الاثنين 6 أيلول (سبتمبر) 2010

«رحلة» بلير في مذكرات ... (الحلقة الخامسة والأخيرة)

الاثنين 6 أيلول (سبتمبر) 2010

[**هذه «أفكار» ديك تشيني*]

يقولون عن تولي بلير إنه يعتبر من أبرع الزعماء البريطانيين في العصر الحديث، فهو يتمتع بهذا الحس الفطري الذي يجعله قريباً من الجماهير، ويشمل ذلك المقدرة الخطابية والمقدرة على «التمثيل» ليقنعك بكل كلمة يقولها بالرغم من أي شكوك تساورك حول صدقيته. وبطبيعة الحال كان رئيس الوزراء السابق قد وضع ثقته أثناء الفترة التي سبقت غزو العراق لإقناع الرأي العام الداخلي والعالمي حول أهمية التدخل العسكري في العراق.

وبطبيعة الحال فإن الفصل الخاص بالعراق في مذكراته قد أثار جدلاً واسعاً وجدد الأزمة الكامنة التي لا يزال يعاني منها حتى اليوم والتي تتمثل في الاتهامات الخاصة بلجوئه الى الكذب وتضخيم التهديدات التي يمثلها النظام العراقي السابق، وخاصة بالنسبة لأسلحة الدمار الشامل المزعومة. ويبدو أن بلير الذي يستميت في الدفاع عن قرار الحرب، تؤرقه الاتهامات التي ترى أن الغزو كان أسوأ من مؤامرة الغزو الثلاثي على مصر في عام 1956 بعد تأميم قناة السويس، وذلك لأن بريطانيا فقدت صدقيتها في «الشرق الأوسط» وأسهمت مع أمريكا في إلحاق الدمار وعدم الاستقرار والخسائر الفادحة في الأرواح في العراق من المدنيين الأبرياء.

يقول بلير إن «شغله الشاغل» خلال القمة التي عقدها مع بوش في 2002 في مزرعة في كروفورد بولاية تكساس كان يتمثل بالنسبة للعراق وحكومة صدام حسين في الخطر الذي يشكله هذا النظام بالنسبة للأمن والمشكلات الأوسع نطاقاً في المنطقة التي «كانت في مرحلة انتقالية». وكان يشير في ذلك الى الأوضاع المتردية في الأراضي الفلسطينية والجمود في عملية التسوية.

ويروي بلير تفاصيل عديدة عن المرحلة التي سبقت الغزو والرسائل التي تبادلها مع بوش حول ضرورة اللجوء الى مجلس الأمن الدولي لاعتماد الحل الدبلوماسي للأزمة. ومن بين الأسرار التي يكشف عنها رئيس الوزراء في هذا المجال ان نائب الرئيس الأمريكي عندئذ ديك تشيني كان من أشد المعارضين للتوجه الى الأمم المتحدة. ويصف بلير هذا الموقف بأنه كان يمثل «خطاً متشدداً»، إلا أنه يلاحظ أن تشيني تحيط به الشبهات دائماً على أنه من الأشرار الذين يلجأون الى نظريات المؤامرة، وبالتالي فإنه شخصية تحظى بقدر كبير من الكراهية، خاصة من المفكرين اليساريين. ومع ذلك فإن بلير يدافع عن تشيني فيقول إنه كان يؤمن بأن أمريكا في حالة حرب ضد «الإرهاب» و«الدول المارقة». ولذلك فإنه كان يدعو الى إلحاق الهزيمة بهذه الدول من خلال اللجوء الى القوة العسكرية على نحو مباشر وبأقصى الوسائل وتشجيع القوى الديمقراطية على تولي السلطة.

