الجمعة 3 تشرين الثاني (نوفمبر) 2017

مئوية الانجليز وبلفورهم

الجمعة 3 تشرين الثاني (نوفمبر) 2017

- وعد بلفور .. ومئوية المصالح المشؤومة

بلال خليل ياسين

قبل مائة عام من تاريخ هذا اليوم لم أكن مولوداً، ولم يكن جدي الذي أنجب والدي قد ولد أصلاً، لكنَّ الأنانية المقيتة، والمصلحة العمياء، والتزوير الكاذب، والانتقام الحقير كان قد ولد وكبر، وأصبح قوياً يصول ويجول باسم الإنسانية التي لا يُماري فيها عاقل، ولا يُكذّب نقاءها إلا جاهل.

قبل مائة عام من تاريخ هذا اليوم أرسل آرثر بلفور -وزير الخارجية البريطانية- إلى اللورد روتشيلد -أحد زعماء الحركة الصهيونية- رسالة مفادها أنَّ “حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية”.

إن المتتبع للسياق التاريخي لهذا الوعد المشؤوم يجد أنَّ بريطانيا القوية آنذاك كان لها الكثير من المصالح الداخلية والاستعمارية– مستعمرة الهند وبلاد شرق آسيا وغيرها -التي دفعتها لقطع هذا الوعد عبر وزير خارجيتها آرثر بلفور، والتي تتلخص أهمها في المحاور الثلاثة التالية:

أولاً: المحور الديني المتمثل في الاتجاه البروتستانتي والذي كان يُؤمن بالعهد القديم الذي ينص على ضرورة عودة اليهود إلى فلسطين، وإقامة هيكلهم المزعوم.

ثانياً: المحور السياسي الذي كان يبحث عن مندوب حقيقي في الشرق الأوسط؛ حتى يحافظ على مصالحه الاستعمارية والطرق المؤدية إليها.

ثالثاً: المحور اللاسامي المتمثل في الجهة التي كانت تدعو للتخلص من اليهود بأي شكل من الأشكال؛ لما يُشكلونه من خطر حقيقي على العرق البريطاني وأصالته الكبيرة.

ولا شك أنَّ الحركة الصهيونية التي أسسها تيودور هرتزل عام 1897م أدركت جيداً طبيعة هذه المحاور فعملت على تعزيزها، وتوفير البيئة الضاغطة لتحقيق أطماعها في فلسطين، فطافت على باباوات الكنيسة لترسيخ الفكرة الدينية، وقدمت نفسها كحارس قوي لمصالح الدول الأوروبية عموماً ومصالح بريطانيا خصوصاً، وعززت من هجرة اليهود إلى بريطانيا؛ لاستفزاز المحور اللاسامي من أجل الضغط على الحكومة لحل أزمة اليهود، وتوفير وطن قومي لهم، ولم يتوقف إدارك الصهيونية عند هذا الحد بل فهمت موازين القوى الجديدة التي كانت كفتها تتجه نحو الولايات المتحدة الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية؛ لذلك عملت بكل طاقتها لترتيب العلاقات مع أمريكامن أجل مشروعها البغيض، وفعلاً نجحت الحركة الصهيونية في استمالة القوة الكبيرة لمصالحها الخاصة، من خلال المال ومجالاته المتعددة، وكذلك من خلال اللوبي الصهيوني الذي يملك القدرة المميزة في حسم الانتخابات الأمريكية واتجاهاتها المختلفة.

هذه الوسائل وغيرها دفعت أمريكا لأن يكون لها دوراً مميزاًفي وجود دولة إسرائيل على أرض فلسطين، وهذا ما عبّر عنه أول رئيس وزراء لدولة إسرائيل عندما أشاد بأمريكا ودورها المميز في تذليل العقبات، وتوفير الإمكانيات من أجل قيام الدولة الإسرائيلية، فقال: “إن الولايات المتحدة الأمريكية لعبت دوراً حاسماً في الحرب العالمية الأولى،وكان لليهودية الأمريكية دورها في صدور وعد بلفور”.

