الجمعة 3 تشرين الثاني (نوفمبر) 2017

رسالتان من صلاح خلف إلى عرفات في حرب أكتوبر..

الجمعة 3 تشرين الثاني (نوفمبر) 2017

لعلّي أضع بين يدي القارئ وثيقتين مهمتين، تُنشران لأول مرة، كتبهما القائد المؤسس في حركة فتح، صلاح خلف (أبو إياد)، بتاريخ 24/10/1973، وهما جزء من مشروع كبير لبحث وتوثيق القضية الفلسطينية، أعمل عليه مع زملاء لي في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. كُتبت الوثيقتان قبل أن تضع الحرب أوزارها، لكنّ الحديث عن تسويةٍ مقبلةٍ، بدأ يعلو ضجيجه في القاهرة التي وُجد فيها أبو إياد منذ ظهيرة الخامس من أكتوبر/ تشرين الأول، أي قبل الحرب بساعات، وحتى ما بعد كتابة هذه الوثيقة الموجهة إلى ياسر عرفات (أبو عمّار) وأعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح. ومن الواضح أنّ الدافع الرئيس لكتابتهما كان وضع عرفات والقيادة الفلسطينية في أجواء الحرب واحتمالات ما بعدها، وهو ما كان أبو إياد يفضّل عرضه مباشرة على القيادة الفلسطينية، لكنّ الرئيس المصري، أنور السادات، طلب منه البقاء في القاهرة لمتابعة ما قد يستجد.

الوثيقة الأولى رسالة معنونة بـ “الأخ أبو عمّار الأخوة الكرام”، جاءت بمثابة تمهيدٍ للتقرير الذي كُتب متلازمًا معها في التاريخ نفسه، وحمل عبارة “تقرير خاص وسري جدًا”، ويقسّمه أبو إياد إلى ثلاثة جوانب؛ إخباري ويصفه بأنّه المعلومات المجرّدة من دون تعليق منه، وتحليلي على ضوء اللقاءات المباشرة والجانبية التي قام بها، والمعلومات غير الرسمية التي وصلت إليه من الكاتب المعروف محمد حسنين هيكل وسواه، ليخلص إلى اقتراحاتٍ يراها بحسب الاحتمالات التي تراءت له. ولعلهّا الوثيقة الأولى التي تتحدّث عن المشاركة المطلوبة من المقاومة الفلسطينية في عملية التسوية وبدايات تشكّل الموقف منها.
يعتذر أبو إياد عن تأخره في الكتابة، لأنّ الحوادث تتلاحق بشكل لا يتيح للإنسان أن يفكر في احتمالات الموقف، وكيف يمكن معرفة سير الأمور ونتائج ما يستجد من حوادث، مسجلًا
“لعلّها الوثيقة الأولى عن المشاركة المطلوبة من المقاومة الفلسطينية في عملية التسوية” الوقائع كما حدثت، وتاركًا استنتاجاته إلى آخر الرسالة، لكنّه يريد أن يقرّر حقيقة واحدة، هي أنّ “الأمور تتطوّر بسرعة مذهلة، لا يمكن تخيّلها، إلى درجة أنّني كنتُ أبدأ كتابة الرسالة لأمزقها ثانية”، لتلاحق الحوادث، أكانت تتعلق بالجانب العسكري أو السياسي.
ويستذكر أبو إياد اللقاءات السابقة مع الرئيس السادات قبل معركة 6 أكتوبر، وبالتحديد في يوم 1/9/1973، حيث كان اللقاء الأول، وقدّم فيه السادات عرضًا للمعركة، أو كما سمّاها “الشرارة”، “ثمّ عرض بشكل سريع تفكيره حول مؤتمر السلام، وطلب أن يُعقد لقاءٌ آخر في برج العرب، بعد مؤتمر عدم الانحياز للتحدّث بالتفاصيل. وبالفعل تمّ اللقاء في 22/9/1973، ودار الحديث حول المعركة، وطلب منّا أن نشارك بالمعركة من الأرض المصرية، كما طلب أن نُقدّم طرحًا سياسيًا مرحليًا لقضيتنا، وكنّا في اللقاءين نميل إلى حرب استنزافٍ تتطوّر إلى معركة هجومية، بشرط أن يُخطَط لها لتكون حربًا طويلة النفس، واتُّفق على دخول قوات من فتح إلى الجبهة المصرية. واتفقنا على ما سنقوله له عند عودتي إلى القاهرة، ويوم وصولي أُخذت من المطار، لأُبلّغ بأنّ الحرب غدًا”.

وصل صلاح خلف إلى القاهرة يوم الجمعة 5 أكتوبر ظهرًا، ومن المطار إلى المخابرات العامة، ثمّ إلى المخابرات الحربية، حيث أبلغ بموعد المعركة، وهو يوم السبت 6 أكتوبر، وكاد يُصعق من النبأ، “إنّها مفاجأة” لم يتوقعها، ومع ذلك فكّر أن يُبلّغ أبو عمّار بالخبر في الليلة نفسها، وفعلًا أرسل رسولًا يُدعى “أبو بشار”.

وفي اليوم الثاني قابل صلاح خلف وفاروق القدومي (أبو اللطف) كلًا من مدير المخابرات الحربية، فؤاد نصار، ومدير المخابرات العامة، عبد السلام توفيق، وكان الحديث عامًا عن دور المقاومة في المعركة وحجم المعركة، ثمّ انتقلا مع مدير المخابرات لمقابلة السادات في الساعة السابعة من يوم السبت 6 أكتوبر في قصر الطاهرة.

