الثلاثاء 7 أيلول (سبتمبر) 2010

أسئلة مقالة الرئيس مبارك

الثلاثاء 7 أيلول (سبتمبر) 2010 par فهمي هويدي

الحدث الأبرز في الأسبوع الماضي لم يكن إطلاق المفاوضات المباشرة في واشنطن، برغم أنه احتل عناوين الصحف وصدارة نشرات الأخبار، لكنه كان مقالة الرئيس حسني مبارك في الموضوع، التي نشرتها له صحيفة «نيويورك تايمز» بالتزامن مع المناسبة.

[**(1)*]

مشهد إطلاق المفاوضات يوم الأربعاء الماضي (1/9) كان فيه من المفارقة أكثر مما فيه من الإثارة. صحيح أن الذين تابعوا لقاء واشنطن أدركوا أن اللقطة ذاتها سبق أن رأوها عدة مرات، على الأقل منذ توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993، وكل الذي حدث أن وجوه بعض الجالسين في المشهد اختلفت، حتى بدا كأننا أمام إعادة عرض لفيلم قديم. تغير فيه بعض الأبطال، لكنه السيناريو نفسه والإخراج نفسه. الأهم من ذلك أن قضية فلسطين كانت حاضرة في اللقاءات السابقة، لكنها كانت غائبة في لقاء واشنطن الأخير الذي انعقد باسمها وتحت لافتتها. فالرئيس أوباما جاء إلى اللقاء وعينه على انتخابات التجديد النصفي للكونغرس التي تجري في أوائل تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، وباله مشغول بكسب تأييد اللوبي الصهيوني وسحب البساط من تحت أقدام اليمين المحافظ الذي يزايد عليه في العلاقة مع «إسرائيل». ونتنياهو جاء وعينه على ائتلافه الوزاري وقوى اليمين التي يحرص على إرضائها وكسب تأييدها، وإلا سقطت حكومته.. وأبو مازن جاء استجابة للأمر الأميركي الذي تلقاه عبر قنوات عدة، كان من بينها خطاب الرئيس أوباما في 17 تموز (يوليو) الماضي، والذي وجه إليه فيه 12 تهديداً وإنذاراً بسوء العاقبة، إذا لم يستجب لنداء المفاوضات المباشرة. أما الرئيس مبارك والعاهل الأردني، فثمة اتفاق على أنهما ذهبا استجابة للدعوة الأميركية، باعتبارهما من رموز «الاعتدال» الذين يحتفظون بعلامة ود قوية مع كل من أميركا و«إسرائيل».

وقد تحدثت بعض التحليلات التي نشرت في الولايات المتحدة ومصر عن أهداف أخرى إضافية لمشاركة الرئيس مبارك، الذي ضم ابنه إلى الوفد المرافق. وقيل إن محادثاته في واشنطن تطرقت إلى موضوع مستقبل السلطة والانتخابات الرئاسية المقبلة (العنوان الرئيسي لجريدة «الشروق» يوم الجمعة 3/9 كان كالتالي : أوباما يحث مبارك على انتخابات جادة وشفافة).. وكان الكاتب «الإسرائيلي» تسفي برئيل قد أشار إلى هذا المعنى حين ذكر أن تجاوب دول الجامعة العربية مع فكرة الدعوة إلى المفاوضات غير المباشرة والمباشرة ليس مرتبطاً بموضوع القضية الفلسطينية فحسب، ولكنه وثيق الصلة أيضاً بالرغبة في تعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة من جانب زعماء الاعتدال في العالم العربي («هآرتس» ـ 30/7/2010).

أما موضوع القضية فهو محاط بقدر هائل من الشكوك فسجل نتنياهو لا يبشر بأي خير فلسطينياً، ثم إن سجل الحوارات مع «إسرائيل» خلال التسعة عشر عاماً الأخيرة كان كارثياً، ذلك أنها وفرت لها فسحة لم تكن تحلم بها لمواصلة تثبيت أقدامها في الأرض المحتلة وتغيير جغرافيتها. إضافة إلى ذلك فإن نتنياهو، مؤيداً بالأميركيين، قرر تجاهل كل ما اتفق عليه في السابق، بدعوى أنه يعد «شروطاً مسبقة»، وأن يبدأ المفاوضات من الصفر، دونما أي التزام أو مرجعية، بما في ذلك مرجعية القرارات الدولية ذاتها.

لا يقف الأمر عند ذلك الحد، لكن الواضح من الآن أن المسافة في الموضوع مما لا يمكن عبورها وهو ما كشفت عنه الخطب التي ألقيت في حفل الافتتاح. فأبو مازن تحدث عن إنهاء الاحتلال في إطار الشرعية والقرارات الدولية وإقامة الدولة الفلسطينية. أما نتنياهو فقد تحدث عن أمور مختلفة تماماً، حيث ركز على الأمن وشدد على ضرورة الاعتراف بـ «إسرائيل» وطناً قومياً لليهود. ولم يعد سراً أن حكومته رفضت بيان الرباعية الذي دعا إلى الانسحاب من الأراضي التي احتلت عام 67 وإلى وقف الاستيطان.

