الجمعة 3 أيلول (سبتمبر) 2010

وحبل الكذب السياسي قصير أيضاً

الجمعة 3 أيلول (سبتمبر) 2010 par د. عبد العزيز المقالح

الكذب من الصفات الذميمة في البشر، وهو مدان في الأديان، وفي التقاليد والأعراف، ولا يعد عيباً أخلاقياً فقط بل آفة أخلاقية. ومن أصدق التعابير السائدة وأعمقها قولهم إن «حبل الكذب قصير»، إذ لا يلبث أمر الكاذب أن ينكشف سريعاً. وإذا كانت السياسة في كثير من العصور، وفي العصر الحديث على وجه الخصوص، قد تحولت من فن الممكن إلى الكذب الممكن، فإن حبلها في الكذب قصير أيضاً شأن الكذب في كل أشكاله وأحواله، ولن تستطيع سياسة مهما حاولت انتهاجه من أساليب الخداع والتمويه أن تمد الحبل إلى أقصى ما في وسع الأكذوبة أن تمتد إليه قبل أن تنكشف وتسفر عن وجهها القبيح وعن كونها فعلاً شائناً بكل المقاييس الأخلاقية والإنسانية.

ومن الأكاذيب الصارخة التي تقطعت حبالها أكثر من مرة وعلى مرأى ومسمع من عالم اليوم أكذوبة السلام المزعوم بين الأشقاء الفلسطينيين والعدو الصهيوني، بالإضافة إلى أكاذيب المحادثات والمفاوضات التي يتم الإعلان عنها ثم تبدأ ولا تنتهي، أو بعبارة أخرى تنتهي قبل أن تبدأ. وتتناقل الأنباء في هذه الأيام الحديث عن صيغة جديدة للسلام يتبناها البيت الأبيض وتقضي هذه الصيغة بالتوقيع - بعد مفاوضات تستمر عاماً - على اتفاق مجهول الهدف يتم تنفيذ محتوياته خلال عشرة أعوام. وتضيف تلك الأنباء أن الصيغة المقترحة لهذا الاتفاق المطاط أعدها وبلورها رئيس وزراء الكيان الصهيوني نتنياهو، وأنه «سيتولى أمر المفاوضات بنفسه»، علماً بأنه على رأس أعداء السلام، ومن أكثرهم تمسكاً بالتوسع والاستيطان وإنكار كل حق للفلسطينيين في القدس، وفي الأراضي المغتصبة من الضفة، وإصراره على الاعتراف بيهودية دولة «إسرائيل» كشوط مسبق للمفاوضات.

وليس المهم أن نعرف أسلوب الصيغة المقترحة، ولا الأهداف التي سوف يتضمنها اتفاق السلام الذي سيحتاج تنفيذه إلى عشرة أعوام، بقدر ما يهم أن نعرف أسباب هذا التطويل والدوافع التي تجعل من زمن المفاوضات عاماً كاملاً، ومن زمن تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه عشرة أعوام، وهل الهدف من ذلك ما وقر في الأذهان من محاولة لتطويل حبل الأكذوبة التي تأخذ اسم السلام، وما يمثله من تسويف ومماطلة ومواصلة الخداع في قضية هي الأوضح والأدعى إلى استعجال الحل؟ وليسمح لي القراء الذين تابعوا في هذه الزاوية نماذج من حماستي وتفاؤلي بمشروع الرئيس باراك أوباما أن أسحب ما تبقى عالقاً في الأذهان من تلك الحماسة وذلك التفاؤل، فقد أثبتت الفترة الماضية والمشاريع الموهوبة أنه أعجز من أن يقدم شيئاً للإسلام والسلام.

وأعتقد أن الأشقاء الفلسطينيين بكل فصائلهم، ومعهم كل الشرفاء في الوطن العربي والعالم الإسلامي والرأي العام العالمي، قد صاروا في حل يعطيهم الحق في التنصل من أي مشروع أو خطة تقوم على الأكاذيب والخداع ابتداء من اتفاقيات كامب ديفيد إلى مؤتمر مدريد 1991، ثم إلى اتفاق أسلو 1993 إلى اتفاق القاهرة 1994 (اتفاق غزة أريحا)، إلى أوسلو (2) 1995، إلى واي ريفر، إلى كامب ديفيد يوليو/تموز 2000 إلى طابا ديسمبر/كانون الأول 2000، إلى خارطة الطريق، إلى أنابوليس 2007، وصولاً إلى مفاوضات واشنطن 2010، وما رافق كل ذلك من أقوال خادعة ومضللة وهادفة إلى كسب الوقت وإلى مزيد من الاستيلاء على أرض فلسطين وإنكار كل حق لبنيها في أن يعيشوا على أرضهم وأن يبدأوا في تكوين دولتهم ووضع حد للشتات والاعتقالات وتدمير المزروعات وإقامة الحواجز التي تتقدم وتضع ما تبقى من فلسطين في حالة من الحصار الجائز والاختناق المميت.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 12 / 2177331

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

26 من الزوار الآن

2177331 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 25


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40