السبت 12 أيار (مايو) 2018

المحتلون وسبعون عاما على النكبة

السبت 12 أيار (مايو) 2018 par عبداللطيف مهنا

ترسانتهم الأكثر تطورا ومواكبةً لأحدث ما توصَّلت إليه العقلية الغربية الاستعمارية من مبتكرات الموت والتدمير لا يرونها ضامنا موثوقا وكافيا لوجودهم، هذا الذي يدركون أنه المفتعل والمرفوض والملفوظ من قبل محيطه، لا سيما وأن التطور على الصعد البالستية والسوبرانية، مع الإرادة النضالية المتبدية في النهج المقاوم وما تختزنه من إبداعات متكيفة مع واقع المواجهة وضروراتها، تضعهم في سياق مواجهة مختلفة عن تلك التي اعتادوها زمن الجيوش النظامية العربية…
في مقال سابق تعرضنا للأبعاد الثلاثة التي يرتكز عليها الوجود الكياني الاحتلالي الغاصب في فلسطين. قلنا إنهما الدور الوظيفي التخادمي في سياق المشروع الغربي الاستعماري المعادي للأمة العربية، والبعد الأمني للكيان، الذي لو تعرَّض للاهتزاز الفعلي لغادر مستوطنوه الغزاة كيانهم إلى من حيث أتوا، ثم البعد الديني، الحامل معه روايات ذات مرتكزات تلفيقية أسطورية وحتى خرافية. بالنسبة للأول، يكثر، لا سيما في هذه الأيام، حديث التوجُّس في داخل هذا الكيان وخارجه عن بدء تراجع هذا البعد مع بدء تراجع المشروع الأكبر المندرج في سياقه وتحت مظلته مشروعهم الاحتلالي الأصغر، ونعني المشروع الاستعماري الغربي التاريخي، والذي عنوانه الراهن هو الأميركي…توجّسهم هذا تُرجم ولولة لم تتوقف منذ أن أعلن ترامب نواياه في سحب قواته من سوريا، وزاد منها فشل العدوان الثلاثي عليها، إذ نسمعهم يرددون ما كنا سمعناهم يقولونه يوم أن قرر أوباما سحب جيوشه الغازية من العراق: “لقد تركونا وحدنا”!
وبخصوص الثاني، أمن المحتلين، فإن في المشهد المريع لحالة الانحدار العربية، الناجمة عن الفشل المزمن لما كان يدعى النظام العربي، بمعنى السقوط الذريع للقطرية العربية، التي اقتاتت على تغييب وحدة الأمة واستمرأت التبعية، وتخلَّت عن قضيتها المركزية في فلسطين، هذه التي لا تُجمع ولا تجتمع الأمة إلا عليها، أو المفترض أنها بوصلتها وشاحن تفجير طاقاتها وشحذ عوامل نهوضها، ما قد أدى بالمحتلين، إلى جانب إحساسهم بتخمة ترسانتهم العسكرية وتفوُّقها، والدعم الغربي متعدد الأوجه وغير المحدود، إلى حالة اطمئنان أفضت إلى ارتفاع مستوى الفجور في عدوانيتهم، وانفتاح في شهيتهم التهويدية.
بيد أن من شأن هذا أيضا، وكرد فعل له، إذكاء الوعي الجمعي للأمة بمدى خطورة راهنها، وزيادتها إدراكا بأن ما تواجهه إنما هو صراع وجود لا حدود، وأن يُهيئ من ثم الأرضية الشعبية المتقبّلة لثقافة المقاومة، أو ما هو يتم الآن حثيثا وأن لا يبدو جليا لبؤس المرحلة. إنه الأمر الذي يتنبَّه له العدو ويقلقه، وجاء انتصار سوريا في مواجهة حرب كونية تعرضت لها على مدى السبعة أعوام الأخيرة ولا تزال، ليفاقم من هذا القلق…ناهيك عن فوبيا الديموغرافيا الفلسطينية، أضف إليه، الانتفاضات المتتالية، ومستجدات المبتكرات النضالية، وآخرها مسيرات العودة، أي كل ما من شأنه هزَّ ثقة الاحتلال في أمنه، بل جاعلا منه أمر اليوم بالنسبة له.
