السبت 10 آذار (مارس) 2018

الأونروا والاتحاد الأوروبي واجتماع روما

السبت 10 آذار (مارس) 2018 par علي بدوان

يعتبر الاتحاد الأوروبي شريكا ومموّلا أساسيا لوكالة الأونروا، وقد حافظ الاتحاد الأوروبي على تلك الشراكة الاستراتيجية، التي يحكُمَها هدفٌ مُشترك بدعم التنمية البشرية، ومساندة الاحتياجات الإنسانية، واحتياجات الحماية للاجئي فلسطين في مناطق عمليات الوكالة الخمس (سوريا + لبنان + الأردن + الضفة الغربية والقدس + قطاع غزة)، طبقا للقرار الأممي بقيام الوكالة وإنشائها من قبل الأمم المتحدة بموجب القرار الرقم 302 الصادر عن الجمعية العامة في الثامن من كانون الأول/ديسمبر العام 1949.
وطوال العقود الماضية، كان الاتحاد الأوروبي، إضافة لليابان وكندا، واحدا من أكثر المانحين الذين يمكن الاعتماد عليهم في دعم ميزانية الأونروا ماليا وعينيا. وفي حزيران/يونيو 2017، تم التأكيد على التزام الاتحاد الأوروبي بتوقيع اتفاقية الإعلان المُشترك بين الاتحاد الأوروبي والأونروا لدعم ميزانية الوكالة للأعوام التالية (2017-2020).
واليوم، فإن الاتحاد الأوروبي يعد أكبر مانح متعدد للمساعدات الدولية للاجئي فلسطين. ويعمل على دعم برامج وكالة الأونروا الضرورية في مجالات التعليم والصحة والإغاثة والخدمات الاجتماعية، والتي توفّر تعليما جيدا بشكل عام لمجتمع لاجئي فلسطين في مناطق عمليات الوكالة، ورعاية صحية أولية لأكثر من خمس ونصف مليون لاجئ فلسطيني في الأردن وسوريا ولبنان وغزة والضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية.
وفي هذا المسار، يواصل الاتحاد الأوروبي ووكالة (الأونروا) عقد حوارا استراتيجيا حول سبل المضي قدما في شراكتهما. ويجري هذا الحوار في ضوء الأزمة المالية الحالية التي تواجه الأونروا، والحاجة إلى توسيع قاعدة المتبرعين، ومواصلة الإصلاحات في الوكالة، خصوصا في مواجهة القرار الأميركي بتقليص مساهمة الولايات المتحدة في ميزانية الوكالة، حيث قامت بعض دول الاتحاد بتسريع صرف تبرعاتها لموازنة الأونروا البرامجية للعام 2018، انطلاقا من التزام دول الاتحاد بالشراكة مع الأونروا، وانطلاقا من التقدير الأوروبي الذي يقول بأنَّ وكالة الأونروا تعد عامل استقرار حاسم في الشرق الأوسط.
الحوار الاستراتيجي بين الأونروا ومجموعة دول الاتحاد الأوروبي يناقش الوضع الصعب لموازنة الأونروا المالية، والذي تفاقم جراء الإعلان الأخير لحكومة الولايات المتحدة الأميركية بوقف جزء كبير من تمويلها للوكالة. كما يناقش أيضا أجندة إصلاحات الوكالة، والحاجة إلى ضمان استمرار خدماتها الرئيسية، وخصوصا تلك المقدمة للاجئين الأشد تهميشا، وكذلك البحث في فرص كسب التأييد المشترك من أجل تسليط الضوء على محنة لاجئي فلسطين على المستوى العالمي.
الآن، وفي ظل المحاولات الأميركية “الإسرائيلية” الجارية، ومنذ وقت ليس بالقصير، ومن خلف الكواليس، وفي أروقة الدبلوماسية السرية، والهادفة لإنهاء وتفكيك وكالة الأونروا، فإن الاتحاد الأوروبي يُسهم بموقف إيجابي مناقض للسلوك الأميركي من خلال العمل على تعبئة المجتمع الدولي من أجل توفير استجابة عالمية عالية، ومنسقة، لدعم الوكالة وميزانيتها في الوقت الراهن، حيث تتعرض الوكالة لأشد أزمة مالية تواجهها منذ قيامها أواخر العام 1949، فتعمل مجموعة الاتحاد الأوروبي الآن على المساعدة في بناء تحالفات تمويلية جديدة تحتاجها الوكالة من أجل العمل على ضمان تحسين التنوع في مصادر الدخل المالي والعيني.
وفي حقيقة الوضع الراهن للوكالة، ومن حيث الموقف منها، يظهر على السطح معسكران متواجهان سياسيا ودبلوماسيا في الأمم المتحدة، المعسكر الأول الاتحاد الأوروبي ومعه غالبية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة وفي الجمعية العامة، وفي مقدمتها الدول العربية والإسلامية ودول عدم الانحياز، والذي يَنظُر إلى وكالة الأونروا باعتبارها ضرورة إنسانية وعنصر استقرار في منطقة الشرق الأوسط إلى حين حل قضية لاجئي فلسطين وفق القرار الأممي الرقم 194 الصادر بتاريخ 11/12/1948 والقاضي بعودتهم إلى أرض وطنهم التاريخي فلسطين.