في الطريق إلى اللقاء مع السادات، لاحت في ذهن أبو إياد احتمالات بشأن المعركة؛ هل هي صورية مخطط لها مع جانب أميركي، بشكل مباشر أو غير مباشر، أم هي تتسم بطابع المغامرة من دون حسابات دقيقة، متوقعًا أن يطرح السادات أسئلةً بشأن مفهوم العمل السياسي للمرحلة المقبلة، وكانت المفاجأة أنّه تحدّث عن المعركة بأبعادها كلها، وأنّه لن يوقف القتال مهما كانت الأسباب. سيطر على الجلسة جو المعركة. القوات دخلت كلها. الدروع سيكتمل دخولها في العاشرة مساءً. الخسائر لا تصدق. “كان السادات كالطفل الصغير يتابع التقارير التي ترده تباعًا، ويُعطينا إياها بعد الفراغ منها”. وفي وسط ذلك “سألني لماذا تأخرتَ بالحضور؟ وماذا حصل لقوات فتح؟ لماذا لم تصل بعد؟”. و“تحدّثت معه عن المفاجأة بالإنذار، وقلتُ له إنّ الضباط وصلوا من وقت مبكر، وأبو لطف لم يغادر القاهرة، وكان بالإمكان تبليغه بما سيحدث. ولكن مع ذلك سنعمل على وصول القوات بأسرع ما يمكن”.

ثمّ انتقل إلى موضوع المعركة، وكان عبور خمس فرق مشاة قد جرى بنجاح تام، إلّا أنّ الفرق المدرّعة لم تكن قد دخلت، فكان يتابع عبورها بقلق، ثمّ بادرنا بحديثٍ عام عن القوة وأثرها،

“وصل صلاح خلف إلى القاهرة يوم 5 أكتوبر، ومن المطار إلى المخابرات العامة، ثمّ إلى المخابرات الحربية، حيث أبلغ بموعد المعركة، السبت 6 أكتوبر” وعن حقده على إسرائيل، وعن “البهدلة” التي حصلت له بسبب المعركة، وتأجيلها أكثر من مرة، ولم يفتح معنا سوى حديث المعركة والقتال. وأكّد من جديد ضرورة حضور قوات من “فتح” لتقاتل مع المصريين في سيناء، “ثمّ طلب منّا (أبو لطف وأنا) أن نبقى في القاهرة لنكون قريبين من الصورة. وقال لنا ونحن واقفون: إنّ خطتي أن أعبر سيناء حتى المضائق، ثمّ أقف هناك لأقوم بعدها بحرب استنزافٍ طويلة الأمد. وانتهت الجلسة دون أن يطرح علينا موضوع العمل السياسي من قريب أو من بعيد خلال هذا اللقاء. وفرحنا بمعنوياته العالية، وخاصة ما يتعلق بالخطة العسكرية”.

تقاسم أبو إياد العمل مع أبو اللطف، بحيث داوم هو في العمليات الحربية ومع المخابرات الحربية، في حين تولى أبو اللطف الاتصالات السياسية.

سير العمليات العسكرية
يذكر أبو إياد أنّ العبور المصري للقناة كان رائعًا من حيث الشجاعة والخطة والتنظيم والإيمان والقدرة، ولقد كان من المُقدّر أن تكون الخسائر في حدود العشرة آلاف، لكنّها لم تتعدَ الأربعمئة شهيد، وسارت الأمور حسب ما هو مخطط لها لكنّ “التحرّك المصري العسكري توقف بعد العبور، كمن حصل على نصرٍ، ولا يريد أن يُخدش هذا النصر من قريب أو بعيد”.
يؤكد أنّ المعارك سارت بأخبارها الجيدة إلى أن كان الوقوف العسكري بعد تطهير حوالى خمسة عشر كيلومترًا على طول القناة، وكان الضغط النفسي بين صغار الضباط؛ لماذا الوقوف؟ وكان التفسير الذي يُعطى دائمًا “أنّ القوات لا يمكن أن تتجاوز حماية شبكة الصواريخ في الضفة الغربية للقناة، وأنّ العمل جارٍ لنقل وتركيب شبكة أخرى على جانبي القناة”.

ياسر عرفات وصلاح خلف

ثمّ حصلت المفاجأة المذهلة، وهي عملية الاختراق، وقد تمّت وتطوّرت، كما يلي:
"يوم الاثنين 15 أكتوبر 1973، تسللت دورية الدبابات عبر البحيرات المرّة بوساطة الحوّامات، هوفر كرافت، إلى الضفة الغربية، وكانت تحمل إشارات الدبابات المصرية، ولقد تكرّر التسلل الذي اعتمد على نقطةٍ في الدفرسوار شرقًا، إلّا أنّ العسكرية الإسرائيلية استطاعت أن تجعل من هذه النقطة قاعدة اتسعت في الضفة الشرقية أكثر من اثني عشر كيلومترًا، لتمتد إلى الغرب في الضفة الغربية حوالى عشرة كيلومترات في العمق، وتتجه شمالًا باتجاه الإسماعيلية، على امتداد أكثر من عشرين كيلومترًا، وباتجاه السويس المدينة بالامتداد نفسه.