إنَّ هذا الوعد التاريخي المشؤوم الذي قطعته بريطانيا على نفسها ما زال محط افتخار من قبل حكومة بريطانيا الحالية والتي عبّرت عنه رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي خلال جلسة لمجلس العموم البريطاني أن بلدها ستحتفل بـ“فخر” بالذكرى المئوية لصدور وعد بلفور، وقالت: “إننا نشعر بالفخر من الدور الذي لعبناه في إقامة دولة إسرائيل،ونحن بالتأكيد سنحتفل بهذه الذكرى المئوية بفخر”.

كما أنَّ هذا الافتخارلم يقتصر على خطبة هنا وهناك بل تُرجم إلى أفعال متواصلة بين الكيان الصهيوني وبريطانيا، التي لم تقطع دعمها لإسرائيل طوال السنوات الماضية، وذلك من خلال التجارة العسكرية والمصالح المالية، وهذا ما ينطبق تماماً على الولايات المتحدة الأمريكية ودورها الفعال في دعم إسرائيل بالمعدات القتالية والمبالغ المالية العلنية، واستخدام حق النقد الفيتو من أجل الدفاع عن هذه الدولة المزعومة، فقد كشف تقرير الكونجرس الأمريكي عام 2014م عن حجم المساعدات المالية والعسكرية ، والتي كان أبرزها ما تم الاتفاق عليه في عام 2007م حيث أنشأت إدارة بوش حزمة مساعدات عسكرية لإسرائيل تمتد لـ10 سنوات، بمقدار 30 مليار دولار للسنوات المالية 2009 وحتى عام 2018.

وقد وفت ميزانيات إدارة أوباما بهذا الالتزام،فخصصت 3.1 مليار دولار للعام المالي 2014،ونفس المبلغ المطلوب للعام المالي 2015.

هذا الدعم المتواصل لإسرائيل من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا يدل دلالة واضحة على نجاح الاحتلال الصهيوني على أن يبقى لاعباً مهماً في منطقة الشرق الأوسط، وحارساً أمنياً لمصالح الدول الكبرى، وفي المقابل يعكس صورة غير مرضية عن أداء ممثلي الحق الفلسطيني في الدفاع عن حقوق الشعبالفلسطيني وقضيته العادلة، وفي كشف الوجه الحقيقي لهذا المحتل الغاصب، وفي تقديم الحلول التي تفي معرفة المفاتيح الرئيسة التي تجعل من دولة الاحتلال

بالتأكيد نحن لا نُنكر جهود الدبلوماسية الفلسطينية في الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني وقضيته الكبيرة،ولا نُنكر جهد الجاليات الفلسطينية ومؤسساتها المختلفة في بريطانيا وغيرها من أجل دعم القضية الفلسطينية ومكانتها العادلة، والتي كان من نتائجها وقوف العديد من الشخصيات البريطانية وبعض المؤسسات الفاعلة مع فلسطين وحقها المشروع في الحرية والاستقلال، غير أننا أمام عدو يملك من الإمكانات ما يجعل يده تصل إلى صانعي القرار في كل مكان؛ لذلك فإننا بحاجة ماسة إلى توحيد الجهود المبذولة في هذا الاتجاه، والعمل الجاد من أجل تحقيق الهدف المنشود بأقصر الطرق الممكنة.

كما أننا بحاجة إلى تطوير الوسائل والأساليب التي من شأنها أن تجعل الاحتلال الصهيوني عبئاً على المجتمع الدولي، وهذا لن يتأتى إلا إذا أحدثنا اختراقاً وازناً في المنظومة الدولية الكبرى، وأوجدنا مساحة جيدة من المصالح المؤثرة، التي تجعل الصهاينة ودولتهم المزعومة في مهب الريح.

