السبت 4 أيلول (سبتمبر) 2010

البنادق في الضفة.. فلمن تقرع الأجراس في واشنطن؟

السبت 4 أيلول (سبتمبر) 2010 par نصري الصايغ

[**I ـ إفطار.. على وقع الرصاص*]

القاعة مجهزة بما يليق من الأطعمة. «الكاشير» فريضة واجبة. الحلال يملأ المائدة الحرام... ذلك أن القيادة العسكرية «الإسرائيلية» في الضفة الغربية، أفتت بضرورة إقامة حلف «الخبز والملح»، بين شعب الخبز المختار من اليهود المحتلين، وبين شعب الملح الذي يشبه الجرح وأوجاعه.

لم يكن قد اكتمل نصاب الطعام والكلام بعد.. المرافقون «للصائمين الكبار» والمضيفين من ضباط الرتب العالية والأرقام القياسية في القتل، استهولوا ما حدث : لأول مرة، بعد أزمنة القحط النضالي، يتعرض أربعة مستوطنين «إسرائيليين» لعلمية إطلاق نار...

نقل المرافقون الخبر، عبر أوراق صغيرة، دست أمام صحون المفطرين على مائدة الزور. وتوقف المضغ اللذيذ، وحلت محله لذعة المفاجأة : عرب يقتلون يهوداً، فلسطينيون يقتلون «إسرائيليين»...

عليك أن تتصور المشهد. كيف نظر الضباط «الإسرائيليون» إلى «زملائهم» الفلسطينيين أبناء العم الجنرال دايتون. عليك أن ترى الحقد والغضب والرغبة في الانتقام... ثم عليك أن تنظر إلى «مساكين الضباط الفلسطينيين»، كيف لاذوا بالخجل والندم وباحوا بالاستنكار وطلب المغفرة... عليك أن تقرأ من خلال هذا الإفطار الرمضاني ـ «الأسرائيلي»، ان ما يجري في واشنطن، وما يحضر له في المفاوضات، يشبه ما يحدث على طاولة الطعام.

غير أن المشهد خارج غرفة الوليمة الرمضانية، وغرف المفاوضات، كان ينفتح على أفق آخر : أفق تجديد الأمل بالمقاومة. وما قيل ان العملية جاءت لتضع العصي في دواليب المفاوضات، ليس إلا من نافل الأقوال وسخيفها... عملية المقاومة، أعادت العلاقة بين «الإسرائيلي» والفلسطيني إلى جوهر المعادلة السليمة، المقاومة في مواجهة الاحتلال، خاصة أنه ثبت بالتكليف الدموي، أن «إسرائيل» تجتاح فلسطين تهويداً وتقسيماً وتدميراً وتدنيساً، والمفاوض الفلسطيني، ليس من حقه أن يشكو، ولو بصوت منخفض.

الرصاص أكثر إنباءً من عبّاس.

[**II ـ أربعة شعوب فلسطينية!*]

ينعون المفاوضات، قبل حصولها، فماذا سيقال بعد تمرين جديد على الفشل؟ ليس مهماً ما سيقوله المفاوض الفلسطيني، فلو طلب الحدود الدنيا، فسيواجه بأنه يطلب المستحيل. وبعد ذلك، ليس في يده أوراق ولا قوة ولا رصاصة واحدة يهدد بها.

المفاوض الفلسطيني ذاهب كمهزوم. إذا وقّع خسر، وإذا لم يوقع عوقب، وستكون خسائره في عدم التوقيع وبالاً عليه وعلى شعبه.

منذ سنوات وأنا أتابع مجموعة من المفكرين اليهود الذين آمنوا ذات عقود، أن الصهيونية حلمهم الإنساني والقومي والفردي ـ من هؤلاء، المفكر ميرون بنفنستي. يرى ميرون أن أفق الحلول مسدود : «لا مكان في فلسطين لدولتين ذات سيادتين متساويتين بين الأردن والمتوسط.. عمر الصراع مئة وثلاثون عاماً، على أرض يعتبر «الإسرائيلي» والفلسطيني أنها له. التقسيم الوحيد الممكن (!) هو تقسيم مفروض بقوة الأقوى. وهذا ما يطمح إليه نتنياهو : تجمعات متجانسة إتنياً متباعدة ومقسمة فوق الجغرافيا، وتعطى اسم دولة. ولكن، هذا التقسيم لا يعود إلا مسخاً لشكل «البانتوستانات» في جنوب أفريقيا، في زمن التمييز العنصري».

