الجمعة 20 نيسان (أبريل) 2018

ترامب وصواريخه “الجميلة”…رعونة المأزوم لتراجع السطوة!

الجمعة 20 نيسان (أبريل) 2018 par عبداللطيف مهنا

زوبعة غاز سكريبال تيريزا ماي كانت توطئةً لهمروجة غاز دوما الترامبوية، والدور الذي يسعى إليه ماكرون شبيه بالدور الذي قام به ساركوزي لتدمير ليبيا…العدوانية الاستعمارية التي فقدت أنيابها في بريطانيا وفرنسا تجد فرصتها للتعبير عن حنينها لتاريخها الاستعماري العدواني بالاندراج تحت بيارق العدوانية الأميركية المهجوسة بالتراجع ويحرضانها. ومن ثم ستلحق استراليا وكندا الأنغلوسكسونيتان ويتبع باقي الأوروبيين.
الغرب مأزوم. يريعه الإحساس المطرد بأن حقبة هيمنته على العالم، قرارا ومقدرات، في طريقها لأن تغدو من خلفه. العالم يتغير، وعندما نقول الغرب، نختصره بالولايات المتحدة الأميركية. آحادية القطبية تآكلت وأصبحت من الماضي. مثلا، أرعبه فأيقظ عدوانيته المتأصلة ووحَّده خلف ترامب سرد بوتين الاستعراضي المقصود والمتحدي للجديد المتطوّر والمتفوّق العاكس لتصاعد ترسانات القوة العسكرية الروسية في خطابه أمام الدوما قبيل الانتخابات الرئاسية، والتي عكس فيها فوزه الكاسح تعاظم شعبيته المطردة. ذلك يقابله بالتالي ما يعني فشلا ذريعا لا من مجادل حوله للدرع الصاروخية التي سبق وأن نشرها الأطلسيون على تخوم روسيا.
 هذه واحدة، الثانية، مشاهدته لتعاظم قوة التنين الصيني المتنامية، وتسارعها بموازاة صعوده الاقتصادي الضوئي ليغدو قاب قوسين أو أدنى من احتكار موقع القوة الاقتصادية الكونية الأولى، إذ تشكّل هذه بحق عقدةً للغرب الاستعماري، الذي نشأ وأثرى واعتاد على نهب وسرقة ثروات العالم واحتكار الرفاهية لنفسه تاركا العوز والتبعية لمن عداه. وإذ هذه الحالة الصينية شبه ماثلة، أو يتلمس دنوها واقعا، لكنما يصعب عليه هضمها أو تصوُّرها.
الثالثة، والتي لا تقل أهمية عن الاثنتين، كون هذا الغرب، وأميركاه تحديدا، يشهد بالصوت والصورة، وفي دوما بالذات، سقوط مشروعه في المنطقة، متمثلا فيما عناه الانتصار العربي السوري بعد حرب كونية تدميرية استمرت لسبعة أعوام واجهتها الإرادة المقاومة للشعب والدولة العربية السورية…يعظِّم من فداحة ما يعنيه مثل هذا السقوط حجم التحريض الصهيوني الذي تتمركز غرف عملياته في معاقل العقل الأميركي والمتحكمة في توجيه نزواته عبر صهاينة الإدارة ومحافظيها الجدد وأوكارهم التليدة في الكونجرس. التحريض الساعي أبدا لتمزيق الأمة العربية وشطب القضية الفلسطينية، ويزيد من تأثيره الآن راهن الأمة المبتلى جسدها المثخن ببثور متصهينين عرب.
كل هذه المعاني تبدَّت جلية في حلبة التراشق بـ”الفيتو” في ساحة مجلس الأمن بين ثلاثي العضوية الدائمة الأميركي والبريطاني والفرنسي وروسيا الاتحادية بشأن التحقيق في مسرحية غاز دوما الأميركية. الغرب، الذي هو الآن الولايات المتحدة وتوابعها، يريد ذريعةً للعدوان على سوريا، ولا يريد تحقيقا يكشف زيف ذريعته المزعومة، وعليه، كانت هذه المعمعة غير المسبوقة في مجلس الأمن، ومن ثم يتعالى الآن ضجيج الآلة الإعلامية، وحديث الحشود، وكافة عدة شغل الحرب النفسية، وكل تلك المقدِّمات التي خبرناها عندما مهَّدوا لغزو أفغانستان ومن بعده العراق وقبيل البدء في تنفيذ قرارهم بتدمير ليبيا.