وبالرغم من ألم السنوات، ومرارة العذابات، وقلة الإمكانيات إلا أننا مؤمنون بأنَّ فلسطين سترجع لأصحابها، وأنَّ العدو الصهيوني سيندحر عن أراضيها المباركة، وأنَّ التاريخ لن يرحم أولئك الذين وقفوا مع الحركة الصهيونية من أجل مصالحهم الأنانية، وأطماعهم الاستعمارية.

- بريطانيا .. من فخر العار إلى عار الفخر

حمدي فراج

كان يمكن ان نشعر بفخر اعتذار الوفد البريطاني من ستين شخصا الذي حضر إلى فلسطين، أكثر بكثير مما شعر به نتنياهو إزاء الاحتفال الذي تحييه الحكومة البريطانية في الذكرى المئوية على الوعد المشؤوم .
لقد حضر الوفد إلى فلسطين لتقديم الاعتذار مشيا على الأقدام، قادما من بريطانيا على مدار خمسة أشهر عبر إحدى عشرة دولة، في حين يسافر نتنياهو إلى بريطانيا بدعوة رسمية.

اشتغل أعضاء الوفد سنة كاملة لكي يوفروا نفقات زيارتهم النوعية إلى فلسطين، نوعية الهدف المتمثل في براءتهم والشعب البريطاني من الوعد، وتقديم الاعتذار للشعب الفلسطيني، ونوعية الشكل حيث قدموا سيرا على الأقدام ووصلوا قبيل حلول الذكرى المئوية، وكان الاعتذار بحد ذاته نوعيا، متخطيا الالتقاء بمسؤولين في ردهات فندق، بل في شارع الشهداء بالخليل، وتعرضوا لاعتداءات المستوطنين والجنود الذين أصبحوا ما هم عليه اليوم بفضل وعد جدهم، وها هم أحفاد الممنوحين يعتدون على أحفاد المانح، ذلك يؤكد صحة ودقة القول الفلسطيني المأثور عن الوعد: «من لا يملك أعطى من لا يستحق».

كان يمكن أن تكون مقاطعة زعيم حزب العمال البريطاني جيرمي كوربين للاحتفال، بمنزلة إشارة صاخبة أن هذا الحزب التاريخي الذي تربع على عرش بريطانيا مئات السنين، قد قلب ظهر المجن للجرائم التي ارتكبها ودولته ضد الإنسانية عموما وضد شعبنا الفلسطيني حتى لو بعد مئة عام على صك الوعد. لكن كيف يمكن التواصل الرسمي مع هذا الحزب، وقد قاطع سفيرنا في لندن مؤتمر الحزب الذي عقد نهاية الشهر الماضي في برايتون؛ لأن المؤتمر تجاهل توجيه الدعوة للسفير السعودي بسبب دورها في الحرب على اليمن.

كان يمكن أن يكون وقع احتفال بريطانيا بالوعد، أقل وطأة على شعبنا، لو لم تقرنه رئيسة الوزراء بالفخر، فخر العار بتشكيل كيان عنصري استعماري استيطاني إحلالي تلمودي، ارتكب عشرات المجازر بحق الأبرياء، تشريد شعب بأكمله وتحويله إلى لاجئين، شن عشرات الحروب وزرع منطقة كاملة بالتجسس والخوف والاغتيال والاعتقال والهدم والسلاح النووي، فخر العار بأن إسرائيل هي آخر احتلال في التاريخ، التي قال عنها العالم الذري اليهودي ألبرت أنشتاين عندما عرضوا عليه رئاستها، إنه لا يقبل أن يصبح رئيسا لدولة ستفنى ذات يوم. فخر العار الذي لاحق بريطانيا مئة عام قابلة للتمديد مئة عام أخرى بعد ان حولته تيريزا ماي إلى عار الفخر.