ترسانتهم الأكثر تطورا ومواكبةً لأحدث ما توصَّلت إليه العقلية الغربية الاستعمارية من مبتكرات الموت والتدمير لا يرونها ضامنا موثوقا وكافيا لوجودهم، هذا الذي يدركون أنه المفتعل والمرفوض والملفوظ من قبل محيطه، لا سيما وأن التطور على الصعد البالستية والسوبرانية، مع الإرادة النضالية المتبدية في النهج المقاوم وما تختزنه من إبداعات متكيفة مع واقع المواجهة وضروراتها، تضعهم في سياق مواجهة مختلفة عن تلك التي اعتادوها زمن الجيوش النظامية العربية…منذ الانكفاء أمام المقاومة اللبنانية عام الألفين، وفشل حربهم على لبنان بعدها بستة أعوام، وحروبهم الثلاث الفاشلة الاستهداف على غزة، أدركوا انتهاء الزمن الذي يحلمون فيه بتسجيل الانتصارات. إنه وجع جنرالاتهم وسياسييهم ومستعمريهم بلا استثناء.
بالنسبة للبعد الثالث، أو الديني المثقل بالأسطرة والتلفيقية التاريخانية، ولسنا هنا بصدد الدخول في نقاشات دينية ليست موضوعنا، لكنما التأشير إلى أهمية هذا العامل كلاصق لموزاييك تجمُّع استيطاني استعماري جيء بأشتاته من أربع جهات الأرض، لا سيما وأن كيان هذا التجمُّع يشهد في هذه المرحلة صعودا هائلا للتيار الديني بلبوسه الصهيوني الأشد غلوا، والذي يحكمه اليوم، يقابله انحسار حتى الهامشية لما يدعونها الصهيونية العلمانية. والمفارقة أنهم هم من بدأوا، وقبل سنين من كارثة 11 أيلول/سبتمبر النيويوركية، باصطناع فزَّاعة الإسلاموفوبيا، واجتهدوا مبكّرا لإطلاقها في أوروبا عبر التحذير من أسلمتها، رغم أنهم الكيان الوحيد في العالم الذي يرتكز إلى “الوعد الإلهي” المزعوم في تسويغ وجوده الاستعماري وجلب المزيد من مستعمريه ليسرقوا أرض الآخرين.
هذا التيار لم تعد من قوة في كيانهم بقادرة على أن تنازعه القرار في مجتمع مشبع من الأساس بالكراهية والعنصرية والعدوانية تجاه الآخر الفلسطيني الذي يرى فيه نقيضا وجوديا له، وهنا تجدر الإشارة إلى تصريحات وفتاوى الحاخام الأكبر الراحل عوفاديا يوسف الشهيرة، والذي كان يعد الأب الروحي لحزب شاس الديني المتطرّف، والذي كان يصف العرب بأولاد الأفاعي، وفتاوى ابنه من بعده وحاخامات المستعمرات، التي تجيز قتل الأطفال الفلسطينيين وهم أجنة في بطون أمهاتهم، وهؤلاء في عرف وزيرة عدلهم ايليت شاكيد إرهابيون حيث هم وقبل أن يولدوا!
البعدان، الدور والوظيفة في سياق الاستراتيجية العدوانية الغربية، والأمن، يتكاملان مع الفتاوى التحريضية المستندة إلى مقولات توراتية دوّنت بعد النبي موسى بسبعمئة عام، أي ما أشرنا إليه في مقالنا السابق بالمزاوجة بين الأساطير التوراتية والأطماع الاستعمارية…ومنه، وعد يهودا لإسرائيل بأن يقوده لأرض ليست أرضه، بل: “إلى مدن عظيمة لم تبنها، وبيوت مملوءة كل خير لم تملأها، وآبار محفورة لم تحفرها، وكروم زيتون لم تغرسها” (سفر التثنية)!!!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 206 / 2165569

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع عبداللطيف مهنا   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

35 من الزوار الآن

2165569 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 36


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010