وبالطبع، كانت القيادة العسكرية المصرية تحاول التقليل من عملية العبور الإسرائيلية، وتصفها بأنّها عملية سياسية، وأنّها محدودة، لكنّ الواقع، ومعلوماتنا من مصادرنا الخاصة، كانت تشير إلى أنّ التعزيز عبر الثغرة أو من خلال الطائرات كان مستمرًا، وبشكل مكثف، إلى أن حلّ وقف إطلاق النار يوم الاثنين 22 تشرين الأول/أكتوبر، حيث كان الوضع العسكري في الضفة الغربية كما يلي:

1. وجود في الضفة الغربية للقناة على امتدادٍ في العمق، لا يقل عن خمسة عشر كيلومترًا، وامتداد إلى الشمال باتجاه الإسماعيلية، حوالى ثمانية عشر كيلومترًا، وباتجاه مدينة السويس بحدود خمسة عشر كيلومترًا.

2. عدد القوات يتراوح ما بين لواءين مدرّعين، ولواء مشاة، ومظليين، “والمأساة أنّ العدد الصحيح ونوع العمل الذي تقوم به هذه القوات ليس له مصدر رسمي، ولكنّها تقديرات فقط”.

3. رأس جسر ممتد على الضفة الشرقية، على طول البحيرات المرّة، وشمال البحيرات بحوالي خمسة كيلومترات، وكانت الثغرة تسدّ أحيانًا وتفتح في أكثر الأحيان.

هذا هو الوضع لغاية إعلان الطرف المصري قبول وقف إطلاق النار، وكنتُ أراهن أنّ الجانب المصري لا يمكن أن يقبل وقفًا لإطلاق النار، وهو على هذا الوضع، فماذا حصل بعد وقف
“كان السادات كالطفل الصغير يتابع التقارير التي ترده تباعًا، ويُعطينا إياها بعد الفراغ منها” إطلاق النار؟ في الليلة نفسها، 22 أكتوبر، وحوالى الساعة الثالثة والدقيقة الثلاثين، مرّت قافلة تموين إسرائيلية عبر أحد الجسور التي أقاموها على القناة، وأُطلقت عليها النيران المصرية، وفجأة فُتحت النيران غرب وشرق القناة، وخاصة في منطقة العبور الإسرائيلية، وفي منطقة الجنوب، ومن ثمّ تطوّر الوضع حتى كتابة هذه السطور في الساعة الثانية عشرة صباحًا يوم الأربعاء 24 تشرين الأول/أكتوبر، إذ جرى “احتلال مطارات منطقة الإسماعيلية السويس (بغير طائرات طبعًا). العدو في مدينة الإسماعيلية تقريبًا، وعلى مشارف مدينة السويس. سيطرة تامة على الطريق الصحراوي الموصل إلى الإسماعيلية والسويس. انتقال قيادة الجيش الثاني والثالث من المدينتين. ارتباك مُخز في القيادة العسكرية، ولا أدري كيف يتطوّر الوضع بعد كتابة هذه السطور. لكن للأسف المعنويات شبه منهارة”.

يقول أبو إياد إنّ لقاءً آخر مع السادات قد جرى خامس أيام المعركة في غرفة العمليات الحربية، حيث كان موجودًا “وسألني السادات عاملين إيه أخباركم إيه؟ ولم يعجبني السؤال فقلتُ له: نتفرّج على المعركة ونصفق للمقاتلين، لقد تعبنا، يا سيادة الرئيس، ونحن نقاتل ويتفرّج علينا الآخرون، ومن حقنا أن نتفرّج الآن. وعرف أنّني متضايق من سؤاله، وأنقذ الموقف [المشير] أحمد إسماعيل، حين قال: الأخ أبو إياد متضايق علشان وجّهت نداءً للقوات المصرية والسورية ولم توجّه نداءً للقوات الفلسطينية ومعه حق. وهنا تدارك السادات، وقال: أصلنا كلنا علشانهم والدم ده الذي ينزل من أجلهم”. نقل السادات الحديث إلى ليبيا ومعمر القذافي، وشكا من أنّ أبوظبي قدّمت للمعركة مئة مليون دولار، بينما لم يقدّم معمّر سوى أربعين ألفًا، وتحدّث عن تقدّم القوات، وقال إنّ هناك خطة لحرب طويلة، مستدركًا “مش انتم عايزين كده؟ وكل شيء ماشي حسب الخطة”.

الإعلام المصري
يذكر صلاح خلف ملاحظة بشأن الإعلام المصري، ويميّز بين الإعلام الرسمي (إذاعة وتلفزيون)، ويعتبره غير مقصّر في إبراز عمليات المقاومة الفلسطينية، أمّا الصحف فيشكو من تجاهلها عمليات المقاومة بشكل لافت للنظر، حتى أنّه قال لمحمد حسنين هيكل إنّ هناك مؤامرة تخططون لها من أجل أن تخرج المقاومة من المعركة هزيلة. “على العموم هنالك همس في كل الأوساط الرسمية؛ أين المقاومة؟ أين عملها؟ لماذا لم يتحرّك الشعب في الضفة الغربية وقطاع غزة؟ وهذه الأسئلة يرويها ويرددها بخبث فؤاد نصار”. ممّا اضطره للقول أمام مجموعة من الضباط: “نعم لم يتحرك شعبنا، لأنّه غير مصدّق أنّ المعركة جديّة، ولأنّ شعبنا ظلّ تحت الاحتلال وحده يقاتل بالوسائل الممكنة أكثر من ست سنوات، ولأنّ شعبنا يخاف أن تقطعوا فيه من منتصف الطريق”.