لقد وجد ترامب في الذريعة المزعومة ضالته وفرصته ليدرأ عن نفسه تهمة التواطؤ الانتخابي مع الروس، والتي تطارده بها ما تعرف بـ”دولة الأمن القومي”، وحيث وصلت يد محققها مولر إلى مكتب محاميه وكاتم أسراره كوهن. لم يكتفِ بتغريداته التويترية المنثالة، ولا التهديد بصواريخه “الذكية والجديدة والجميلة”، بل أوعز بإطلاق العنان لحملة هجائية غربية ذات مستويات سوقية غير مسبوقة ولا تليق بدول عظمى. مثلا، تصف مندوبته في الأمم المتحدة روسيا بـ”الوحش”، بل وتحمِّلها هي وإيران مسؤولية الغاز المزعوم.
وعثر الفرنسيون، المتهالكون كعادتهم في البحث عن دور ولو ذيليا، على سانحة تتيح لهم لعب دور الكومبارس المتطوع. أما البريطانيون فهم ملتزمون في زمن ما بعد الامبراطورية بأن تظل مهمة خبثهم التليد التمهيد لأي فعل عدواني أميركي والالتحاق بركبه. وإذ الأمر برمته مبيت، فالمشهد يذكّرنا الآن بدورهم في العراق حين مهَّدت أدلة توني بلير حول أسلحة الدمار المزعومة الدرب لغزو بوش لهذا البلد العربي ومشاركتهم في تدميره. زوبعة غاز سكريبال تيريزا ماي كانت توطئةً لهمروجة غاز دوما الترامبوية، والدور الذي يسعى إليه ماكرون شبيه بالدور الذي قام به ساركوزي لتدمير ليبيا…العدوانية الاستعمارية التي فقدت أنيابها في بريطانيا وفرنسا تجد فرصتها للتعبير عن حنينها لتاريخها الاستعماري العدواني بالاندراج تحت بيارق العدوانية الأميركية المهجوسة بالتراجع ويحرضانها. ومن ثم ستلحق استراليا وكندا الأنغلوسكسونيتان ويتبع باقي الأوروبيين.
والآن، وقد بدا ترامب أسيرا لجعجعته، وجنرالاته وحلفاؤه يحشدون أساطيلهم، واستنفر الروس قواتهم في أماكن تواجدها في المتوسط وقواعدها في سوريا وأسطول البحر الأسود ومكامن قوتهم في القفقاس، ماذا بعد؟
لا يتخيل عاقل أن الغرب أو روسيا يريدان حربا كونية، كما وليس الأميركان في وارد خوض حرب شبيهة بحربيهم الخاسرتين في أفغانستان والعراق. وإذ من المنطق أنهم سيحرصون على تحييد روسيا، وربما إيران، فهم إن لم يتراجعوا، وهذا ما تشير إليه بعض برودة اعترت لاحقا حماسة الفرنسيين، ثم آخر تصريح ترامبوي مراوغ يقول، “لم أُحدد من قبل متى ستكون الضربة ضد سوريا، قد يكون ذلك قريبا، أو ليست قريبة على الإطلاق”…إن لم يتراجعوا، فكل ما سيتمخض عنه ضجيج قعقعة آلتهم الحربية الهائجة لن يزيد على حفنة، أو حفنات، من التوما هوك على أهداف سورية منتقاة. قد تحدث أضرارا ودمارا وضحايا، لكنها لن تضير الانتصار العربي السوري، وليس من شأنها أن تغيّر أو تبدِّل من أوان خروجهم من المنطقة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 88 / 2165610

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع عبداللطيف مهنا   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2165610 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010