لو لم يكن بلفور ووعده، لما كانت مجزرة كفر قاسم التي يحيي أبناؤها هذه الأيام ذكراها الحادية والستين، ولما كان محمود درويش ليقول فيها: يا كفر قاسم/ إنني عدت من الموت لأحيا وأغني/ فدعيني أستعر صوتي من جرح توهج/ وأعينيني على الحقد الذي يزرع في قلبي عوسج/ إنني مندوب جرح لا يساوم/ علمتني ضربة الجلاد أن أمشي على جرحي/ وأمشي ثم أمشي وأقاوم.

- الخليج العربي وفلسطين في ذكرى وعد بلفور

محمد المسفر

رغم همومنا وما يحيط بنا من قوى تتربص بمصيرنا وبمستقبل أجيالنا في خليجنا العربي، وما نعانيه في قطر من حصار الأهل والأشقاء الخليجيين، إلا أننا لن ننسى آلام وأحزان وجراح أهلنا في فلسطين، ولا يمكن أن يمر علينا يوم ذكرى وعد بلفور المشؤوم دون التوقف عنده، ونذكر شبابنا وأجيالنا القادمة بما آل إليه الحال جراء ذلك الوعد المشؤوم، فإن كنا لم نستطيع لأسباب وأسباب أن نسترد ما سلب منا أرضا وموارد وسيادة ومقدسات، فلا يجب السكوت بل من واجبنا أن نغرس في أذهان أجيالنا القادمة جيل بعد جيل أن من حقهم استرداد ما عجز عن استرداده الحكام العرب في ذلك الزمان.

اليوم، يمر على صدور وعد بلفور في الثاني من نوفمبر الحالي مائة عام، وينص ذلك الوعد المشؤوم على “أن الحكومة البريطانية تلتزم إنشاء وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين وأنها سوف تبذل جهودها لتسهيل تحقيق هذا الهدف”، وقد تحقق الهدف المنشود، وقامت دولة إسرائيل في فلسطين عام 1948. ولتذكير جيل الشباب العربي فإن اللورد أرثر بلفور كان وزير خارجية بريطانيا في ذلك العام 1917 م.

(2)

الغريب أن كتب التاريخ العربي المعاصر تركز فقط على دور بريطانيا في إيجاد وطن قومي لليهود في فلسطين وتنسى الدور الفرنسي، والحق أن الداعية الأول والإستراتيجي الرهيب (نابليون بونابرت) هو أول من فكر في إيجاد ذلك الوطن وتمثل فكره في استعمال ظاهرة الوطنية اليهودية والأحلام التوراتية للمطالبة بوطن قومي لليهود إنقاذا لهم من الشتات، وبذلك يتحقق له مجموعة من الأهداف، أهمها: الإفادة من اليهود في صراعه مع بريطانيا، وتوجيه الهجرات اليهودية القادمة من روسيا القيصرية وأوروبا الشرقية نحو أوروبا الغربية إلى اتجاه جديد، وهو فلسطين. لقد وجه بونابرت خطابا إلى اليهود جاء فيه: “من نابليون بونابرت القائد الأعلى للقوات المسلحة للجمهورية الفرنسية في إفريقيا وآسيا، إلى ورثة فلسطين الشرعيين، أيها الإسرائيليون، أيها الشعب الفريد، الذي لم تستطع قوى الفتح والطغيان أن تسلبه نسبه ووجوده القومي، وأن كانت قد سلبته أرض الأجداد. انهضوا بقوة أيها المشردون في التيه، إن فرنسا تقدم لكم يدها الآن حاملة إرث إسرائيل، وهي تفعل ذلك في هذا الوقت بالذات، ورغم شواهد اليأس والعجز، (.....)” (محيي الدين سليمان المصري، العمل العربي المشترك).

ما أردت قوله هنا أن هناك أكثر من يد ساعدت وعملت وتغاضت عن هجرة اليهود إلى فلسطين وأخرها قيام الكيان الإسرائيلي بشكله الراهن.