المهم، جاء خطاب السادات ومشروعه للسلام، وتجاهل في خطابه المقاومة الفلسطينية “واتصل بي الدكتور حسن [الزيّات] وحافظ إسماعيل وهيكل يشرحون أسباب عدم ذكر المقاومة في خطابه؛ لأنّه لا يريد أن يذكرنا ضمن الدول العربية”. أبدى أبو إياد عدم اهتمام بالموضوع، وقال: “نحن لا نريد شهادةً من أحد لنضالنا، ونحن لا نقاتل من أجل أن نأخذ تحية، على العكس، فنحن نحيي كل الذين يقاتلون معنا، ونأمل أن يستمروا”.

الوضع السياسي

لم يتطرّق السادات إلى أي حديث سياسي، أكان ذلك في أول لقاء، أو خلال لقاءاتٍ عابرة في
“يذكر صلاح خلف ملاحظة بشأن الإعلام المصري، ويميّز بين الإعلام الرسمي، ويعتبره غير مقصّر في إبراز عمليات المقاومة الفلسطينية، أمّا الصحف فيشكو من تجاهلها عمليات المقاومة” غرفة العمليات، أو في آخر لقاء بعد وقف إطلاق النار، كذلك لم يُطرح الأمر من أي مسؤولٍ مصري من الذين قابلهم ابتداءً من الدكتور [محمود] فوزي و[عبد القادر] حاتم وحافظ إسماعيل، وانتهاءً بهيكل وعثمان نوري وحسن صبري الخولي، إلّا أحاديث عامة حول القتال وسير المعارك، وأميركا والموقف العربي. إلّا أنّ هيكل في آخر لقاء يوم الثلاثاء ليلًا، وبعد حديث عن المعارك، “سأل عن رأينا بالمباحثات التي ستجري، وهل سنحضرها، وماذا سنقول لو حضرنا. وهنا سألته: هل اعتبر ذلك رسميًا من الدولة ومن السادات؟ فقال: لا، إنّما حديث أصدقاء”. أجابه أبو إياد إنّ الموقف السياسي هو نتيجة للموقف العسكري، ونحن نرى أنّ إسرائيل تحاول أن تهلهل الانتصار المصري، وتُفقده مضمونه، بالتالي ستغيّر الوضع العسكري لمصلحتها، وستماطل وتكسب مكاسب جديدة وتنازلات جديدة من العرب، من دون أن تتنازل عن نظريتها الخاصة بالأمن الإسرائيلي. “ومن هنا، فنحن نرى أن نهتم بالوضع العسكري، وإلّا سنكون خسرنا الحرب وخسرنا الموقف السياسي. وعلى كلٍ، فإنّ الأمر ليس واضحًا بالنسبة لنا، ولكن يستطيع الإنسان أن يقول إنّ حق تقرير المصير لشعبنا، دون أن يكون طرفًا في أي تسوية إلى حين أن يقرر بنفسه وفوق أرضه ما يريد، هي الصورة الوحيدة الواضحة بالنسبة لنا. (ملاحظة كان هيكل يكتب هذا الجزء من حديثنا)”.
انتقل الحديث مع هيكل إلى زيارة رئيس الوزراء السوفييتي، إليكسي كوسيغين، وكان الحديث في هذا الموضوع متصلًا بجلسات سابقة، وأهم ما في لقاء كوسيغين- السادات نقطتان:

1. “الطلب إلى السادات أن تكون خطوات السلام مبتدئة بوقف إطلاق النار، مع صدور تعهد من الدولتين (روسيا وأميركا) بالانسحاب وتطبيق قرار مجلس الأمن، ثمّ تكون المباحثات قبل الانسحاب، حتى تعرف إسرائيل إلى أين تنسحب، ثمّ ما هي ضمانات السلام بالنسبة لها. (وهذا مخالفٌ لرأي مشروع السادات الذي قال أولًا تنسحب إسرائيل، ثمّ بعدها يحضر، ومن يقتنع معه، مؤتمر السلام)”.

2. “هناك مشروع اتفقت عليه من الدولتان، ويتضمن وضع غزة تحت الوصاية [المصرية]، وتعود الضفة [الغربية] إلى الملك [حسين] ضمن مشروعه؛ المملكة العربية المتحدة، ويحدث استفتاءٌ عليه يكون بمنزلة تقرير المصير، وتُهيأ أوضاع غزة لشيء مماثل بعد فترة. ثمّ تكون الجولان إمّا منزوعة السلاح تحت السيادة السورية، أو دولية بعد الانسحاب. أمّا شرم الشيخ والقدس فهما دوليّتان، ولا يشمل الاتفاق كل القدس، إنّما القدس العربية فقط”.

