الجمعة 3 أيلول (سبتمبر) 2010

يتكلمون عن السلام

الجمعة 3 أيلول (سبتمبر) 2010

«في كل مرة يمضي فيها هؤلاء الاشكناز لصنع سلام فوق أعشاب البيت الأبيض، ينتج لنا بعد ذلك مسار قتل ودمار»، هذا ما قاله هذا الأسبوع نفتالي بينيط، المدير العام لمجلس يشع والذي كان الى وقت قريب رئيس مقر العمل «الاشكنازي» الذي سافر هذا الأسبوع الى أعشاب البيت الابيض. السؤال الذي بقي مفتوحا هو هل سافر هذا الاشكنازي، المسمى بنيامين نتنياهو لصنع السلام حقا، أم سافر في الحاصل للتظاهر بصنع السلام؟

مهما يكن الأمر فان المراسم الوثنية الثابتة في منطقتنا، وفحواها انه في كل مرة يتحدث فيها البيض عن السلام يأتي السود ويصنعون ارهابا، جَبـَتْ هذا الاسبوع، ( حتى ايصال هذه السطور الى الطباعة)، حياة أربعة «اسرائيليين» قرب كريات أربع. لا يعني ذلك أن هذا يعزي شخصا ما، لكنه لا يمكن حتى أن نسمي المقتولين هذا الاسبوع «ضحايا سلام»، كما كانت العادة ذات مرة. لانه يجب قبل ذلك أن نبرهن على أن عند الجانبين نية حقيقية للسلام.

قبل 12 سنة سافر بنيامين نتنياهو الى مؤتمر واي بلانتيشن. ووقع هناك على اتفاق الخليل الذي كان اجراء خاف شمعون بيريس أن يفعله قبله. مع عودته الى البلاد، وهو ما زال يهبط درج الطائرة في مطار بن غوريون، عدل بيبي نحو اليمين، وانقض على المعارضة من اليسار وفجر الاتفاق. وأسقطه اليمين الذي لم تجز عليه هذه المناورة الحادة. رأس المعارضة التي انقض عليها نتنياهو آنذاك ايهود باراك. وهو اليوم وزير دفاع نتنياهو. في تلك الايام، لم يحسب نتنياهو حسابا لباراك ولم يخفه حقا. وكان الفرض في حاشية نتنياهو أنه لا يوجد لبيبي بديل حقيقي في اليمين ولا في اليسار ايضا. «باراك لا يرتفع»، كان هذا هو الفرض السائد عند الجمهور. لو كان نتنياهو الذي لقب بـ «الساحر» على يقين من قدرته على الاستمرار في المناورة أو الفوز في الانتخابات التالية أيضا.

والنهاية معلومة. لم ينجح نتنياهو في الاستمرار على المناورة، وجر الى الانتخابات وهزمه باراك بنتيجة مذهلة. هبط نتنياهو وتحطم أكثر مما ارتفع باراك. حدث ذلك آنذاك بين عشية وضحاها تقريبا. إن بيبي، الذي حافظ على تعادل أو تفوق طفيف باستطلاعات الرأي حتى اللحظة الأخيرة تقريبا، هبط بمرة واحدة. اجتمعت كتلة حرجة وأسقطت التأييد العام له كما في انهيار ثلجي. كان آنذاك تصويت مزدوج، فورقة للكنيست وورقة أخرى برئاسة الحكومة، وساعد ذلك باراك على التغلب عليه (بفرق 12 في المئة). الحال اليوم كما كانت آنذاك، فحاشية نتنياهو تعتقد أنه لا بديل حقيقيا لبيبي في اليمين ولا في اليسار ايضا. وهم مخطئون هذه المرة أيضا. فأفيغدور ليبرمان، الخاضع للمساءلة يستطيع أن يكون بيبي القادم. وتتبوأ تسيبي ليفني اليوم منصب ايهود باراك آنذاك. إن كاديما هو حزب العمل الذي كان ذات مرة. ويبدو الآن ايضا ان نتنياهو واثق بقدرته محافظ على قوته مسيطر على الوضع. وهو رغم انخفاض دائم في استطلاعاته الداخلية، ما يزال لا يبين علامات انهيار. لكنه كوي ولذع وهو يعلم أن هذا قد يحدث وعندما يحدث يحدث سريعا، وتصعب السيطرة عليه. يدفنك الانهيار تحته بين عشية وضحاها تقريبا وقد يبسط العصفور جناحيه فجأة ويطير.