والمعسكر الثاني تقوده الولايات المتحدة الأميركية ودولة الاحتلال “الإسرائيلي”، وهو المعسكر الذي يريد تصفية وكالة الأونروا باعتبارها الشاهد التاريخي، الحي، والأممي، على نكبة الشعب الفلسطيني، وعلى عملية الاقتلاع الوطني والقومي التي تعرّض لها عام 1948. كما يَنظُر المعسكر إياه إلى وكالة الأونروا باعتبارها العقبة الكأداء أمام مشروع التسوية الأميركية “الإسرائيلية”، وخاصة بالنسبة لحق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة، وهو ما ترفضه دولة الاحتلال رفضا قاطعا، وتساندها في موقفه هذا الولايات المتحدة.
إنَّ مجموعة الاتحاد الأوروبي بغالبية دولها، ترفض المساس بوكالة الأونروا قبل حل قضية اللاجئين الفلسطينيين، وهو ما أشار إليه مؤخرا المفوض الأوروبي لسياسة الجوار ومفاوضات التوسع يوهانيس هان، الذي قال “نحن نُشدد على حاجة الأونروا بأن تستمر في تقديم خدماتها. هذه ليست ضرورة إنسانية فقط، لكنه أيضا أمر حاسم للاستقرار في الشرق الأوسط”. أقوال يوهانيس هان جاءت عقب لقاء العمل الذي جمعه مع المفوض العام لوكالة الأونروا بيير كرنبول يوم السابع والعشرين من شباط/فبراير 2018، حيث تم التأكيد أيضا “على الالتزام القوي في خدمة اللاجئين الفلسطينيين”، وبأن الطرفين “يعقدان (الأونروا والاتحاد الأوروبي) حوارا استراتيجيا حول سبل المضي قدما في شراكتهما”. وعليه، وفي خطوة عملية بادر الاتحاد الأوروبي إلى تسريع صرف تبرعات الاتحاد لموازنة الأونروا البرامجية للعام 2018، وأعلن عن التزامه بالمحافظة على المستوى الحالي من الدعم حتى عام 2020.
في هذا السياق، من المتوقع أن يلتئم مؤتمر المانحين في العاصمة الإيطالية روما، لسد العجز الذي نتج من القرار الأميركي خفض مساهمة واشنطن في ميزانية وكالة الأونروا، وذلك في الخامس عشر من آذار/مارس الجاري 2018. فالمؤتمر سينعقد برعاية السويد والأردن ومصر، وسيحضره الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو جوتيريش ووزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موجيريني.
أهمية الرعاية الثلاثية للمؤتمر تكمن في أن مملكة السويد أحد أعضاء اللجنة الاستشارية للأونروا التي انضمت إليها في العام 2005 وهي من الدول المانحة للوكالة، وأن الأردن يمثّل الإقليم الكبر لعمليات وكالة الأونروا، إذ يستضيف العدد الأكبر من اللاجئين الفلسطينيين المُسجلين في سجلات الوكالة. وأن مصر هي من يترأس حاليا اللجنة الاستشارية للوكالة التي تضم 27 دولة، بالإضافة إلى ثلاثة أعضاء مراقبين (الاتحاد الأوروبي ودولة فلسطين وجامعة الدول العربية). كما تكمن أهمية لقاء روما المتوقع مع حضور الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو جوتيريش، الذي يحمل على عاتقه الآن البحث عن تنمية مصادر تمويل الوكالة، وتوسيع قاعدة المتبرعين، وجعل تمويلها مستداما وقابلا للتنبؤ وكافيا. وقد سبق وقال عن دور الوكالة بأنه “تاريخي، ولا غنى عنه في الشرق الأوسط”.
وفي الختام، نُشير إلى أن معركة الدفاع عن وجود وكالة الأونروا واستمرارها في تأدية مهامها ووظائفها في مجتمع اللاجئين الفلسطينيين في مناطق عملياتها الخمس، مسألة وطنية وقومية عربية بامتياز، لا تقبل المساواة، فإنهاء عمل الوكالة لا يتم إلا بعد تحقيق القرار 194 القاضي بحق لاجئي فلسطين بالعودة إلى أرض وطنهم طبقا لقرار تأسيس الوكالة. ومن هنا تبع أهمية الدور العربي، ودور جامعة الدول العربية المرتجى في ساحة الفعل السياسي والدبلوماسي على المستوى الأممي ومستوى الأمم المتحدة، للدفاع عن وجود واستمرار عمل الوكالة، وفي توسيع قاعدة المتبرعين، وحث المجتمع الدولي على رفد ميزانية الوكالة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 62 / 2165595

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع علي بدوان   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2165595 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 20


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010