ويعترف بلير بأن تشيني كان يسعى لو أتيحت له الفرصة لغزو العراق وسوريا وإيران وكذلك التصدي لكل العناصر «العميلة» لها خلال قيامه بذلك «بما في ذلك «حزب الله» وحركة حماس»». ويمضي بلير قائلاً «إن تشيني بعبارة أخرى كان يعتقد أنه من الضروري إعادة صياغة العالم بعد أحداث 11 سبتمبر «أيلول» الإرهابية وأنه ينبغي اللجوء الى القوة العسكرية على نحو عاجل لتحقيق هذه الخطة. ولذلك فإنه كان وفقاً لهذه السياسة يحبذ عدم المساومة أو تقديم أي تنازلات لمثل هذه الدول والعناصر كما يوضح بلير».

ويمضي قائلاً إن تشيني كان يطالب هذه الدول بضرورة تغيير سياساتها وإلا فإن أمريكا ستقوم بتغيير الأنظمة فيها. ويقر رئيس الوزراء السابق أن هذا الموقف «المتشدد» كان يخيف الناس ويصيبهم بحالة من الرعب.

ومرة أخرى يدافع بلير عن وقوفه الى جانب أمريكا في غزوها لأفغانستان والعراق، ويؤكد أن «تحالفنا مع واشنطن يضعنا في مكانة خاصة وبارزة في العالم». وينفي بشدة وجهة النظر القائلة إن ارتباط بريطانيا الوثيق مع أمريكا يمثل مشكلة كبيرة. فعلى العكس إنها تضفي قوة وتأثيراً في المملكة المتحدة، وهذا صحيح حتى بالنسبة لـ «الشرق الأوسط»، والهند، والصين.

ويتحدث بلير بعد ذلك عن القرار الذي أصدره مجلس الأمن في نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2002 حول العراق. وفي ما بعد بدأ العد التنازلي للحرب والخيارات المتاحة بالنسبة لمشاركة بريطانيا في العمل العسكري وهي تشمل إما تقديم الدعم اللوجستيكي لأمريكا من الناحية العسكرية أو المشاركة من جانب القوات الجوية أو البحرية والقوات الخاصة فقط، والخيار الثالث كان مشاركة جنود بريطانيين على الأرض في المعارك داخل العراق.

وقد أيد كبار المسؤولين العسكريين الخيار الثالث لأن عدم مشاركة الجيش في الحرب سيثير المشكلات، وكذلك فإن بريطانيا ستكتسب نفوذاً أكبر في حالة التدخل المباشر عسكرياً بالنسبة للتأثير في الفكر العسكري الأمريكي. وكان بلير يحبذ هو الآخر هذا الخيار.

ويتحدث بلير عن الخلافات بينه وبين بوش حول الحاجة إلى إصدار قرار جديد من مجلس الأمن لدعم قرار الحرب. وكان بوش لا يحبذ هذا الأمر لأنه كان يرى أن القرار الذي صدر في نوفمبر (تشرين الثاني) يكفي لإعطاء التفويض اللازم للغزو. وكان بلير يخشى بعد تحذيرات من جاك سترو وزير الخارجية عندئذ وعدد آخر من المسؤولين من أن حكومته قد تخسر أي اقتراع بالثقة عليها بالنسبة لقرار الحرب من دون الحصول على هذا التفويض الصريح. ويقر بلير بأنه كان يشعر بـ «العزلة الكبيرة» داخل حكومته وكذلك بالنسبة للنواب العماليين في مجلس العموم وذلك بسبب موقفه من الغزو، والأكثر خطورة من ذلك أن الرأي العام البريطاني كان يعارض بشدة العمل العسكري. وكان بلير يخشى من أن تؤدي الحرب الى نهايته السياسية بسبب المعارضة الشديدة لهذا التوجه داخلياً. ويكشف سراً آخر وهو أن بوش كان صريحاً معه حيث كان يتفهم فعلاً صعوبة وحرج موقفه ولذلك عرض عليه صراحة عدم الدخول في النزاع.

وتعرض بلير لمعاناة شديدة كما يقول أثناء إمعانه في التفكير حول ما إذا كان من الصواب أن تشارك بريطانيا في الحرب أو لا. والأمر المثير أنه حتى أواخر ديسمبر (كانون الأول) من عام 2002 كان لا يزال يعتقد أن من الممكن تفادي الحرب، إما عن طريق العمل الدبلوماسي أو حدوث انقلاب في العراق لتفادي الغزو.