(3)

نلاحظ أن نابليون بونابرت في دعوته لليهود بالهجرة إلى فلسطين كان هدفه الجوهري إبعادهم عن فرنسا على وجه التحديد وأوروبا الغربية على وجه العموم إلى جانب استغلالهم ضد بريطانيا العظمى لصالح فرنسا. كذلك نجد أرثر بلفور نفسه أكثر الناس كرها ومعارضة لليهود، وكان دائم الهجوم عليهم، وقام بإصدار تشريعات بعد توليه رئاسة الوزراء للحد من هجرة اليهود إلى بريطانيا لخشيته على بلاده من شر هذه الهجرة.

لويد جورج، رئيس وزراء بريطانيا كان لا يقل كرها لتلك الجماعات، ومن قبلهم تشامبرلين الذي قام بإصدار وعد بلفور لإقامة وطن لليهود في شرق إفريقيا، ونلحظ أن كل من أيد وأسهم باستيطان اليهود في فلسطين كانوا يريدون الخلاص من وجودهم في بلادهم.

ونستدعي في هذه المناسبة خطاب أحد أبطال التحرير في أمريكا بنجامين فرانكلين الذي ألقى خطابا في المجلس التأسيسي لإقرار الدستور الأمريكي عام 1789 في فيلادلفيا قال: أيها السادة لا تظنوا أن أمريكا نجت من الأخطار بمجرد إعلان الاستقلال. فهي ما زالت مهددة بخطر جسيم لا يقل خطورة عن الاستعمار، وهذا الخطر سوف يأتينا من جراء تكاثر عدد اليهود في بلادنا، أن اليهود بمجرد تمركزهم في أي بلد يعمدون إلى القضاء على تقاليد ومعتقدات أهلها وقتل معنويات شبابها بفضل سموم الإباحية واللاأخلاقية أنهم أسرع إلى استنباط الحيل لمنافسة مواطنينا والسيطرة على البلاد اقتصاديا وماليا، أني أناشدكم بأن تسارعوا إلى طرد هذه الطغمة الفاجرة من البلاد قبل فوات الأوان".

(4)

رغم ما يعلمنا التاريخ وما تذكرنا أحداثه إلا أننا في خليجنا العربي لا نعتبر من التاريخ ودروسه، إذا أنحيت باللائمة على الآباء والأجداد من الحكام لكونهم لم يتلقوا تعليما أكاديميا ولم يتفرغوا لدراسة أحوال الأمم فما عذر حكام الخليج الجدد الذين يعادي بعضهم بعضا ويتسابقون لاسترضاء إسرائيل بل ويجاهرون به، رأيتم أعلاه حكام بريطانيا على اختلاف اتجاهاتهم الحزبية وكذلك الفرنسيين يعملون بكل جهودهم لإبعاد اليهود عن مجتمعاتهم وكذلك الأمريكان، وأنتم يا حكامنا الميامين تتسابقون نحوهم أنهم لا يريدون بكم خيرًا، أنهم سيفسدون عليكم كل إنجازات آبائكم وأجدادكم من قبل فلا تضنوا بهم وبمن والاهم ضنا حسنا.

آخر الدعاء: يا رب ارزقنا قيادات صالحة تدفع عنا الشرور وتوحد صفوفنا وتجعل كلمتنا هي العليا على كل البغاة.

يا رب لا تولي علينا من لا يخافك ولا يرحمنا وانصرنا على من عادنا.

- الذكرى المئوية لوعد بلفور: نحو استراتيجية نضالية تتجاوز الاحتفالية والماضوية

قاسم قصير

في الذكرى المئوية لوعد بلفور البريطاني (الثاني من تشرين الثاني/ نوفمبر 1917) والذي مهّد لقيام الكيان الصهيوني على ارض فلسطين، شهدنا ونشهد الكثير من المؤتمرات والندوات والاحتفالات والأنشطة من أجل دراسة أبعاد هذا الحدث التاريخي ودلالاته، كذلك دعوات ونشاطات للمطالبة باعتذار بريطاني عن هذا الحدث الخطير، لكن المسؤولين البريطانيين رفضوا ذلك.