هذه ملامح الاتفاق، ويكون ممثلو الشعب الفلسطيني ضمن الوفد الأردني. وطبعًا “هذه ليست معلومات دقيقة، إنّما هي محصلة اتصالات سياسية واسعة، ولكن بصفة رسمية لم نُبلغ بشيء إلى هذه اللحظة”. ويرى أبو إياد أنّ أخطر ما في الموضوع وجود “همس مصري خافت يقول: لماذا لا تتفاهم منظمة التحرير مع الملك حسين ضمن مصالحة وطنية على حكم الضفة الغربية والقطاع، ضمن الحكم الذاتي الفلسطيني في مشروع المملكة المتحدة، ويمكن بالوقت نفسه التفاهم على موضوع مؤتمر السلام ومن يحضره ضمن الوفد الأردني من المقاومة”. ويذكر أبو إياد حضور بهجت التلهوني (رئيس مجلس الأعيان) وعامر خماش (مستشار الملك حسين) إلى القاهرة، ونشاط عبد المنعم الرفاعي (مستشار الملك حسين) أيضًا لمعرفة دور الأردن في الموضوع، والتفاهم على الخطوات المقبلة. ويحدّد موقفه من هذا الهمس بثلاث نقاط:

- "نحن لسنا بصدد التفاهم مع [الملك] حسين مهما كانت الأحوال، وقد زاد من حدة موقفنا هذا موقفه من المعركة ودخول الفدائيين [حاول الرئيسان حافظ الأسد وأنور السادات إقناع الملك حسين في الاجتماع الثلاثي الذي انعقد في الإسكندرية بتاريخ 10/9/1973 بترتيب علاقته مع المقاومة والسماح بعودة وحدات منها إلى الأردن] (يوميات عدنان أبو عودة، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات).
- مقاومة إعادة السيطرة الأردنية على أي أرض فلسطينية بالوسائل الممكنة والمتاحة.
- المطالبة بحق تقرير المصير لشعبنا من دون أي وصاية عربية أو غيرها، مؤكدًا في الوقت نفسه رفض “التنازل عن حقنا التاريخي في فلسطين، وضد أن نكون جزءًا من التسوية”.

دخول الفدائيين إلى الأردن وموقف مصر

يعتقد صلاح خلف أنّ مصر لم تضغط كما يجب في موضوع الفدائيين، على الرغم من الإجراءات الآتية:
- إرسال برقية إلى [الملك] حسين تذكّره بالعهد بإدخال الفدائيين (سمع بها من المخابرات).
- استدعاء عبد المنعم [الرفاعي] وإبلاغه بالأمر (ولو أنّ عبد المنعم أنكر ذلك). [في يوميات عدنان أبو عودة يقول السادات لعبد المنعم الرفاعي إنّ الأردن لم تُعتبر دولة محاربة، كونها رفضت الطلب الذي قدّمه إبراهيم الدخاخنة، موفد السادات، بشن عمليات فدائية من الأردن، ولهذا لم تحصل على فك ارتباط أسوة بمصر وسورية].
- إرسال إبراهيم الدخاخنة برسالة شفوية إلى الملك حسين، ومعه حوالى عشرين ضابطًا من الذين عملوا مع “فتح” في الأردن (والنتيجة أنّ الملك وافق قبل وقف إطلاق النار بيوم ثمّ وقف إطلاق النار، فاستدعى إبراهيم وقيل له نظن أنّه لا ضرورة له الآن). [لا يوجد أي مصدر آخر يشير إلى موافقة الملك، وعلى العكس من ذلك كان هناك إصرار على رفض الطلب].
يعتقد أبو إياد أنّ هذا غير كافٍ إذ لو أراد السادات والأسد [في إشارة إلى اللقاء الثلاثي في الإسكندرية] دخول الفدائيين إلى الأردن، لضغطوا بشكل آخر، ويذكر أنّ معلومات مؤكدة قد وصلت إليه تفيد بأنّ مذكرة مهمة من الأردن قٌدّمت لرئاسة الجمهورية (في مصر) قيل فيها بالحرف: “إنّ عودة الفدائيين إلى الأردن ستزيد من ثقتهم، وستؤثر على الموقف العربي من التسوية؛ لأنّ الفدائيين سيكونون آنذاك أقوياء، ولا تنسوا ما فعلوه لكم إبان مشروع روجرز”. ويعتقد أنّ المذكرة الأردنية أثرت كثيرًا على الموقف المصري.