وكان مصمماً على أن يقنع الأمريكيين بضرورة إتاحة المزيد من الوقت له قبل بدء العمل العسكري، «إلا أنني أبلغتهم أنني سأكون معكم وانه اذا لم نتمكن من تفادي النزاع المسلح دبلوماسياً فإنني سأكون معهم قلباً وقالباً».

وبصراحة بالغة يتساءل : أنه لو كان قد عرف بأن أسلحة الدمار الشامل لن يتم العثور عليها وكذلك بأن النزاع المسلح كان سيستمر من الإطاحة بصدام لمدة ستة أعوام وكذلك أن «الإرهاب» سيلحق خسائر فادحة في الأرواح من العراقيين الأبرياء، فهل كان قراره سيكون مختلفاً اليوم؟

ويقول بلير إنه يوجه هذا السؤال الى نفسه يومياً، «بعد سفك دماء غزيرة على هذا النحو ووقوع أعداد كبيرة من الضحايا الأبرياء من العراقيين».

ولكن رئيس الوزراء السابق يستدرك بسرعة قائلاً «نعم إن العراق بدأ يتطور وهناك أخيراً دلائل تبشر بالأمل. ولكن أي تكلفة تحقق ذلك؟» وهذا كلامه حرفياً.

ويشير بلير إلى المظاهرة التي شارك فيها أكثر من مليون شخص ضد الحرب في لندن في فبراير (شباط) من عام 2003 قبل الحرب بشهر ونصف الشهر فقط، ويعترف بأنه لم تقع مظاهرة ضخمة من هذا النوع من قبل وهذا كان «يذكرني بمدى عزلتي والمسؤولية الملقاة على عاتقي بالنسبة لقرار الحرب الذي كنت على وشك اتخاذه».

وحول هذا القرار يؤكد أنه كان على الأرجح الأكثر صعوبة بالنسبة له خلال فترة حكمه التي استمرت لعشرة أعوام. ومع ذلك فإن بلير يقول إنه كان حتى يناير (كانون الثاني) من عام 2003 يعتقد بإمكانية التوصل الى انفراج دبلوماسي للأزمة. ويشير هنا الى الخلافات التي نشبت في مجلس الأمن حول اصدار قرار جديد يخول دول التحالف اللجوء الى العمل العسكري، مع معارضة فرنسا وروسيا وغيرهما لذلك.

ويتحدث أيضاً عن المشورة التي قدمها النائب العام البريطاني حول سلامة قرار الحرب قانونياً. ويدافع هنا عن سلامة قرار الحرب بالرغم من وجهات النظر التي كانت تشكك بشدة في ذلك داخلياً وخارجياً خاصة أن قرار مجلس الأمن 1441 الذي صدر في نوفمبر من عام 2002 لم يؤكد صراحة على ضرورة اللجوء الى الحرب. ويقول بلير إن صدور قرار دولي جديد كان هو الخيار الأفضل، حيث كان سيؤدي الى إعادة توحيد المجتمع الدولي إزاء هذه الأزمة. ولكن تعذر ذلك كما هو معروف ووقوع انقسام شديد داخل أوروبا بالذات، ناهيك عن دول العالم الثالث وغيرها. ويقر بلير بأن معارضة كل من فرنسا وألمانيا وروسيا لقرار الحرب كانت أمراً مدمراً. ولكن هذا الموقف كان «أمراً محتوماً». وكان المراقبون يخشون من أن النزاع سيؤدي الى الإضرار بالعلاقات بين الغرب والإسلام. وكان موقف بلير الصريح عندئذ يتمثل في أنه كان يتفق مع التحليل الأمريكي بأن صدام كان يمثل تهديداً وكان أيضاً يرى أنه «وحش كاسر» وكذلك فإن عدم مشاركة أمريكا في الحرب باعتبار أن بريطانيا تعد الحليف الرئيسي لها كان سيلحق دماراً كبيراً بهذه العلاقة الخاصة بين البلدين. وأصبح الأمر حرجاً حيث إن أكثر من 250 ألف جندي أمريكي كانوا قد رابطوا عندئذ في المنطقة ينتظرون بدء العمليات العسكرية، ولم يكن من وجهة نظر بلير انتظار «الرقصة الدبلوماسية» لفترة أطول من ذلك.