كما أطلقت في هذه المناسبة دعوات واقتراحات من أجل الاستمرار في المقاومة، لتحقيق الوعد الإلهي بهزيمة المحتلين من الصهاينة لفلسطين، وعودة الشعب الفلسطيني إلى أرضه، ورفض كل أشكال التسويات والصفقات التي تهدف لتكريس التطبيع مع العدو الصهيوني أو تصفية القضية الفلسطينية.

الكثير من المؤتمرات والندوات والأنشطة من أجل دراسة أبعاد هذا الحدث التاريخي
ودلالاته.. ودعوات ونشاطات للمطالبة باعتذار بريطاني عن هذا الحدث الخطير

وفي بيروت يقام مؤتمر عالمي للاتحاد العالمي لعلماء المقاومة؛ تحت عنوان “الوعد الحق، فلسطين بين وعد بلفور والوعد الإلهي”. ويحضر المؤتمر مئات العلماء والمفكرين من مختلف الدول العربية والإسلامية. كما يستعد المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج ومركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، بالتعاون مع المركز العربي الدولي للتواصل والتضامن، لعقد مؤتمر موسع تحت عنوان “وعد بلفور: مئوية مشروع استعماري.. أي مستقبل للمشروع الصهيوني؟!”، وذلك يوم الجمعة 17 تشرين الثاني/ نوفمبر.

كما تشهد بيروت، ومدن عربية وإسلامية، نشاطات متنوعة - فكرية وفنية وسياسية وشعبية - حول هذه المناسبة، ومنها مؤتمر شعبي موسع في الكويت؛ لمواجهة التطبيع مع العدو الصهيوني، فبدعوة من حركات المقاطعة ومقاومة التطبيع مع الكيان الصهيوني في الخليج العربي يعقد المؤتمر الأول في الكويت، تحت رعاية رئيس مجلس الأمة الكويتي مرزوق الغانم، وباستضافة الجمعية الثقافية الاجتماعية النسائية، في تاريخ 17 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017 في الكويت.

ويناقش المؤتمر عددا من المواضيع والتحديات التي تواجه حركات مقاطعة الكيان الصهيوني في الخليج العربي، وسبل تعزيز وتكثيف حملات المقاطعة بشكل فعال وممنهج، بالإضافة إلى توعية شباب المنطقة بالنضال العربي الفلسطيني المشترك، وأهمية المقاطعة وكيفية المساهمة فيها.

ويسعى المؤتمر لإبراز مخاطر التطبيع، ويؤكد على دور شعوب المنطقة في الدفاع عن أوطانها من مطامع المشروع الصهيوني؛ الذي يهدد المنطقة العربية كافة، وعلى مختلف المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية.

كل هذه الأنشطة والتحركات تعتبر خطوة مهمة من أجل دراسة ما جرى خلال المئة العام الماضية على صعيد القضية الفلسطينية، وأين أصبح وعد بلفور، وكيفية استكمال النضال والمقاومة. لكن المشكلة التي تواجه معظم هذه الأنشطة؛ أنها تتسم إما بطابع احتفالي بكائي ماضوي؛ يستعيد التاريخ والماضي وماذا حصل خلال تلك المرحلة، أو أنه يتصف بالاحتفالية والخطابية وإطلاق المواقف حول دعم المقاومة والشعب الفلسطيني. لكن لا نجد في المقابل من يجلس في غرف مغلقة، من باحثين ومخططين وقادة، من أجل وضع خطة عمل من أجل تحقيق الوعد الإلهي، واستعادة كل فلسطين وعودة الشعب الفلسطيني إلى أرضه المحتلة.