الجانب التحليلي
يفرد أبو إياد جزءًا مهمًا من تقريره لما يصفه بالجانب التحليلي ضمن النقاط الآتية:
1. الاتفاق الأميركي- السوفييتي: يبدو أنّ الدولتين اتفقتا على مؤتمر السلام، وكان هناك تنازل متبادل بين الطرفين، ولم يطرحوا صيغة الاتفاق، ولا ترتيبات المؤتمر لأسباب عدة، أهمها:
- أي طرح مُفصّل سيُجابه (بالفيتو) الصيني. وربما بريطانيا وفرنسا أيضًا التي تصرّ أن يكون المؤتمر تحت إشراف كل الدول الكبرى على الأقل، إن لم يكن الدول أعضاء مجلس الأمن كلها.
- هناك اختلاف في بعض التفاصيل وتُركت للمؤتمر ليعالجها.
وبالنسبة لحقوق شعب فلسطين، فيبدو، وهذه ليست معلومات مؤكدة، أنّ الطرف الأميركي أصرّ أن يكون حق الشعب الفلسطيني من ضمن مشروع المملكة المتحدة، بحيث تضمن الأردن
“يعتقد أبو إياد أنّ السادات يريد طرفًا فلسطينيًا معه في التسوية، لعدة اعتبارات عربية ومصرية ودولية” إضفاء الشرعية الشعبية من طرف الفلسطينيين على مشروعها، وبذلك تكون للفلسطينيين دولة ضمن الأردن، وتتعهد الأطراف العربية (على الأقل مصر وسورية والأردن ولبنان) بضمان إنهاء المقاومة وكل أشكال نضالها (ولا بأس هنا من احتواء المقاومة ضمن مشروع حسين، ولو أدّى الأمر إلى تطويره ليلائم احتواء المقاومة من داخله).
يشير أبو إياد إلى موقف الاتحاد السوفييتي الذي وافق على هذا الطرح، وإن كان ينصح ويُلّح في أن يراجع الطرف الأميركي (والإسرائيلي بالطبع) هذا الموقف، ويترك للمقاومة أن تكون هي الطرف في معاهدة السلام إذا قبلت ذلك، أمّا إذا رفضت فيرجع إلى مشروع المملكة المتحدة. وهنا يتأثر الموقف السوفييتي برأينا أولًا، ثمّ برأي مصر وسورية ثانيًا، ولا يُعتبر ذلك موقفًا نهائيًا للسوفييت، فالأمور تتطوّر بشكل سريع، وبحاجة منّا إلى تحرك سريع أيضًا، حيث صرّح لنا أعضاء السفارة السوفييتية هنا، وكذلك مندوبهم في التضامن، أنّه لا بد من إعلان رأي، لأنّ ذلك يساعدهم. ولما نوقشوا بأنّ قرار مجلس الأمن رقم 242 لا يتعرض إلّا للاجئين، أجابوا أنّ في القرار دعوة الإطراف المعنية، وأنتم طرف معني، ولكن ما هو رأيكم، فأجبنا نحن لا نملك إلّا المطالبة بحق تقرير المصير لشعبنا فوق أرضه، ولا يتمّ ذلك إلّا بوصاية الأمم المتحدة عليه، مدة زمنية يُتاح له فيها أن يُعبّر عن رأيه بعيدًا عن أي ضغط عربي أو دولي.

2. الموقف العربي من حقوق شعب فلسطين والمعركة:

- مصر والسادات:
تعرفون أنّ المعركة بالنسبة للسادات شرارة تنتهي بالحلّ الذي اقترحه، وإذا ما انسحبت إسرائيل من الأراضي العربية ضمن التسوية المقترحة، فسيمشي بهذا الحل إلى النهاية، وليس في نيته أن يتصلب في هذا الموضوع ولا يستطيع الإنسان أن يعتمد على الموقف الإسرائيلي؛ لأنّ الدولتين على ما يبدو اتفقتا على كل شيء إلّا احتمالًا قد يطرأ يُغيّر الموقف، ويأتي هذا الاحتمال من ضغط عربي على السادات (الجزائر، العراق، ليبيا)، ولا أدري حقيقة موقف سورية؛ لأنّ لموقفها أثرا كبيرا، خاصة أنّها قاتلت، ولأنّ موقعها يُتيح لها دورًا كبيرًا في الموضوع والتأثير.

هذا بالنسبة لموقف مصر من التسوية النهائية، أمّا بالنسبة لحقوق شعب فلسطين، فيعتقد أبو إياد أنّ السادات يريد طرفًا فلسطينيًا معه في التسوية، لعدة اعتبارات عربية ومصرية ودولية، ولكن إذا وجد أنّ الأردن، أو بعض الأطراف العربية، سيخلقون له مشكلة (خاصة سورية) فسيؤثر أن يكون مشروع المملكة هو الساري ويضغط باتجاه مصالحة مع المنظمة أو افتعال معركة معها.

وهنا تأتي ملاحظة محاولات التقليل من دور المقاومة الفلسطينية في أثناء المعركة، أكان ذلك في الصحافة المصرية، أو همسًا بين أوساط الرسميين المصريين، وقد قامت مساجلات بين أبو إياد وبينهم، يرى أن لا داعي لتسجيلها، الآن حول هذا الموضوع، وخاصة مع أحمد إسماعيل وفؤاد نصار، ولولا شوكت (؟) وإخوانه، وإبرازهم الدور الذي لعبته المقاومة، لكانت الدعايات المضادة أثرت كثيرًا في الأوساط الشعبية المصرية. وإلى هذه اللحظة، هذا هو الموقف، وقد تفاءلنا بدعوة السادات للاشتراك معه بالمؤتمر، ولذلك لا بد من التحرك السريع، وكما سيأتي تفصيل هذا التحرك في بند الاقتراحات.
في ليبيا، عارض القذافي الحرب منذ أول يوم، ولقد أرسل مبعوثين دائمين للقاهرة لمتابعة الحدث؛ عبد المنعم الهوني، عمر المحيشي، ثمّ عبد السلام جلود. ولقد اجتمع بهم طوال مدة إقامتهم، وكنّا [مع أبو اللطف] نلتقي معهم يوميًا أثناء وجودهم، وإن كانوا مسرورين من الصمود السوري، وهم يشكّون بنيّات السادات وجديته بالحرب (وخاصة عمر المحيشي)، وإجمالًا كانوا يغادرون القاهرة غير مرتاحين.
موقفهم معارض للتسوية، ويطلبون رأيًا واضحًا للمقاومة في هذا الموضوع، ولقد ناقش معهم موضوع حق تقرير المصير، ففوجئوا به وكأنّهم يسمعونه أول مرة، ولم يعلّقوا بشيء، وتركوا الأمر للقاء مع العقيد.
أمّا باقي الدول العربية، فموقف الجزائر غير واضح بالنسبة لي، على الرغم من أنّ أكثر من لواء جزائري دخل المعركة، هذا غير الطيران. وكذلك باقي الدول العربية، لا بد من الاتصال بها لمعرفة موقفها، وإن كان أحمد السويدي (وزير خارحية الإمارات) يرى أن نتصرف بحكمة بما يتعلّق بالمشروع.

