الخميس 2 أيلول (سبتمبر) 2010

هل المقصود.... تيئيس الفلسطينيين؟

الخميس 2 أيلول (سبتمبر) 2010 par د. فايز رشيد

اليأس، وإذا ما أصيب به الفرد هو حالة قاتلة لطموحاته وأهدافه، فهو يعمل على تدميره تماماً، ويصبح الإنسان ساعتها في أضعف حالاته. لذا من السهل قبوله بالحلول المطروحة عليه أيّاً كانت نتائجها السلبية العكسية عليه.

اليأس مرشحٌ للإصابة به من قبل الجماعة، يصبح عندها حالة عامة، وهذه أخطر حالاته، ذلك أن المصابين به يصلون إلى درجة من البؤس، حيث تتساوى كل الحلول بالنسبة إليهم، ويصبح هدفهم هو الخلاص من هذه الحالة.

للحقيقة نعترف بأن شعبنا الفلسطيني مرّ بالمنعطفات والمؤامرات والتصفيات والأحداث التي جابهته من الأعداء، وبعض من يُفترض فيهم أنهم أصدقاء، على مدى يقارب المئة عام، كانت كافية لتيئيسه، وخاصة في المقارنة بين حالتين، التضحيات التي دفعها في كل مواقعه، وهي هائلة، وبالمعاناة التي عاشها، وهي أكثر من كبيرة، شعبنا يستحق الوصول إلى ظروف أفضل من تلك التي يعيشها حالياً. ظروف يرى فيها ملامح النصر.. هذا على الأقل.

الواقع الموشحّ بالاحباطات يشي عكس تلك التمنيات، فالظروف تنتقل من السيئ إلى الأسوأ، لذا يضمحل الأمل تدريجياً في طريقه ليتحول إلى حالة من اليأس، تتراكم هي الأخرى تدريجياً، لتصبح حالة عامة.

شعبنا الفلسطيني وبأصالة معدنه وبجوهره المعطاء، كان قادراً على مدى تاريخه، من إفشال كل المؤامرات والمخططات الخارجية الهادفة لتيئيسه، على طريق تصفية قضيته الوطنية ومشروعه التحرري، لذلك انصبّت المؤامرات على تفكيكه من داخله، فساعتها يمكن الوصول إلى تصفية قضيته.

أسلو المشؤومة، وخاصة بعد المفاوضات العبثية الطويلة التي جرت بين «قيادة السلطة الفلسطينية» و«إسرائيل» على مدى عشرين عاماً، ساهمت في زيادة حدة الاحباطات لديه، ولاسيما في المناطق المحتلة في الضفة الغربية وقطاع غزة.

المسلكية السلبية المعاكسة للأخرى الثورية، التي انتهجتها «السلطة» منذ تأسيسها وحتى اللحظة مع جماهيرنا في مناطقها، مضافا اليها ظواهر سلبية أخرى عديدة ساهمت في زيادة منسوب الاحباط لدى شعبنا في كل مواقعه، وبالاخص حيث توجد «السلطة».

الرضوخ السلطوي للاملاءات الأمريكية و«الاسرائيلية»، بجلب الفلسطينيين الى المفاوضات المباشرة مع «اسرائيل» في ظل تنكرها المطلق للحقوق الوطنية الفلسطينية ستساهم أيضاً في محاولة ايصال جماهيرنا الى حالة من اليأس، حيث يسهل تمرير التصفية.

الأنقسام في الساحة الفلسطينية حالياً لعب وما يزال يلعب دوراً كبيراً في محاولة ايصال شعبنا الى الحالة المطلوبة التي يخطط لها العدو تاريخياً، حيث تتساوى الحلول عنده، فيصبح الهدف هو الخلاص من هذه الظروف المستحيلة التحمل من قبل الجميع.

لسنوات طويلة تعامل المجتمع الدولي مع الفلسطينيين كتجمعات لاجئة متفرقة، كانت بحاجة الى العطف والمساعدة والشفقة.

جاءت الثورة لتقلب هذا المفهوم وتحول الفلسطينيين الى شعب مناضل له حقوقه الوطنية. وبالمقاومة دق الفلسطينيون جدران العالم، فبدأ في تفهم قضيتهم وأصبحت الثورة والكفاح والتمسك بالحقوق هي العناوين الرئيسية للفلسطيني. ترجمت دول كثيرة في العالم الانتقال الفلسطيني الى الحالة المقاومة في التأييد الكبير الذي أبدته في تأييد الفلسطينيين وحقوقهم المشروعة.

صحيح، ان الظروف الدولية انتقلت الى حالة جديدة، لكن المقاومة (التي أصبحت في عرف بعض المفاهيم الدولية الجديدة ارهاباً) ظلت هي الأساس الذي تبنى عليه نظرية اجبار العدو على الاعتراف بالحقوق المسلوبة لمطلق شعب يجري احتلال أراضيه واغتصاب ارادته. ينطبق ذلك على «اسرائيل» التي أنكرت وجود الشعب الفلسطيني من الأساس، واضطرت بفعل المقاومة ونضالاتها الى الاعتراف بوجوده وبقضيته الوطنية.

صحيح أيضاً، انه وفي ظل الهجوم الشرس على المشروع الوطني الفلسطيني، يصبح الحفاظ على الذات وعلى المبادئ والحقوق الوطنية هو الهدف، لكن ولا تحت أية ظروف وضغوطات يمكن المساومة على التفريط بالحقوق الوطنية للشعب.

مأساة «القيادة الفلسطينية» الحالية أنها لفظت المقاومة كنهج أساسي في التعامل مع العدو، وتركت هذا الخيار الاستراتيجي وتبنّت نهج التفاوض. هذا النهج يدوس على كل الحقوق ويصب في مجرى أهداف العدو الطامح باستمرار إلى كسب المزيد من التنازلات من «السلطة الفلسطينية».

ها هو نتنياهو يعلن صباح مساء أنه لن يمدد وقف الاستيطان (الذي لم توقفه «إسرائيل» ليوم واحد لا في الضفة الغربية ولا القدس) ويصر على اعتراف الفلسطينيين بيهودية الدولة قبل التسوية، رغم المفاوضات المباشرة. وها هو أحد الوزراء «الإسرائيليين» يعلن أن الفلسطينيين تخلوا عن حق العودة نهائياً، وها هي «إسرائيل» تتنكر لكل الحقوق الوطنية الفلسطينية.. ومع ذلك تذهب «السلطة الفلسطينية» إلى المفاوضات المباشرة مع العدو الصهيوني بحجج واهية، رمي الكرة في الملعب «الإسرائيلي»، مبدأ التجريب، عدم إغضاب الولايات المتحدة... إلى آخره. ناسية أو متناسية أن العدو الصهيوني لا يُحرج، وأن الولايات المتحدة لن تتخلىّ يوماً عن «إسرائيل».

لم يكن الهدف من المقال استعراض أحداث تاريخية، بل من أجل التذكير بحقائق التاريخ الأساسية التي أثبتت صحتها وصدقها وقدرتها على مدى مراحله.

يبقى القول : إن شعبنا الذي يحاولون تيئيسه لتصفية قضيته الوطنية، يدرك أبعاد المؤامرات الهادفة إلى كل ذلك، ومثلما أفشل حلقات كثيرة منها في السابق، فهو قادر على إفشال هذه الحلقة الخطيرة والخروج من مأزقها، وسيظل وفياً ومتمسكاً بحقوقه الوطنية غير القابلة للتجزئة، وبفلسطين غير القابلة للقسمة على اثنين.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 57 / 2165282

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

2165282 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010