بعد مئة عام على إطلاق وعد بلفور، نحتاج إلى مؤتمر
عربي - إسلامي قادر على وضع استراتيجية محددة وواضحة

لكن بعد مئة عام على إطلاق وعد بلفور، وما جرى خلال كل هذه السنوات من أحداث وحروب ومقاومات ومفاوضات ومعاهدات ومجازر، نحتاج إلى مؤتمر عربي - إسلامي قادر على وضع استراتيجية محددة وواضحة؛ في كيفية تحقيق الوعد الإلهي بهزيمة الصهاينة وعودة الشعب الفلسطيني إلى أراضيه المحتلة.

نحتاج اليوم إلى مراجعة شاملة ونقدية لكل ما جرى في السنوات
المئة التي انقضت على وعد بلفور، وتحديد أين أخطأنا وأين أصبنا

نحتاج اليوم إلى مراجعة شاملة ونقدية لكل ما جرى في السنوات المئة التي انقضت على وعد بلفور، وتحديد أين أخطأنا وأين أصبنا، وما هي نقاط القوة ونقاط الضعف، كي نضع استراتيجية مستقبلية، ولو لمئة عام مقبلة، نحقق من خلالها الأهداف التي نسعى إليها من تحرير للأرض، وإقامة الدول العادل التي تؤمن التنمية والحرية والسلام لكل شعوب المنطقة والعالم.

- يسقط «بلفور» ومعه الجهل.

علي قباجة

في الثاني من نوفمبر من كل عام، وعلى مدى مئة عام، تضجّ الأراضي الفلسطينية وبعض الدول العربية بمظاهرات تطالب بإسقاط وعد «بلفور» المشؤوم، وبالعودة إلى البدايات، فقد ترددت بعض النوادر والنكات على ألسنة الناس في وصف التحركات الثورية ضد هذا الوعد، ليشيروا إلى أن ثمة مظاهرات كانت تخرج لتهتف «يسقط وعد بلفور»، ولكن كان ثمة بعضٌ يشارك بها دون علم لماذا ولأجل ماذا، فكانوا يرددون «يسقط واحد من فوق»؛ أي على وزن الهتاف «يسقط وعد بلفور»، بعد أن تعذر عليهم فهم الشعار المردد في المظاهرة.
هذه الطرفة حضرت إلى الأذهان بعد الأزمة الثقافية التي أصبحت في أوجها، والتعبئة الوطنية التي تعاني هشاشة كبيرة تهدد الوعي الفلسطيني ومن خلفه العربي، وهذا يدفعنا أيضاً إلى استحضار مقولة جولدا مائير رئيسة وزراء الكيان في أواخر ستينات القرن الماضي، عندما زعمت أن الكبار سيموتون والصغار سينسون، فهل فعلاً مقولتها بدأت بالتحقق؟
قبل أيام قليلة أجرت قناة تلفزة فلسطينية استطلاعاً في الشارع الفلسطيني، يسألهم المذيع عن معرفتهم بوعد «بلفور»، فكانت الإجابات صادمة، حيث أظهروا جهلاً كبيراً في هذه الذكرى المفصلية، والتي كانت سبباً في ضياع فلسطين ومنح «إسرائيل» وطناً لا يملكونه. إجاباتهم لا بد من الوقوف عندها مطولاً والبحث في بواعثها، فلطالما اعتز الفلسطيني بعلمه وثقافته في مواجهة «إسرائيل» ومخططاتها التغريبية التي هدفت إلى كي الوعي الفلسطيني، فمن يتحمل وصول التردي الثقافي إلى هذه المراحل السفلى؟ وأي نضال يمكن خوضه مع كيان غاصب، من دون امتلاك حدود دنيا من المعرفة التاريخية؟! فنضال دون وجهة وأفق وقاعدة علمية، ما هو إلا انتحار ومعركة خاسرة ستفرغ الساحة للصهاينة، وتمنحهم ما تبقى لفلسطين على طبق من جهل.
البواكي على ما وصل إليه عقل العربي لا بد أن تسبق البكاء على ما سرق منه. فإذا كان صاحب الشيء لا يعلم أساسيات قضيته، فكيف يمكن انتزاع وطن محرر؟! فالأولوية الآن التي تقع على عاتق أصحاب الشأن هي بث الروح في المسيرة التعليمية، وتعميق الانتماء الوطني، عبر برامج تربوية مكثفة تعرّف بأبرز مراحل التاريخ الفلسطيني، وتبين تسلسل الأحداث والمؤامرات التي حيكت على الشعب الفلسطيني وجردته من حقوقه.
الانتفاضة الحقيقية التي يحتاج إليها الفلسطينيون هي الانتفاض على الضعف والارتكاس، فتقوية الجبهة الداخلية هي خير سلاح من الممكن أن تواجه به الغطرسة «الإسرائيلية»، ومن خلفها تبجح المتآمرين ومانحي الوعود الظالمة. فالأفضل الآن هو بناء بيت داخلي متين، ومن ثمّ صياغة برنامج نضالي ثابت لمواجهة الغطرسات الصهيونية، وتحطيم المكائد التي حيكت على فلسطين والعرب.

