامة علاقات طبيعية «التطبيع»، بين هذه الأنظمة الاستبدادية من جهة وبين دولة المستعمرين «الإسرائيليين» من جهة ثانية.

وفي ضوء هذا المعطى يتبين لنا بجلاء أنه لولا الحصار المضروب على قطاع غزة، ولولا خروج جماعة «سلطة» رام الله من القطاع، لما استطاعت هذه الجماعة بسط سلطتها القمعية على الناس في الضفة الغربية، أو قل ان الظروف المعروفة سمحت لهذه الجماعة بالقيام بانقلاب ناجح في الضفة الغربية وبمطاردة المقاومين. ولكن مثل هذه الظروف لم تتوفر لها في القطاع، فحافظت «حماس» على سلطتها هناك. هذا لا يعني أن «السلطة» التي تمارسها حركة «حماس» في القطاع، ليست قمعية. ولكنها «سلطة» ترفض التطبيع، أو من المحتمل أنها تضع شروطاً للتطبيع، لا يقبلها «الإسرائيليون». أما الحديث عن «التطبيع» بين جماعة رام الله و«الإسرائيليين»، فإنه تجاوز لمعنى التطبيع.

وبالمقارنة بما يدور على الأرض اللبنانية، نجد أن هناك أوجه شبه كثيرة بين لبنان وفلسطين المحتلة. ولكن المأزق في لبنان ناتج عن استحالة نجاح أنصار التطبيع ووكلاء المستعمرين بالإنقلاب ضد الذين يتصدون لمقاومة العدوان في الجنوب من جهة، ولمحاولات التطبيع من جهة ثانية. ومن خلال هذه المقارنة يبدو الصراع في بيروت على حقيقته. فالذين يريدون، بيروت «منزوعة السلاح»، رغم كونها مزروعة بالعملاء والجواسيس بحسب وسائل الإعلام، انما يريدون طرد المقاومة من بيروت، بهدف عزلها وحصارها في المناطق الجنوبية، حيث غالبية السكان من المسلمين الشيعة.

ولكن الغريب، أنه رغم فشل التحرشات بالمقاومة اللبنانية، فإنها تتكرر من آونة إلى أخرى، وكأن الذين يرسمون الخطط للإيقاع بهذه المقاومة، لم ييأسوا، بعد، من جـرّها إلى ارتكاب خطأ، من شأنه أن يقلب ميزان القوى، لغير صالح المقاومة أو أن يبرر دخول عناصر خارجية على الساحة اللبنانية، تجعل الجنوب اللبناني، في وضع مماثل لوضع قطاع غزة، ولكن قد يكون سبب هذه الجرأة على معاودة هذه التحرشات، هو أن رد فعل المقاومة عليها، ليس حاسماً أو ليس ملائماً. ولكن هذا بحث آخر.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 14 / 2165440

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

2165440 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010