ويروي بلير أن الضغوط زادت عليه من كل جانب وكان يتصرف وكأنه شخص في عداد الموتى، حيث كان يأكل ويشرب على نحو آلي ولم يكن يصغي الى ما يقوله أولاده له في هذا الوقت الاستثنائي مع اقتراب العمل العسكري. ولكنه استخلص في النهاية ان موقفه كان «صائباً أخلاقياً واستراتيجياً» وكان بلير يعاني من عدم النوم والأرق بسبب حجم المخاطر المحدقة كما يقول.

وأخذ بلير يستعد لإمكانية تقديم استقالته قبل التصويت في مجلس العموم على قرار الحرب. وكان قد تلقى نصائح عديدة بأنه من دون صدور قرار جديد من مجلس الأمن يعطي تفويضاً للعمل العسكري فإن الأمور ستكون بالغة التعقيد سياسياً بالنسبة له، وقد تؤدي الى نهايته السياسية. ووجه بلير سؤالاً صريحاً إلى اليستر كامبيل مدير الاتصالات والإعلام في عشرة داوننغ ستريت عندئذ حول فرصه بالنسبة لإمكانية الاستقالة من منصبه، وجاء رده مثيراً «إن النسبة لذلك تقدر بنحو عشرين في المئة». ولكن بلير كان يرى أن احتمالات حدوث ذلك تزيد حيث تبلغ 30 في المئة أو أكثر.

ومن بين الأمور الملحة التي كان بلير وبوش يعكفان على بحثها إمكانية لجوء صدام الى أعمال طائشة أو عنيفة قبل الحرب مثل إشعال النار في حقول النفط العراقية أو اطلاق مواد كيماوية أو بيولوجية في الجو أو يقوم بشن هجوم على «إسرائيل». ويشير بلير إلى أن سجل صدام لم يكن يوضح أنه يمكن الوثوق بتصرفاته. وكانت أجهزة الاستخبارات الأمريكية والبريطانية تحذر من احتمال لجوء صدام الى مثل هذه الأعمال الطائشة الانتقامية. ويتحدث بلير هنا عن الشرخ الكبير الذي وقع داخل حكومته عندما أعلن روبين كوك وزير الشؤون البرلمانية في ذلك الوقت استقالته احتجاجاً على التوجه للعمل العسكري. ومرة أخرى ينبري بلير بالدفاع المستميت عن بوش فيقول ان هناك الكثيرين الذين يتهكمون على موقفه من الشؤون الدولية.

ويقول إن وجهات نظر الرئيس الأمريكي السابق كانت صريحة ومباشرة وكان من الصعب الدخول في جدل حولها. ويذكر «أنه مهما كانت هناك أخطاء تقع فيها أمريكا إلا أنها دولة عظيمة وحرة مهما كان موقف الكثيرين في أوروبا الذين ينظرون إليها باعتبارها دولة تحبذ حتى الآن عقوبة الاعدام واللجوء إلى حيازة السلاح على نطاق واسع».

