الجمعة 23 شباط (فبراير) 2018

في ذكرى الوحدة الموءودة

الجمعة 23 شباط (فبراير) 2018 par علي بدوان

في ذكرى الوحدة الموءودة، وحدة سوريا ومصر (22 شباط/فبراير 1958 ــ 28 أيلول/سبتمبر1961)، نسترجع الماضي القريب ليس كـ”نستولجيا” وحنين، ووقوف على الأطلال، بل لتقديم قراءة أمينة لكل التجربة الوحدوية الأولى في العالم العربي في التاريخ المعاصر، واستخلاص دروسها والبناء عليها، في لحظات حاسمة من الزمن العربي الحاضر، ومن تاريخ القضية الفلسطينية.
فقد كانت وحدة مصر وسوريا، في تلك السنوات التي أعقبت نكبة فلسطين، ومضة مضيئة، وساطعة، أنعشت الآمال، وشحذت الهمم، وأعادت الاعتبار لوحدة الإرادة العربية، عبر تجسيدها بالوحدة، وقرار المواجهة والتحدي.
وفي تلك السنوات التي سبقت ورافقت الوحدة المصرية السورية، والسنوات التي تلت الانفصال المشؤوم، والانتكاسة الكبرى التي أحدثها، استمر الخطاب القومي العربي، سائدا، ورائدا، وطريقا لتحشيد كل القدرات من أجل نصرة القضية الفلسطينية.
فقد عاشت الاتجاهات العروبية والقومية في الحركة الوطنية الفلسطينية الحديثة والمعاصرة وداخل أحزاب وفصائل اليسار الفلسطيني، في أحضان المأساة الفلسطينية في الداخل الفلسطيني، وفي باقي مواقع اللجوء والشتات، واندغمت في رؤيتها السياسية والفكرية مع الصعود الهائل للتيار العروبي القومي في المنطقة، حتى بات من المُسلم به ولسنوات طويلة بعد النكبة بأن الخلاص الفلسطيني، يمر عبر البوابة القومية وحدها، وبها فقط، دون التفات للدور الفلسطيني الخاص.
وانطلاقا من المعطى إياه، لَعِبَ الفلسطينيون، ومنهم اللاجئون في الشتات وفي المناطق الفلسطينية التي بقيت تحت السيادتين الأردنية والمصرية دورا حيويا هاما، على صعيد نشاط مختلف الأحزاب العربية بتلاوينها الأيديولوجية/السياسية، الوطنية/والقومية، وفي سياق طغيان المد التحرري القومي، الأمر الذي دفع نحو توليد إرهاصات ودفقات متتالية فتحت طريق العمل العسكري والفدائي المقاوم انطلاقا من الحزام المحيط بفلسطين، في لحظات ازدهر فيها الفكر المقاوم، فكر التحرر من الاستعمار الكولونيالي الصهيوني. خصوصا مع وقوع عدة تحوّلات نوعية، كان أهمها انتصار الثورة الجزائرية وما مثلته من تجربة، ومن أمل في انتصار الثورات على المستعمرين، حيث تركت تأثيرا كبيرا وزخما قويا في اندفاع الفلسطينيين للعمل الوطني.
كان التيار الغالب في مجمل الساحة الفلسطينية خلال الخمسينيات وبدايات الستينيات وما تلاها، هو التيار القومي العربي المنادي بالوحدة العربية الشاملة والمراهن على العمل العربي المشترك للرد على العسف “الإسرائيلي”، واستعادة الحقوق والأرض الفلسطينية تحت شعار (الوحدة العربية طريق فلسطين). ومن هنا، شكّلت أوساط الفلسطينيين في الشتات وفي الضفة الغربية وقطاع غزة، حالة استقطابية فاعلة في ظل المد القومي الذي اجتاح المنطقة سنوات الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، واندلاع ثورة الجزائر الكبرى عام 1954.
وفي حين طغت الرؤية القومية على مسار الصراع مع الغزو الصهيوني لفلسطين طوال سنوات الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، فإن الإهمال الواضح للدور الفلسطيني الخاص كان ساطعا وواضحا، فقد ضاع الدور الفلسطيني في لجة البعد القومي العام، وتحديدا حين تسلح النظام الرسمي العربي آنذاك بشعاراته القومية المتعلقة بفلسطين، معتبرا أنها قضية العرب وليست قضية الفلسطينيين وحدهم، مانعا بذلك من بلورة وصعود الهوية والكيانية الوطنية للفلسطينيين، بعد انفراط وحدة الشعب الفلسطيني ووقوعه في حالة التمزق الكياني، وولادة مسألة الشتات واللاجئين.