[**(2)*]

الجماعة الوطنية الفلسطينية التي لم تفقد وعيها أو ذاكرتها. تدرك جيداً عبثية المشهد وخطورة اللعبة. ولذلك أعلنت عن معارضتها لفكرة المفاوضات المباشرة. وقد التقى على هذا الموقف 13 فصيلاً فلسطينياً بينها الجبهتان الشعبية والديموقراطية اللتان تمثلان اليسار الفلسطيني. وهو ما أفقد «جهاز أمن السلطة» في رام الله أعصابه، فمنع بالقوة حملة جمع التوقيعات لمعارضة تلك المفاوضات. بل إن المعارضة ظهرت أيضاً داخل حركة «فتح» ذاتها، وداخل اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، التي أراد أبو مازن أن يستند إليها في إضفاء شرعية على ذهابه إلى واشنطن. فقد دعا إلى اجتماع للجنة التي تضم 18 شخصاً. حضر منهم تسعة أشخاص فقط، مما يعني أن النصاب القانوني لم يكتمل، وأن الاجتماع أصبح فاقداً الشرعية. ولأن تمرير المسألة كان مخططاً ومطلوباً فقد عقد الاجتماع، وتعين أثناء المناقشة أن الموافقين على المفاوضات خمسة أعضاء فقط، في حين أن المعارضين أربعة. ورغم ذلك صدر بيان يقول إن اللجنة التنفيذية اجتمعت وناقشت ووافقت على الذهاب إلى المفاوضات المباشرة دون شروط مسبقة. ودون الإشارة إلى أن خمسة أعضاء فقط من 19 أيدوا الذهاب إلى واشنطن. وهو ما وصفه الكاتب الفلسطيني بلال الحسن بأنه تلاعب «وشرعية مزورة» («الشرق الأوسط» 29/8).

كان الدكتور مصطفى البرغوثي الأمين العام للمبادرة الوطنية، الذي يصنف ضمن «المعتدلين» الفلسطينيين، أحد الذين اعترضوا على المشاركة في المفاوضات المباشرة اقتناعاً منه بعبثيتها. (وكذلك القيادي الفتحاوي الأسير مروان البرغوثي)، وحين أعلن عن موقفه ذاك، فإنه لم يسلم من غمز رئيس مؤسسة «الأهرام» الذي ذكر في مقال أخير له (نشر في 4/9) ان ما قاله البرغوثي لم يكن بعيداً عما صرحت مصادر الخارجية الإيرانية (كأنه انتقل بذلك إلى محور الشر!).

[**(3)*]

مقالة الرئيس حسني مبارك بدت أكثر إثارة من كل ما سبق، من حيث إنها فاجأتنا بلغة غير مألوفة في الخطاب السياسي، مما أشاع قدراً معتبراً من الحيرة واستدعى تساؤلات عدة. ذلك أنه اعتبر أن العقبة الأكبر التي تقف في طريق نجاح عملية السلام «عقبة نفسية»، نشأت عن التأثير المتراكم لسنوات «العنف» (الفلسطيني) والتوسع الاستيطاني «الإسرائيلي» الذي أدى إلى انهيار الثقة على الجانبين.

من ناحية ثانية، فإنه بناء على ما سبق دعا لأن يقوم الطرفان بمبادرات لإعادة تلك الثقة المفقودة وتعزيزها. وقال إنه : على الدول العربية أن تواصل التدليل على جدية مبادرتها (للسلام) من خلال خطوات تلبي آمال وتبدد مخاوف رجل الشارع «الإسرائيلي». وعلى «إسرائيل» من جانبها إدراك أن المستوطنات والسلام لا يجتمعان.

من ناحية ثالثة، فإن المقالة كتبت بروح حيادية مثيرة للانتباه. إذ وزعت التكاليف والمسؤوليات على الجانبين بالتساوي، كأنهما يتنازعان حول حق يدعيه كل منهما. وهو ما تدل عليه العبارة التي أشرت إليها تواً، وتحدثت عن إجراءات تبادل الثقة بين «إسرائيل» والعرب. كما تعززها عبارة أخرى قال فيها الرئيس مبارك، أنا أدرك تماماً حاجة «إسرائيل» المشروعة للأمن، الذي يمكن أن يتفق مع مطلب الفلسطينيين العادل للانسحاب الكامل من الأراضي المحتلة.