وعليه يقول ميرون بنفنستي إن عملية السلام هي عوم فوق الستاتوكو. «لا تقدم حلاً، لكنها تقدم وهماً». من يستطيع أن يعتبر أن «إسرائيل» اليوم هي في اليوم السابع من حرب الأيام الستة؟ من يمكنه أن يتصور، أن «الإسرائيلي» يمكن أن يعود إلى الوراء كما لو أن ثلاثة وأربعين عاماً لم تمر على حرب حزيران. من يمكنه أن لا يلتفت إلى عشرات مليارات الدولارات قد أنفقت في الضفة الغربية، من أجل إقامة البنى التحتية للمستوطنات؟

ويضيف بنفنستي : أخشى أن نكون شهوداً على آخر أيام الحركة الوطنية الفلسطينية، انها في حالة النزاع الأخير. لقد نجحت «إسرائيل» في تجزئة الشعب الفلسطيني إلى أربع مجموعات :

(1) فلسطينيو إسرائيل. (2) فلسطينيو الضفة الغربية. (3) فلسطينيو قطاع غزة. (4) فلسطينيو الشتات. وكل مجموعة تخضع لأجندة مختلفة عن الأخرى. وهذا ما يجعل الفلسطينيين يلعبون لعبة «إسرائيل».

أي ان محمود عبّاس، عندما يتحدث في واشنطن، فإن نتنياهو ينظر اليه، كمندوب ضعيف، عن الضفة فقط. فهو لا يمثل فلسطينيي غزة أو فلسطينيي «إسرائيل» أو الشتات... هو ليس بصفته ممثلاً للشعب الفلسطيني، ولا هو ممثل لمنظمة التحرير الفلسطينية.

ولعل نتنياهو يفضل أن يكون شريكه في الحل، سلام فيّاض. اذ يعتقد هذا الأخير أن باستطاعته إقامة دولة على 60% من الأراضي في الضفة ويرضى بذلك، حيث يصرف جهوده إلى تحسين وضع الفلسطيني، بدل رميه في القليل المستحيل.

[**III ـ الفوضى أفضل من السلطة*]

لم تعد «السلطة الفلسطينية» حارسة لأبواب فلسطين. هي ملتزمة باتفاقات موقعة، بحراسة الأبواب «الإسرائيلية»، و«الإسرائيليين» الذين يتنقلون خارج أبوابها أيضاً. لذلك، وكان الإفطار لمّا ينتهِ بعد، قامت «السلطة»، بأوامر عسكرية ـ أمنية مشددة، باعتقال عشوائي لأكثر من 250 ناشطاً فلسطينياً. وتم إبلاغ من يعنيهم الأمر، أن التحقيق سيصل إلى خواتيمه. وسيلقى القبض على السيارة والفاعلين، ليطمئن قلب نتنياهو، ويطمئن لسان أبو مازن، ويزول الخوف عن أنظمة العجز العربية.

«سلطة» هذه وظيفتها، لم تعد تشبه سلطة رئيس بلدية ما، أو مختار ما. هي «سلطة» تنفذ ما يشترطه العدو... وتحديداً، لالتزام أمنه. والتزام الأمن يعني : ليس نزع السلاح فقط، بل السهر المخابراتي المكثف، على الطريقة العربية، لمنع كل من يمت إلى المقاومة بصلة الزناد.

هذه «سلطة» يليق بها أن تبقى في واشنطن، وأن يصار الى حلها وحل مؤسساتها. وبذلك ينفتح المشهد الفلسطيني على الفوضى.

لماذا؟

يقول بنفنستي، إن «السلطة» من دون أموال الدعم الغربية، تسقط بسهولة. أوروبا وأميركا مصرة على الدعم المالي «للسلطة»، وذلك لمصلحة «إسرائيل»، وليس لمصلحة الفلسطينيين. إذ، عندما يتوقف الدعم الغربي، فإن «السلطة» ستسقط، وسينفجر الوضع في وجه الاحتلال والمستوطنين.

إن «شعب الانتفاضتين»، لن ينتفض مرة اخرى، وكثير من شرائحه تعوّل على الدور الاقتصادي والدخول في لعبته، خصوصاً أن الوضع النفسي للفلسطينيين، سليل لسياسة انعدام الأفق. الفلسطيني في الضفة، بات بلا أيديولوجيا. ومن دون أيديولوجيا ينعدم النضال وتتجمد الحركة. الأيديولوجيا الدينية تخبئ خلاياها، ليوم الأمل، الذي انفجر في رام الله...

إذا أسقطت «السلطة»، فسيتوقف الدعم، وسيخرج الفلسطيني شاهراً عنفه وسلاحه وأمله : لا حياة مع الاحتلال. ويصح عندها، ما كتبه المفكّر أحمد برقاوي (راجع مقالته) ان كلفة إزالة «إسرائيل»، أقل من كلفة التفاوض معها، واستطراداً، ان كلفة المقاومة أقل بكثير من كلفة التعامل معها.

