الجمعة 22 كانون الأول (ديسمبر) 2017

حول حل الدولة الواحدة

الجمعة 22 كانون الأول (ديسمبر) 2017 par علي بدوان

أمام الترنح والاهتزاز الذي صاحب مشروع “حلِ الدولتين” على أرض فلسطين التاريخية في مسار التسوية السياسية المأزومة راهنا والغارقة في الأوحال، تستعيد الساحة الفلسطينية، بل والعربية نقاشات طويلة طالما احتدمت في مراحل سابقة من عمر المقاومة الفلسطينية المعاصرة. وهي نقاشات مُتعددة، برز فيها ما يتعلق بتحديد الأهداف الآنية التكتيكية للنضال الوطني الفلسطيني والأهداف الاستراتيجية، خصوصا بعد العام 1968 عندما طرحت حركة فتح رؤيتها ومشروعها لبناء دولة ديمقراطية علمانية على كامل التراب الوطني الفلسطيني، وتزاحمت النقاشات إياها بعد حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973 عندما وقع التحوّل المفصلي الأول، فبدأ الحديث يتواتر عن إمكانية تحقيق تسوية في المنطقة انطلاقا من القرار 242، وبناء دولة فلسطينية فوق الأرض المحتلة عام 1967. ولكن التحوّل المفصلي الثاني الجديد في الرؤية والنقاشات بدأ بُعيد الانتفاضة الفلسطينية الكبرى الأولى، التي اندلعت شراراتها من مخيم جباليا في قطاع غزة أواخر العام 1987، فتصاعد الجدل الداخلي الفلسطيني الذي تغذى وزاد منسوبه بانطلاق الحركة الإسلامية في فلسطين واندماجها في العمل المباشر ضد الاحتلال تحت راية حركتي حماس والجهاد الإسلامي، اللتين تحمل كل منهما برنامجا متطابقا في رؤيته العامة والاستراتيجية، ويدعو لبناء الكيان الفلسطيني على كامل أرض فلسطين التاريخية كامتداد للأمة الإسلامية، انطلاقا من أن فلسطين (أرض وقف إسلامي لا يحق لأحد، كائنا من كان، بالتنازل عن شبر منها).
لقد بدأت حركة فتح عبر أدبياتها ومنذ انطلاقتها فجر الفاتح من كانون الثاني/يناير 1965 بالحديث عن تحرير كامل التراب الوطني الفلسطيني. وقدمت بدايات العام 1968 دعوتها لإقامة دولة فلسطينية ديمقراطية موحدة يعيش الجميع بعدل ومساواة تامة فوق ترابها، وقد طَرَحَهُ ونَظَّرَ له في حينها الشهيد صلاح مصباح خلف (أبو إياد) عضو اللجنة المركزية لحركة فتح والرجل الثاني في حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية إلى حين استشهاده.
أما مشروع الدولة الديمقراطية العلمانية الموحّدة على كامل تراب فلسطين التاريخية، فكان قد طُرِحَ من قبل بعض القوى اليسارية الفلسطينية عام 1969، وهو في حقيقته يُشكّل في جذره الأساسي برنامج الجناح التجديدي في الحزب الشيوعي الإسرائيلي (راكاح) الذي بات منذ النصف الثاني من ستينيات القرن الماضي بأغلبية عربية داخل حدود فلسطين المحتلة عام 1948، بعد أن خرج منه الجناح الصهيوني بقيادة شموئيل ميكونيس تحت اسم (سياح) عام 1966.
ومن المنطقي القول بأن برنامج الدولة الديمقراطية العلمانية الموحدة يتلاءم وينسجم مع فلسفة حزب راكاح الاجتماعية وجذوره الطبقية، باعتباره يضم عربا ويهودا داخل حدود العام 1948. وأضحى في حينه الكاتب الفلسطيني والأديب إميل حبيبي عضو المكتب السياسي لحزب راكاح دائم الحضور في أدبيات بعض فصائل اليسار الفلسطيني في عقد أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات من القرن المنصرم، كذلك كتابات أميل توما وتوفيق طوبي. لكن التطورات التي أعقبت حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973 دفعت حزب راكاح وبعض فصائل المقاومة الفلسطينية لبناء رؤية جديدة وإعادة إنتاجها عبر تبني مفهوم المرحلية في النضال الفلسطيني، وتحديد الأهداف الكفاحية للنضال الوطني الفلسطيني بإقامة