من ناحية رابعة، أبرزت المقالة في أكثر من موضع مسألة حاجة «إسرائيل» إلى الأمن، بما يعطي انطباعاً بقبول المقولة «الإسرائيلية» التي تتذرع بتلك الحجة لكي تسوغ العديد من التجاوزات. وهو ما يثير السؤال التالي : حين تملك «إسرائيل» 200 رأس نووية وتضمن لها الولايات المتحدة باستمرار التفوق العسكري على العرب.. فمن الذي يهدد من، ومن يكون الأحوج إلى الشعور بالأمن؟

لا أعرف كيف استقبلت المقالة أميركياً، لكنني أزعم أنها أثارت حيرة القارئ العربي ودهشته، ولا أقول صدمته. ولا بد أن يعذر في ذلك، لأن فكرة «العقبة النفسية» التي تحول دون حل الصراع، والتي أطلقها الرئيس السادات حين زار «الكنيست» في عام 1977 لم تعد قابلة للتصديق. ولم يعرف في التاريخ الإنساني المعاصر أن غاصباً احتل أرضاً وشرد أهلها ثم وصفت جريمته بأنها مشكلة نفسية. في الوقت ذاته فإن الحديث عن مخاوف رجل الشارع «الإسرائيلي»، وعدم الإشارة إلى ما حل بالشعب الفلسطيني في غزة والضفة من بطش وسحق وحصار أمر غير مفهوم، كما يبدو محيراً إغفال حقيقة أن مخاوف «الإسرائيليين» سببها الأساسي هو الاحتلال وليس «العنف» الفلسطيني الذي هو نتيجة ورد فعل على ذلك الاحتلال. أما مطالبة الدول العربية بأن تواصل التدليل على مبادرتها من خلال خطوات تلبي آمال «الإسرائيليين» وتبدد مخاوفهم، فهي دعوة تفتح الباب للالتباس وسوء الفهم. لأن المطالبة الحقيقية عند أهل الإنصاف ينبغي أن توجه إلى الجاني لكي يكف عن عدوانه ويتراجع عن احتلاله. وفي غير ذلك فإن الكلام قد يفهم بحسبانه دعوة للدول العربية إلى التطبيع المجاني مع «إسرائيل» حتى دون أن تقبل «مبادرة السلام العربية». وذلك في مقابل عنوان هلامي وفضفاض يتعذر ضبطه أو معرفة حدوده اسمه «بناء الثقة». علماً بأن الثقة الحقيقية لن تتوافر إلا إذا زال الاحتلال.

[**(4)*]

الأسئلة الحائرة التي تثيرها المقالة في ما خص المواقف والآراء. لها نظيرها في ما يتعلق بالمعلومات التي تضمنتها. فقد ذكرت المقالة أن «جولات الحوار السابقة حلت بالفعل الكثير من قضايا الحل النهائي»، وهي «اللاجئون والحدود والقدس والأمن». وهي معلومة تحتاج إلى تدقيق، ذلك أن المحلل السياسي «الإسرائيلي» المعروف اليكـس فيشمان كان قد نشر مقاله بالمعنى ذاته في صحيفة «يديعوت أحرونوت» (عدد 27/7/2009) كان عنوانها الآتي : كل شيء جاهز ولم يبق غير التوقيع. وقد تحدث فيها عن «وثيقة جنيف» الشهيرة التي تم التوصل إليها في حوارات قادها من الطرف «الفلسطيني» ياسر عبد ربه أحد مساعدي أبو مازن ومن الطرف «الإسرائيلي» يوسي بيلين الزعيم اليساري وعضو «الكنيست». وأثارت ضجة في حينها جراء تنازلها المعلن والواضح عن حق العودة للاجئين.

للوثيقة ملحق أمني اشترك في إعداده 40 من الشخصيات العامة الفلسطينية و60 شخصية «إسرائيلية» يمثلون القطاعات العسكرية والأمنية والسياسية والفكرية. وذكر الكاتب أن الخارجية الأميركية اطلعت عليه، وان مضمونه يمثل أساس التسوية الدائمة.

الملحق يتحدث عن دولة فلسطينية كسيحة منزوعة السلاح، تقوم القوات الدولية بحفظ حدودها. في الوقت ذاته فثمة وجود عسكري «إسرائيلي» على أرض تلك الدولة يتمثل في محطتي إنذار. ولسلاح الجو «الإسرائيلي» أن يحلق في سماء الضفة للتدريب طول الوقت، باستثناء أيام الجمعة والأعياد الإسلامية والمسيحية (!!). وطوال ثلاثين شهراً بعد اعتماد الوثيقة، سوف تستمر المشاركة «الإسرائيلية» في المعابر الحدودية بين الدولة الفلسطينية وكل من مصر والأردن.

لا أعرف ما إذا كان الحل الذي أشيرَ إليه في مقالة الرئيس هو ذاته الذي توصلت إليه «وثيقة جنيف» أم لا. لكن ما تضمنته الوثيقة وملحقها الأمني يظل نموذجاً للحلول التي يمكن التوصل إليها في ظل الخلل القائم في موازين القوة بين الطرفين «الإسرائيلي» والفلسطيني. إذ من الطبيعي في هذه الحالة أن يفرض الطرف القوي إرادته، بحيث تلبي الحلول شروط الطرف الأقوى واحتياجاته. وإذا صح ذلك، فإنه يعني أن الحلول المعروضة لا تلبي الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية، بل تذهب إلى أبعد حيث تؤدي إلى تصفية القضية وطمس معالمها بمضي الوقت، من هذه الزاوية فإنني أتفق تماماً مع الرأي القائل إن المفاوضات المباشرة لن تحل شيئاً من الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني، بل هي تشكل خطراً على القضية يتعين الانتباه إليه ودرؤه.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 33 / 2165601

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2165601 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 20


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010