هل نتنياهو جدي؟ هل نضج لإجراء تاريخي؟ هل اجتاز نهر الروبيكون؟ الآراء مختلفة. اعتقد أكثر المقدرين حتى الليلة بين الاربعاء والخميس من هذا الاسبوع التي خطب فيها خطبة في واشنطن أن نتنياهو يقدم عرضا. لقد أدرك أنه يجب احداث أصوات مسيرة سلام ليوثق الحصار على ايران ففعل. وعندما يسأل أناسه في ذلك يقولون «إنه لم يقرر بعد». كانت خطبته في جلسة «وزرائنا» الأخيرة ومع رفع الكأس عشية شخوصه الى واشنطن عادية. لم يبدأ تنفيذ الاعداد المطلوب للرأي العام، بأسلوب شارون. ولم يتحدث عن «تنازلات مؤلمة»، ولا أنه «حان الوقت لتقاسم البلاد» ولا في «أننا لا نستطيع أن نكون في جميع الاماكن التي نريد أن نكون فيها». وقد تخلى ايضا عن أفكار دان مريدور. بل إنه لم يعاود أسس خطبة بار ايلان. سيضطر نتنياهو من أجل احراز تسوية مع الفلسطينيين الى الموافقة على اقتراح أبعد مدى من اقتراح ايهود اولمرت الأخير. أيمكن ان يحدث هذا؟ يبدو أن لا.

[**بيبي مضغوط*]

نشر ها هنا في يوم الجمعة الماضي استطلاع عن مجلس يشع (بتنفيذ «خزان الأدمغة») فحواه أن ربع مصوتي الليكود سيزنون الانتقال الى ليبرمان اذا أطال نتنياهو التجميد. وهذا الاستطلاع، مثل كل استطلاع، جعل بيبي تحت وطأة ضغط شديد. استدعى عددا من مستشاريه وحذرهم قائلا: «نحن نفقد الليكود». وبعد ذلك سافر الى واشنطن. كانت خطبته في مراسم افتتاح مؤتمر السلام مفاجأة تناقض هذه النظرية. من توقع بدء اعداد الأرضية العامة لاجراء نتنياهو السلمي، حصل على مطلوبه. فقد تحدث رئيس الحكومة عن «سلام لأجيال»، وقال إن «الشعب اليهودي ليس غريبا في أرضه لكننا نعرف أن أناسا آخرين يقاسموننا هذه البلاد»، وسمى أبا مازن «شريكي»، وقال إنني «عملت من أجل «اسرائيل» طوال حياتي لكنني لم آت هنا للفوز في جدل بل لصوغ سلام. ولم آت لألعب لعبة اتهام يخسر فيها حتى الفائزون، أتيت لأحرز سلاما».

كانت هذه خطبة جيدة ومؤثرة وزعامية. هل خطبها نتنياهو من داخل قلبه؟ هل اندفع كلامه خارجا في عذاب نضج حقيقي؟ أو بكلمات سهلة هل ينوي هذا أيضا؟ هل يوجد في نتنياهو القوة الداخلية المطلوبة لمواجهة نواة قوته الطبيعية؟ وهل هو قادر على اجتثاث حزبه من المكان المريح الذي يستقر فيه اليوم ويأتي به الى مكان جديد غريب، وهو ما يفترض أن يفضي الى انقسامه شبه المحقق؟ في هذا شك كبير.

[**حيلة باراك*]

وماذا عن ايهود باراك؟ إنه ينشر هذا الاسبوع مرة أخرى خطته الشهيرة (التي نشرت كاملة في هذه الصفحات قبل عدة أسابيع لا للمرة الأولى). وهو يحتال على رئيس الحكومة حيلة يمكن صنع مثلها فقط في ديمقراطيتنا العجيبة: فزعيم دولة يسافر الى لقاء سياسي حاسم وتاريخي، محتفظا بالغموض، ويعتم على خططه ونياته، ليتبين له وهو ما يزال في الجو أن وزير دفاعه وحليفه السياسي يرسم الحدود الدقيقة ويعلن «سيادة مشتركة» في جبل الهيكل.

مهما يكن هذا سخيفا، فليس الحديث ها هنا عن بالون تجارب ولا عن أول التباشير. الحديث عن الخسارة «الاسرائيلية» العادية. يعلم كل من يعرف ايهود باراك رأيه الحقيقي في احتمالات التفاوض. وفي وجود شريك. وفي القدرة على التوصل الى اتفاق تاريخي وانهاء الصراع في غضون سنة. فباراك، الى وقت قريب، سمى التفاوض مع الفلسطينيين بأسماء جذابة خلاقة مثل «سوفلا» (وهو جماع لين من الهواء الساخن). ما الذي حدث فجأة اذن؟ إن ما حدث فجأة هو أنه نشأت حاجة ملحة الى أن يبرهن لـبريفرامان وبوغي وشيلي ومجادلة على أنه يجب البقاء في الحكومة. وبالمناسبة يعلم فؤاد هذا وحده. وقد برهن على ذلك. ولهذا يواصل باراك الثرثرة، ثم الثرثرة، في خطته السياسية الضخمة، ويؤكد أنه يستمر على قضاء الايام والليالي لاقناع رئيس الحكومة بتبنيها.

وماذا سيحدث عندما يتبين أن هذا لا يجدي؟ آه، لنؤمل ألا يحدث هذا البتة. واذا ما حدث فسنعلم آنذاك ما نفعل. حتى ذلك الحين من المحقق أن ينسل حزب العمل تحت نسبة الحسم، وأن يطلب باراك ملاذا سياسيا عند بيبي (أو يعتزل لحياة جيدة)، وليكن الطوفان بعده. لكن هدف باراك الأعلى في هذه الاثناء هو أن يبقى وزير الدفاع، واذا احتاج الأمر الى نشر خطط سلام بمعدل مرة كل اسبوعين، فسنفعل ما يجب. سيكون دائما من يقبل هذه السلعة المستعملة منا.