لكن، وبعد أن ثبت فشل رهان الانتظار على المشروع القومي وحده دون دورٍ فلسطيني خاص، وسقطت معه مرحلة السبات، خصوصا بعد انهيار وحدة مصر وسوريا، وسقوط الجمهورية العربية المتحدة، وانخراط قادة ثورة 14 تموز/يوليو في العراق في الصدام مع مصر الناصرية، وهو ما أدى إلى تسريع حركة المراجعة المتراكمة في صفوف الاتجاهات الحزبية والتنظيمية الفلسطينية، والتي انخرطت بالكامل في إطار الأحزاب القومية العربية، وهذه المراجعة هي التي ولدّت بالتراكم صيرورة وطنية فلسطينية قائمة بذاتها، وبمعادلة جديدة تجمع بين القومي والوطني، بدلا عن مصادرة القومي للوطني أو انعزال الوطني عن القومي. وفي حينها طرحت الحركة الوطنية الفلسطينية بمعظم تشكيلاتها الحزبية شعار “فلسطين طريق الوحدة العربية” بدلا من شعار “الوحدة العربية طريق فلسطين”.
وعليه، إن مجموع الوقائع والتطورات التي حفرت أخاديدها في الوسط الفلسطيني، وإرهاصات الكيانية الوطنية، وتلمس ضرورات الحفاظ على الهوية الوطنية والقومية للشعب الفلسطيني أمام عمليات الاقتلاع وتذويب الهوية الوطنية، دفعت الرئيس الراحل جمال عبدالناصر لتلقف تلك التحولات والبناء عليها، من خلال تبني قرار عربي رسمي بتشكيل منظمة التحرير الفلسطينية بقرار من مؤتمر قمة الإسكندرية العربية عام 1964، في الوقت الذي تواصل فيه نمو وتعاظم الإرادة الفلسطينية لفتح الدروب أمام العمل الفدائي المسلح، وتوافق الفلسطينيين مع الرئيس عبدالناصر على مبدأ “فوق الصفر تحت التوريط”.
إن التحوّل المشار إليه أعلاه بتأسيس منظمة التحرير الفلسطينية، وبدايات العمل الفدائي المسلح، دفع نحو توليد سلسلة من الأعمال العسكرية الفلسطينية ضد الاحتلال، توّجت بانطلاق فصائل العمل الفلسطيني المسلح قبل وبعد حزيران/ يونيو1967 في الشتات وامتداداتها داخل الضفة الغربية والقدس ثم داخل المناطق المحتلة عام 1948. فكان المخاض العسير لولادة الكيانية التمثيلية للشعب الفلسطيني بعد سلسلة من التحولات التي أفضت للانتقال من واقع الذوبان الفلسطيني في الإطار القومي العام إلى الجمع بين (الوطني/ والقومي) بين (الخصوصية الفلسطينية/ والقومية).
إنَّ دروس الوحدة العربية، وحدة مصر وسوريا، ما زالت حية وزاخمة بالرغم من انقضاء السنوات الطويلة من عُمرِ الانفصال المشؤوم، فالوحدة العربية، وحدة الأدوات، والقدرات، وتفعيل جامعة الدول العربية، مسائل لا غنى عنها من أجل حلِّ المُعضلات الكبرى التي يَرزح العالم العربي تحت وطأتها الآن. فيما تبقى قضية فلسطين والصراع مع الاحتلال في صدارة جدول الأعمال. ففي وقتنا الراهن، ما أحوج الفلسطينيين، إلى المعادلة العربية الداعمة التي تجمع بين الوطني الفلسطيني/والقومي العروبي، بين الخاص/والعام. حيث تخوض فلسطين وشعبها مواجهة سياسية كبرى، في سياق الأفكار التي يتم طرحها الآن من نمط “صفقة القرن” وغيرها، والتي قال وصفها الرئيس الفلسطيني محمود عباس بــ”صفعة القرن”.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 60 / 2165440

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع علي بدوان   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

2165440 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 9


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010