دولة مستقلة فوق الأرض المحتلة عام 1967، والذي ما لبث أن أصبح برنامجا رسميا تبنته منظمة التحرير الفلسطينية بالدورة الثانية عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني التي عقدت في القاهرة في أيار/مايو 1974 (برنامج النقاط العشر). ولكن الخلاف بين رؤية حزب راكاح وباقي فصائل منظمة التحرير الفلسطينية يتمثّل بأن حزب راكاح بات يتحدث عن حل الدولة الفلسطينية فوق الأرض المحتلة عام 1967 كهدف نهائي للنضال الوطني الفلسطيني مُسقطا قضية حق العودة للاجئين الذين يشكلون نحو (65%) من التعداد العام للشعب العربي الفلسطيني في الداخل والشتات، وهو أمر انعكس على الحزب وفعالياته وحضوره داخل الوسط العربي في فلسطين المحتلة عام 1948، حيث وقعت تطورات إضافية دفعت باتجاه صعود الصوت العربي وانطلاقة الأحزاب القومية العربية الصافية كحركة أبناء البلد (رجا إغبارية)، وحركة كفاح (أمين حاج يحيى)، والحزب العربي الديمقراطي (عبدالوهاب الدراوشة وطلب الصانع)، والحركة الوطنية للتغيير (الدكتور أحمد الطيبي)، وحزب التجمع الوطني الديمقراطي (عزمي بشارة وجمال زحالقة)، والحركة الإسلامية داخل مناطق 1948 بشقيها الجنوبي ومقرها بلدة الطيبة في منطقة المثلث (عبدالله نمر درويش والشيخ حماد أبو دعابس) والشمالي ومقرها مدينة أم الفحم (الشيخ رائد صلاح والشيخ كمال الخطيب).
أمّا الحديث عن حل الدولة الواحدة التي يحلو للبعض بتسميتها “الدولة الموحدة ثنائية القومية” فقد بدأ في السنوات الأخيرة، من قبل بعض المثقفين الفلسطينيين واليهود داخل المناطق المحتلة عام 1948، ومن قبل بعض المثقفين الفلسطينيين في الشتات، وفي سوريا والولايات المتحدة بشكل رئيسي. منطلقين من أن الوقائع على الأرض باتت تحفر أخاديدها، والتي تفترض من وجهة نظرهم، البحث عن حل عادل يتمثّل بدولة موحدة لشعبين (بالرغم من التحفظ على كلمة شعبين، حيث لا تنطبق على اليهود في فلسطين كلمة شعب وإلا فنحن نخالف منطق الأشياء).
وفي ذروة العدوان الصهيوني على قطاع غزة، وتحديدا يوم الثالث عشر من كانون الثاني/يناير2009 أعلن تجمّع للمثقفين يضم فلسطينيين مقره مدينة بوسطن عن نية عقده “مؤتمر دولي” لبحث مدى واقعية (حل الدولتين .. في فلسطين و”إسرائيل”) والمطالبة بدولة واحدة وفق قاعدة “مواطنة متساوية للفلسطينيين والإسرائيليين”، ودعي عدد من محاضرين جامعيين في الولايات المتحدة وغيرها للإسهام في النقاش بأوراق بحثية تتخذ الطابع الأكاديمي، منهم عرب ويهود و”إسرائيليون” والتأم عقد المؤتمر طيلة يومي (29 -30 آذار/مارس 2009). تجدر الإشارة إلى أن عددا لا بأس به من المساهمين بأوراق “أكاديمية” في مؤتمر بوسطن قد تمت دعوتهم للمشاركة في ندوة رعاها “معهد كارنيجي للسلام” بواشنطن بعد يومين من انفضاض مؤتمر بوسطن، لبحث آفاق “الدولة الواحدة”.
أمّا بالنسبة لمعارضي فكرة الدولة الواحدة فينطلقون من قناعتهم بأن طرح هكذا مشروع يجلب خسارة كبيرة للنضال الفلسطيني بعد أن أصبح مطلب الدولة المستقلة فوق أراضي العام 1967 موضع إجماع دولي، وأن المجتمع “الإسرائيلي الصهيوني” غير جاهز أصلا لهكذا حل. بينما تنطلق حركتا حماس والجهاد الإسلامي في رفضها المشروع من موقع رفضها المساس بإسلامية الأرض ومسيحيتها وعروبتها.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 39 / 2165420

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع علي بدوان   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165420 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010