إن لحظة سقوط «السلطة الفلسطينية»، ستكون لحظة مصيرية في تاريخ الأمة. وان سقوطها بات ضرورياً، لأنها لم تعد قادرة على صد الضرر «الإسرائيلي» عن الشعب، ولأنها باتت الى جانب «إسرائيل»، الضرر المضاف... فالحل، ان تحل «السلطة» نفسها. ولتكن الفوضى البناءة، شريعة المقاومة المسلحة في فلسطين. ولتصبح المواجهة اليومية بين الفلسطيني و«الإسرائيلي»، عسكرياً كان أم مستوطناً، وهكذا يعود الصراع الى أبجديته الأولى : احتلال ومقاومة، وما بينهما لغة يفهمها المحتل.

[**IV ـ طابع بريد بحاجة إلى دولة*]

وفق استفتاء أجري في «إسرائيل»، حول حظوظ نجاح المفاوضات، جاءت النتيجة لمصلحة انعدام الحل. واشنطن لا تستطيع قلب المعطيات على الأرض... الأرض غير مؤهلة إلا كي يبنى عليها بحجارتها. نتنياهو يسعى الى البناء بحجارة سلام فيّاض. إقامة سلام اقتصادي، يمنع الفلسطيني من التفكير بالعنف.. ودون ذلك ما لا يحصى من التفاصيل. فحتى لو قررت «إسرائيل» منح «الدولة الفلسطينية» العتيدة، فرصة استكمال مؤسساتها وربط الفلسطيني بها، عبر ارتهان مصلحي بها، فإن ظروف النجاح غير متوافرة. نشرت جريدة «لوموند» تقريراً عن حال البريد في فلسطين، جاء فيه أن ساعي البريد، بات مسروراً، لأنه لم يعد ملزماً بالسير لمسافة 400 كلم كل يوم، للقيام بمهمات نقل البريد. فبعد إلغاء بعض الحواجز، انحسرت المسافة الى 200 كلم يومياً... تقدم مريح! أليس كذلك؟

إن رسالة مرسلة من أوروبا الى الضفة بحاجة الى أربعة أسابيع كي تصل الى هدفها. والرسائل يصار الى الكشف عليها أو كشفها وفتحها، في مراكز البريد «الإسرائيلية». أما إذا كانت الرسالة مرسلة من الضفة الى باريس مثلاً، فهي بحاجة الى شهرين، كمعدل وسطي من الزمن. لكن ساعي البريد شديد التعلق بالبريد ويقوم به بعطف وشغف، لأن البريد يحمل اسم فلسطين، ويأسف لأن دولا عربية قد أصدرت طوابع بريدية تحمل رسماً معبراً عن الانتفاضة، وهو ممنوع على إدارة البريد في الضفة.

إن هذا الفرح باسم فلسطين، عنوان الأمل المتجدد بفلسطين.

[**Vـ وداع بلا قلب*]

«أنا ابن هذه الأرض. لكن العرب كانوا دوماً في هذه الأرض. وهذه أرض العرب. هم مشهدها. هم السكان الأصليون، ولا أرى نفسي أعيش من دونهم. وفي نظري، فإن أرض «إسرائيل» من دون العرب أرض عاقر». قول لبنفنستي، يرى فيه أن مستقبل «إسرائيل» مظلم جداً. يكمل نبوءته : «لن نفلح أبداً في دفعهم الى التنازل عن حق العودة، لن ننجح في إرغامهم على التنازل عن بيت ايل، ولن نتمكن من دفع عرب «إسرائيل» الى التنازل عن مطالبتهم بحقوقهم الجماعية. فالحل المنطقي ظاهرياً المتمثل بدولتين لشعبين، لم يعد قابلاً للنجاح... ونموذج دولتين قويتين غير قابل للتطبيق... وحتى لو أقيمت كل أسوار العالم فلن يتم التغلب على حقيقة أن الحوض الجوفي واحد... لا يمكن التغلب على حقيقة أن هذه الأرض لا تحتمل حدوداً في داخلها».

«حان وقت الإقرار بأن الثورة الصهيونية انتهت... ان «إسرائيل» ضحية انتصاراتها وضحية التاريخ الفظيع لفرص ضائعة... أعرف أن الدولة القومية اليهودية لن تبقى هنا، وان دولتين لشعبين لن تقاما».

هذه نبوءة تلتقي مع العملية التي دشنت تطلعاً الى تصويب المسار الفلسطيني. هذا المسار، يفضي في السياسة، الى الانهيار. أما المسار النضالي، فقد يفضي، ولو بعد انتظار، الى بدء التحسس بالانتصار. ولبنان نموذجاً.

لذا، يصح السؤال : لمن تقرع الأجراس في واشنطن؟ لأبو مازن أم للسلام أم لحل الدولتين أم... للمقاومة!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 6 / 2165549

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2165549 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 18


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010