الأحد 5 أيلول (سبتمبر) 2010

بشرط أن تخسر نفسك

الأحد 5 أيلول (سبتمبر) 2010 par فهمي هويدي

فشلت فى العثور على تفسير بريء للعبارة التالية :

محورية الدور المصرى في استراتيجية واشنطن بالمنطقة.

ذلك أنها تتحدث عن استراتيجية واحدة هي الأمريكية. وهو أمر مفهوم ولا غضاضة فيه. إذ طالما أن واشنطن تدعي أن لها مصالح في «الشرق الأوسط» وأنها تعتبر أمن «إسرائيل» من أمنها القومي، فمن الطبيعي أن تكون لها استراتيجية تخدم تلك المصالح والأهداف.

ويفترض في هذه الحالة أن تكون لمصر استراتيجيتها الخاصة التي تؤمن مصالحها العليا، بحسبانها بلداً كبيراً ومحورياً في العالمين العربي والإسلامي، لكن العبارة السابقة الذكر لم تتحدث عن تلاقٍ أو تقاطع بين الاستراتيجيتين الأمريكية والمصرية، لكنها ركزت على الأولى وتجاهلت الثانية.

ليس ذلك فحسب ولكنها فاجأتنا بما هو أبعد بكثير، إذ اعتبرت أن الجهد المصري يؤدي دوراً محورياً في الاستراتيجية الأمريكية بالمنطقة. دون تبيان لطبيعة ذلك الدور، ومدى اتفاقه أو اختلافه مع المصالح المصرية العليا.

وهو كلام لا يحتمل قراءات متعددة، ولم أجد له - للأسف - تفسيراً سوى تفسير واحد هو أنه يعني أن واشنطن تخطط وأن القاهرة تنفذ. وإذا بدا ذلك نوعاً من إساءة الظن، فإنني أرجو ممن لديه قراءة أخرى تساعد على إحسان الظن أن يدلني عليها.

العبارة المحيرة وردت في ثنايا تصريح لمصدر مصري مسئول. كان قريباً من المحادثات التي أجراها الرئيس مبارك في واشنطن خلال الأسبوع الماضي. وقد استوقفتني صياغتها، خصوصاً أنها أبرزت ضمن عناوين الصفحة الأولى في جريدة «الشروق» (عدد 1/9).

وتحت العنوان نشرت الصحيفة تقريراً لمراسلها في واشنطن حول أجواء الزيارة المذكورة.

ولا أعرف إلى أي مدى كان الكلام الذي نقل على لسان المسئول المصري دقيقاً، ولذلك فإنني تمنيت أن أقرأ مراجعة أو تصويباً له طوال الأيام الأربعة الأخيرة، لكني لم أجد أثراً لذلك.

الأمر الذي دعاني إلى افتراض صحته حتى إشعار آخر على الأقل.

لم يكن العنوان وحده الذي استوقفني (استفزني إن شئت الدقة)، وانما كان مضمون التقرير مثيراً للانتباه أيضاً. ذلك أنه تحدث عن أن ما قامت به حكومة حزب العدالة والتنمية فيما يتعلق بالسياسة التركية في «الشرق الأوسط» ساهم في تأكيد أهمية ودور مصر المحوري بالنسبة لواشنطن فيما يتعلق بقضايا المنطقة.

ذلك أن تصويت تركيا في مجلس الأمن ضد فرض المزيد من العقوبات على إيران، ومن قبله رفض الحكومة التركية التحذيرات الأمريكية و«الإسرائيلية» من السماح لسفن أسطول الحرية بالإبحار نحو قطاع غزة وما ترتب على ذلك من آثار، زادا من التشكك الأمريكي في النوايا التركية.

وهو ما دعا كثيرين في واشنطن إلى المناداة بضرورة التركيز على الحليف المصري المستقر، «الهادف لاستقرار صراع «الشرق الأوسط» والمعارض لطموحات إيران النووية والمعادي لـ «حماس»».

نقل التقرير عن مسئول مصري - لم يذكر اسمه - قوله إننا استفدنا كثيراً من حادثة أسطول الحرية، التي أكدت أهمية الدور المصري المحوري، الذي يمكن الاعتماد عليه من قبل الولايات المتحدة.

وذكر على لسان أحد خبراء معهد «الشرق الأوسط» (مايكل وان) قوله إن مصر تلعب دوراً في الاستراتيجية الأمريكية. وهو ذات المعنى الذي عبر عنه خبير آخر من معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، (ديفيد بولاك) حين قال إن سلام مصر مع «إسرائيل» مازال حجر الأساس للسياسة الأمريكية في «الشرق الأوسط»، كما أن معارضة مصر للطموح الإيراني وعنف المتطرفين (يقصد المقاومة الفلسطينية) ذات قيمة كبيرة لأهداف أمريكا.

ما معنى هذا الكلام؟..

معناه أن واشنطن غضبت على تركيا لأنها تبنت سياسة مستقلة دافعت فيها عن مصالحها العليا. وعبرت عن تعاطفها مع الفلسطينيين المحاصرين في غزة.

ووجدت فى مصر بديلاً طيعاً مستعداً للاستجابة لما تريده واشنطن، من العداء لإيران إلى العداء لـ «حماس».

وهذا هو «الدور المحوري» الذي أصبحت تؤديه مصر الآن. الأمر الذي يضعنا أمام حقيقة مخزية، تجيب عن تساؤلات الذين يفتقدون دور مصر ويتحسرون على غيابها.

ذلك أنهم يتساءلون عن مصر التي كانت بلداً محورياً في العالم العربي يرمز إلى عزته وكبريائه، ولا يريدون أن يصدقوا أن الزمن تغير، وأن الدور المحوري الآن أصبح يتم في إطار تنفيذ الاستراتيجية الأمريكية في «الشرق الأوسط»، في درس خلاصته أنك لكي تكسب الرضا الأمريكي لابد أن تخسر نفسك.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 10 / 2165272

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

5 من الزوار الآن

2165272 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 5


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010