اقتراحات عمل واحتمالات

يقول أبو إياد إنّ الحركة [فتح] ولدت في أتون التحدي، يوم “حملنا بنادقنا متحدين الواقع”رفض قاطع لمشروع المملكة العربية المتحدة الذي طرحه الملك حسين، ورفض إعادة الضفة الغربية إلى الحكم الأردني“العربي بكل ما فيه من شعوذة ودجل سياسي”، إلّا أنّ التحدي الآن أكثر عمقًا وأكثر وضوحًا، ولا يحتمل مناورة أو مواربة، فالتحدي الجديد يستند إلى تجربةٍ مريرة للأمة العربية مع أنظمتها، ومع العدو الذي يواجهها، ويستند إلى عجزٍ في أحسن أحواله، إن لم تكن خيانة ممّن بيدهم زمام القيادة في الأمة العربية، “ويستند أيضًا إلى انتصار موهوم نخدع به أنفسنا وشعوبنا، لنخرج من خلال برك الدم الشريف نستجدي الحل ونطالب بالتسوية”، ومن هنا عمق الجرح.
ونظرًا إلى المخاطر التي يتحسب منها، فإنّه ينبه إلى أنّ المعلومات يجب أن تكون عونًا لنا في فهم الصورة ومعرفة أهداف تحركنا التكتيكي، مع التركيز على أنّها ليست للنشر، تحسبًا من حجبها ومن “معرفة حقيقة نيّاتنا، داعيًا إلى البعد عن المزايدة، والعمل الثوري الجاد لمواجهة الموقف بكل شجاعة وثورية صافية صادقة”، مؤكدًا على أهمية الثقة المتبادلة بلا حدود، حتى “يمكننا تجاوز المأزق الذي وضعنا فيه دون المساس بمبادئنا الأساسية التي تعاهدنا عليها”.
ينتقل أبو إياد إلى وضع عددٍ من الاحتمالات، كي يتخذ على أساسها اتخاذ القرار، ويبدأ بالتحرّك، لأنّه لا يملك من المعلومات ما يتيح له القول إنّ ثمّة احتمالا وحيدا، ولأنّ كل شيء قابل للتغيير، لكن ليس بشكل قدري، وليس بالاكتفاء بالدعاء وإنّما بالعمل والنضال، حيث يمكن للثوار أن يجعلوا الاحتمالات واقعًا واحتمالًا واحدًا. محذرًا من أنّ ذلك لن يتمّ بعصا سحرية، وإنّما بمواجهة “أيام مريرة، والحمد لله أنّ أيامنا كلها مريرة وقاسية، ولكنّ ذلك قدرنا وسنحمل قدرنا إلى آخر نبضة في عروقنا”.
أمّا الاحتمالات فهي كما يراها صلاح خلف فهي:
أولًا: أن تحصل التسوية حسب المشروع الأميركي السوفييتي (آخذًا بالاعتبار الوجهة الإسرائيلية). ويكون بتبني مشروع [الملك] حسين، ومن خلاله يُسوّى موضوع الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وتسوية مشكلة اللاجئين. وهنا تكون مصر وسورية والأردن هي العمود الفقري لهذا المشروع، وسوف يكون مقبولًا عربيًا (عدا معارضته من الجزائر وليبيا).
وفي هذه الحالة، ستواجه المقاومة مشكلة الاستمرار في الثورة بوجودنا العلني الكبير، وستكون منظمة التحرير موضع إعادة نظر، باعتبار أنّ الكيان الفلسطيني قد قام، ولا داعي لوجود المنظمة في جامعة الدول العربية، أو كممثل شرعي لشعب فلسطين، وسيُطالب لبنان بهذه الحالة تصفية المخيمات بعودة الفلسطينيين إلى الوطن الأم (فلسطين والأردن)، هذا فضلًا عن الموقف السوري الذي سيمارس عمليًا الشيء نفسه.