وفي كلمات قاطعة وتتسم بالتحدي يوضح بلير أنه بعد انقضاء هذه المدة الطويلة وبعد سيل الذكريات العارمة حول الحرب وساعات العذاب والألم حول اتخاذ قرار الحرب «فإنه لم يكن هناك أدنى شك في أن بريطانيا ستقف الى جانب أمريكا في اللحظة الحرجة» ومرة أخرى يشدد في دفاعه عن قرار الحرب فيقول إنه لم يكن هناك شك في الحاجة إلى التصدي لصدام في المستقبل، إذا لم يكن الغزو قد وقع في مارس (آذار) من عام 2003. ومع ذلك فإنه يقول ببالغ الصراحة «إنني كنت أعرف أن السيف سبق العزل وكنت أدرك مدى عزلتي .. وموقفي المحفوف بالمخاطر وعلاوة على ذلك الأفكار السلبية التي كانت تؤدي إلى آلام في المعدة مع تفكيره في النهاية بضرورة اللجوء الى الحرب».

ولكن بلير كان يدرك أيضاً أهمية عملية السلام في «الشرق الأوسط» ولذلك فإنه يقول إنه أقنع بوش بضرورة الموافقة على «خريطة الطريق التي وضعتها اللجنة الرباعية بدعم أساسي من أمريكا وذلك للعمل على تحقيق السلام في المنطقة»، وكانت «إسرائيل» تعارض الخطة كما يوضح بلير وذلك في بداية الأمر ولكنها أصبحت فيما بعد تؤيدها بشدة.

ويذيع سراً كان في طي الكتمان من قبل وهو أن القوات الخاصة البريطانية قامت قبل بدء أمريكا لعملياتها العسكرية بتأمين حقول النفط العراقية سراً وذلك للحيلولة دون قيام صدام بإشعال النار فيها وحدوث كارثة بيئية كبيرة. وهكذا دارت عملية الحرب ولكن اتضح له فيما بعد أنها كانت حرباً «دموية وصعبة للغاية» وهو هنا يشير الى المرحلة الخطرة التي تلت سقوط النظام وأسفرت عن حدوث أعمال عنف وإرهاب لا يزال العراق يعاني منه حتى اليوم.

ويعترف هنا بأن الإعداد لمرحلة ما بعد الغزو كانت غير كافية كما هو معروف وذلك بالرغم من أن الحملة العسكرية كانت رائعة. فقد اتضح أن الحملة المدنية لإعادة الإعمار لم تكن على المستوى نفسه فقد شابها التخبط والفوضى. وأقرت أمريكا كما يشير بلير بأن خطة إعادة الإعمار كانت «ضعيفة ورديئة». وكذلك فإنه يوضح أن بريطانيا كان يتعين عليها أن تقوم بعمل أفضل في منطقة الجنوب التي كانت تسيطر عليها بعد الحرب، وفي مرارة واضحة يشير بلير الى رفض أمريكا لفترة بعد الحرب أن تشرف الأمم المتحدة على مقاليد الأمور في العراق.

ويكشف لنا أن كولين باول وزير الخارجية في ذلك الوقت كان يؤيد ذلك ولكن ديك تشيني ودونالد رامسفيلد وزير الدفاع السابق كانا من أشد المعارضين لإشراك الأمم المتحدة، وكانت المهمة بالغة الصعوبة بالنسبة لإقناع بوش نفسه بذلك. وكانت الإدارة الأمريكية ترى أن المنظمة الدولية ليست مؤهلة للمشاركة في مرحلة ما بعد الغزو. وفي النهاية تمكن بلير من إقناع بوش وتشيني حول أهمية مشاركة الأمم المتحدة في العمل في العراق بعد الحرب. ولكنه يشير الى أن موقف كوفي أنان أمين عام الأمم المتحدة عندئذ كان في بالغ الصعوبة ويبدو مستحيلاً. وكان شخصياً يعارض الحرب كما أعلن بصراحة بعد ذلك ولكنه وافق على وجود للأمم المتحدة في العراق الآن، إلا أن أنان أوضح أنه لا يرى إمكانية قيام الأمم المتحدة بدور «رئيسي» في العراق إلا بعد أن تنعم البلاد بالاستقرار. وفي النهاية تمت موافقته على عبارات مطاطة مثل أن تقوم الأمم المتحدة بدور «فعال أو محوري».