أوربما مع كل ذلك؟ اذا سألتم شمعون بيريس مثلا فانه يصدق. بيريس يصدق دائما. بيريس يصدق كل شيء. والحقيقة أنه يصعب اتهامه. انه يتحدث كثيرا مع بيبي، وهو يسمع منه كلاما حلوا آسرا. يقال في فضل بيريس أنه صدق شارون في زمانه أيضا. وتبين آخر الأمر أنه على حق. أما سؤال (هل بيبي هو شارون؟) فانه سؤال على حدة، وبيريس يفضل ألا يجيب عنه في هذه الأثناء. إنه عالق في شرك عسل لنسبة 95 في المئة من الشعبية عند الجمهور. والحديث عن الحلاوة التي تتلو عند من رجم أكثر حياته السياسية بالبندورة. وهذا يسبب الادمان. يعلم بيريس أنه اذا رفع صوته فسيخسر اصواتا. فمن المريح له في هذه الاثناء أن يستمر على الضغط والتصديق. التفاؤل صفة جيدة، يوجد منه قدر كاف للجميع ولا يكلف مالا ايضا.

[**أصوات سلام*]

والى الان، وعلى الأقل في تلك الخطبة في واشنطن، ولبضع دقائق على الاقل، صدرت عن بنيامين نتنياهو هذا الاسبوع اصوات زعيم يسعى الى السلام. كانت عنده جميع الذرائع في العالم ليكون متجهما تحديديا، وليتحدث عن «تقديرات أمنية» وعن الدم اليهودي كله الذي سفح في كل مرة اجتمع فيها الناس للحديث عن التسوية، لكنه اختار طريقا آخر، في نغمة مختلفة. وكان من المسلي ايضا سماع مسؤولي الليكود الكبار، في الصباح الذي تلا العملية القاتلة قرب الخليل، يرددون ذلك الشعار، عن مدرسة يوسي بيلين وفحواه «لن ندع الارهابيين المتطرفين يحددون برنامج عملنا السياسي». ويجب أن نتذكر الى الان، أن ما أعطاه بيبي لباراك اوباما في هذه الاثناء خطبة، وكلام جميل. أما مرحلة الافعال فبعيدة عنا بعدا كبيرا ويبدو أنها غير عملية على نحو ظاهر.

وعلى ذلك فان التخمين الواعي موجود في مكان ما في الوسط. لم يجتز نتنياهو أي روبيكون، وليس السلام على الباب، لكنه قد يكون مستعدا لأن يبل قليلا. وعلى حسب تصوره، لم يأت بيبي ولايته الثانية لصنع السلام بل لمنع المشروع الذري الايراني. في مقابلة الاستعدادات العسكرية التي تجري طوال الوقت، يجب عليه ان ينشىء وضعا يكون من الممكن معه انشاء تحالف دولي على ايران، أو يكون من الممكن في وقت ما تجنيد الامريكيين لذلك، او استخلاص موافقة منهم على الأقل على عملية «اسرائيلية». يحتاج من أجل ذلك الى مسيرة سياسية ويحتاج من أجل ذلك الى تفاوض.

ولهذا ما يحاول نتنياهو صنعه الان ايهام، وانطباع خارجي، وتحريك متكلف لأجراس السلام. اذا احتاج هذا الى تسويات مرحلية ذات شأن، في نطاق سياق أوسع من تسوية شاملة في المستقبل، مع برامج زمنية مرنة بعيدة الأمد، فقد يوافق. والاساس أن ينجح في هذه الاثناء في تلك المهمة الحقيقية، والغاية الكونية الخالدة، التي هي مرساة كيانه واعتقاده كله وهي منع ايران من القنبلة الذرية. هذه هي رواية نتنياهو. والى هناك يمضي. والمشكلة هي أن نتنياهو لا يوصله سيره دائما الى حيث يشاء. وقد يجد نفسه عالقا في مسيرة سياسية ذات شأن مع اقتراح امريكي لتقريب وجهات نظر غير مقبول على المائدة من جهة، وقنبلة ايرانية متكتكة من الجهة الاخرى، او بعبارة اخرى، مع تنازلات سياسية مفرطة، ومع قنبلة ايرانية ايضا.

يدل سجل نتنياهو حتى اليوم أن هذه هي نتيجة مناوراته على نحو عام. وكما يصوغ رجاله أنفسهم هذا، فانه يدفع دائما الثمن الأبهظ، ويتلقى السلعة السيئة ويتلقى الضربة على رأسه من الجميع. صحيح يكون هذا مضحكا احيانا لكنه هذه المرة مقلق. يجب علينا ان ندعو الله جميعا أن ينجح.

- [**بن كاسبيت | «معاريف» | 3 ايلول (سبتمبر) 2010*]



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 9 / 2178485

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المرصد  متابعة نشاط الموقع صحف وإعلام   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2178485 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40