طبعًا، موقف سورية مهم في هذه الناحية، خاصة أنّ هناك تركيزًا بعد القتال على حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة (مؤتمر جورج صدّقني وبيان وقف إطلاق النار).
يقول أبو إياد إنّهم إزاء هذا الاحتمال، فسيكون أمامهم خياران لا ثالث لهما. “إمّا الانحناء للمعارضة العربية والدولية والتفاهم مع الأردن (وهذا ما أرى رفضه بأية صورة كانت)، أو القتال دون وجودنا العلني حتى آخر فدائي”، ويكون القتال من أجل حقنا في تمثيل الشعب الفلسطيني الذي أعطانا هذا الحق من خلال النضال، وحتى يعترف هذا العالم بحقنا. مستطردًا أنّه لا يدعو “للانتحار إنّما إذا كان ولا بد من مواجهة قدرنا في ظل المؤامرة، فلا بد أن نواجهها بكل شجاعة، مهما كانت التكاليف باهظة، آخذين في عين الاعتبار التناقض الذي سيقع فيه الحكام مع شعوبهم مباشرة ومع الأمة العربية”.
ويخلص هنا إلى اقتراح العمل على المحاور التالية:
‌أ. حركتنا داخليًا بإعادة بنائها لاستيعاب المرحلة الجديدة من الصدام، مع توثيق عُرى الوحدة الوطنية مع المنظمات المستقلة إرادتها.
‌ب. الجماهير العربية والالتحام بحركتها عضويًا.
‌ج. القيام بأوسع حملة عنوانها “كيف تفهمون حقوق شعب فلسطين المشروعة”، وفضح لعبة مشروع (الملك) حسين لاستيعاب هذه الحقوق.
‌د. الإعلان عن مطلبنا السياسي، وهو حق تقرير المصير على صورة بيان يصدر للجماهير
“إجراءات وقف إطلاق النار تلقي هنا تذمرًا كبيرًا في أوساط الضباط المصريين” الفلسطينية والعربية ولأصدقائنا في العالم.
‌ه. حملة توعية واتصال تنظيمي بين جماهيرنا في الأرض المحتلة؛ لرفض مشروع الملك حسين، والمطالبة بحق تقرير المصير.
‌و. حملة من الأحزاب العربية (خاصة الشيوعية الصديقة) لدى السوفييت والدول الاشتراكية من أجل اعتماد وجهة نظرنا.
‌ز. الاتصال بالدول الرافضة (ليبيا، الجزائر، العراق، إلخ)، وإقامة خطة مشتركة لمحاربة التسوية المقترحة.
ثانيًا: أن يدعو مؤتمر السلام ممثلي الشعب الفلسطيني لحضوره، أكان ذلك بعد انعقاده أو قبله، ويدعو منظمة التحرير، وهنا ماذا ستكون الإجابة “هل نحضر أم لا؟ وإذا لم نحضر فلماذا؟ وإذا حضرنا فماذا يكون موقفنا وماذا سنقدم له؟”.
وهنا يرى أنّ هناك إجابتين على هذا الاحتمال:
الأولى: شكلي، وهو أنّه لا بد من دعوة لمؤتمر قمة عربي ومؤتمر حركي عربي جماهيري؛ لعرض مسألة الحضور عليها، بحيث لا نتحمل وحدنا نتيجة الرفض أو القبول.
الثانية: جوهري، وهو أن نقدّم لهم رأينا الذي يتلخص في حق تقرير المصير أحضرنا أو لم نحضر، بحسب الترتيبات المنصوص عليها في القيد الأول.
ولا بد من التأكيد أنّ موقف سورية مهم في هذه الاحتمالات كلها، إلّا من احتمال تبنيها مشروع (الملك) حسين فلا أهمية لرأيها أو موقفها.
ثالثًا: احتمال ألّا ينجح مؤتمر السلام، وألّا يتفق الأطراف على موضوع الانسحاب. أو أنّ أحد الأطراف (سورية) ترفض الحضور أو ترفض ما قُرّر لها من حصتها (الجولان منزوعة السلاح أو دولية) في أي من هذه الحالات، فإنّ “موقفنا سيكون قويًا، وعلينا أن نركز على المحاور الخاصة بالملك حسين؛ لأنّه عدونا الأول في المنطقة العربية”.
رابعًا: هناك الاحتمال المفتوح الذي تحركه الحوادث، وتتغيّر على أساسه مفاهيم واحتمالات، والذي يجعلنا قادرين على مواجهة هذا “الاحتمال المفتوح هو وضوح خطنا السياسي العام والمرحلي”، حتى نحافظ على قاعدتنا ونحافظ على أصدقائنا في العالم.
يختتم أبو إياد تقريره بانتظار تطوّر الحوادث، وخاصة إجراءات وقف إطلاق النار التي تلقي هنا تذمرًا كبيرًا في أوساط الضباط المصريين، وهناك حملة على القيادة بشكل كبير، لذلك قد نفاجأ بأي شيء. مؤكدًا التزامه ما يقرّره إخوانه ضمن الأسس والمبادئ التي اتفقنا عليها في آخر جلسة، مطالبًا بوضعه في صورة اتصالاتهم، وخصوصا الموقف السوري، لأهميته في أي قرار. مؤكدًا شعورًا لم يغيّره بأنّ “السادات يلعب لعبة لحسابه بعيدًا عن سورية”.
... نخلص إلى أن أهمية هذه الوثيقة التاريخية في أنها تكشف أولى المحاولات الفلسطينية للانخراط في عملية التسوية، وقد استندت إلى محورين رئيسيين؛ أولهما، رفض قاطع لمشروع المملكة العربية المتحدة الذي طرحه الملك حسين، ورفض إعادة الضفة الغربية إلى الحكم الأردني، واعتباره التهديد الرئيس الذي تواجهه منظمة التحرير، والثاني، التمسّك بوضع المناطق المحتلة تحت الوصاية الدولية فترة زمنية غير محددة، يقوم بعدها الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره.
تلك كانت أولى الخطوات، إلّا أنّ المسار الذي جاء بعدها قد اختلف عنها، وتم توريط المنظمة بالتدريج بقبول ما كانت ترفضه، وهو ما ستكشف مراحله كلها الوثائق.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 42 / 2165601

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام الموقف  متابعة نشاط الموقع معين الطاهر   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2165601 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 20


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010