ويخصص بلير جانباً من هذا الفصل أيضاً للحديث عن اندلاع الأعمال الإرهابية على نحو كارثي في العراق ولذلك فإنه أصبح يرى الموقف مثل كابوس كبير.

وحول قرارات بول بريمر الخاصة بتسريح الجيش العراقي وحل حزب البعث يرى بلير أن هذه الأمور كان من الضروري معالجتها بطريقة مغايرة. ويشير أيضاً إلى أن أمريكا تقر الآن بأن أخطاء فادحة أسفرت عن الفوضى وسفك الدماء على نطاق واسع. ولكنه يؤكد أنه كان هناك إصرار واضح على اتخاذ القرارات الصائبة في موقف كان يصعب الحكم على ما ستفضي إليه الأمور، وخاصة بالنسبة للعواقب التي لم يكن من الممكن التكهن بحدوثها. وحول عواقب هذه الأخطاء يقول بلير إن الأسئلة المثارة حالياً هي ما اذا كان سيحدث لو أن بريطانيا وأمريكا كانتا قد نشرتا المزيد من القوات في وقت مبكر، وكذلك هل كانت هناك أخطاء أدت إلى عدم الاسراع في تدريب القوات العراقية وبناء قوتها؟ وهل كان من المهم أيضاً السعي لكسب ود وتعاطف العناصر السنية في وقت مبكر؟

ويقر بأنه كانت هناك أخطاء في كل هذه المجالات الحساسة. ويتحدث أيضاً هنا عن الارتباط بين تنظيم القاعدة والعراق وكذلك المخاطر التي أسفرت عن التدخل الإيراني هناك مما أدى الى زيادة حالة عدم الاستقرار والفوضى الأمنية في البلاد حتى اليوم.

ويتساءل بلير أيضاً في هذه النظرة الى الوراء عما كان سيحدث لو أن أمريكا وبريطانيا توقعتا قبل الحرب هذه المآسي التي وقعت بعد سقوط نظام صدام، وهل كانت الدولتان ستقومان في هذه الحالة بغزو العراق فعلاً؟ ويعترف بلير بأن الكثيرين من المراقبين كانوا سيقولون إنه ليس من الصواب في هذه الحالة شن الحرب على العراق، حيث إن التكاليف المالية والخسائر الفادحة في الأرواح كانت فادحة وبالغة. ولكن بلير يؤكد أن التخاذل بالنسبة للتخلص من صدام كان سيكون باهظ التكاليف أيضاً من ناحية أخرى، من حيث تعزيز أيديولوجيات التطرف وكذلك عدم بروز المسار الديمقراطي في العراق. وفي لهجة قاطعة يوضح بلير «انني وقفت الى جانب أمريكا عندما كانت في حاجة الى من يقف معها. وقد خلصنا العالم معاً من طاغية وتضافرنا معاً من أجل دعم العراقيين في مساعيهم، لإقامة حكم ديمقراطي». ومن المؤكد أن الجدل سيستمر حول هذه القضايا الشائكة التي ستثبت في النهاية مدى صواب أو خطأ بلير في وقت يواجه فيه مطالبات بتقديمه للمحاكم كمجرم حرب.

ولكن هذا السياسي البارع كما ذكرنا أخفق في أن يحس بنفس الجماهير والرأي العام الذي كان يعارض بشدة قرار الحرب كما يتضح في موجة الغضب التي لا تزال سائدة حتى اليوم وخاصة مع سقوط المزيد من الضحايا الأبرياء في العراق يومياً. ولكن التاريخ وحده سيكون في النهاية هو الحكم.

- **المصدر : صحيفة «الخليج» الاماراتية


titre documents joints

«رحلة» بلير في مذكرات ... (الحلقة الرابعة)

6 أيلول (سبتمبر) 2010
info document : HTML
53 كيلوبايت


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 20 / 2165564

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع تفاعلية  متابعة نشاط الموقع ريبورتاج   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

36 من الزوار الآن

2165564 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 35


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010