- من وعد بلفور إلى الوعد الإلهي

زهير ماجد

كأنما يعيش الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله ماقاله المتنبي ذات يوم ” أنام ملء جفوني عن شواردها”، رغم الكلام الحامي بقرب قيام إسرائيل بحرب ضد حزبه، إضافة إلى التهديدات التي يتلقاها من اكثر من طرف. بل ان حزب الله يذهب بعيدا ليبدأ اليوم الاربعاء مؤتمر ” علماء المقاومة ” تحت عنوان ” من وعد بلفور إلى الوعد الإلهي” ويقال إن كلمة رئيس المؤتمر الشيخ ماهر حمود ستكون مثيرة عن كيفية نهاية إسرائيل كما جاء في الوعد الالهي.
ثمة احتقان كبير حول حزب الله، الأمر الذي يتكرر دائما سواء بكلام ساخن من قبل اسرائيل او بدون كلام، لكن الحزب يعتبر ان الحرب قد تقع في اية لحظة، وهو لذلك متنبه بل ومستنفر على مدار الوقت، وفي احد اللقاءات مع كادر كبير من كادراته، وبعد ان خرج عن صمته، الصمت امر لدى كل كوادر الحزب، اكد ان لدى حزبه في سورية تشكيل من القوى الخاصة وغيرها، لكن الأهم من تلك القوات مازال مرابطا في لبنان استعدادا لمعركة المصير الكبرى التي ستؤرخ بانها اهم واعنف معارك التاريخ، وربما سيكون على نتائجها تداعيات الوعد الآلهي المنتظر.
كل شيء تغير في المنطقة، من يعتقدون انها مازالت على حالها لايحسنون قراءة المتغيرات ولم يتعرفوا بعد على تفاصيلها الجديدة .. ليس الدمار هو المشهد الجديد، وانما تدمير المؤامرة على سورية، ومن يقرأ تصريحات من هذا القبيل يعرف كم كانت قاسية الحرب الكونية على سورية، ولهذا نقول للاخوة السوريين، عليكم ان تقيموا اعراس نصر في كل دقيقة من عمركم، وان تسمحوا لنا بطلب بسيط ان تمنعوا مايسمى بالمعارضة في الخارج من حلم العودة ذات يوم او ساعة او دقيقة الى سورية، هؤلاء الشذاذ الذين اثروا من كثرة ماانهال عليهم من اموال المؤامرة ليكونوا ذات يوم من بدايتها مستعدين للرقص في ساحة الامويين كتفا الى كتف مع نتيناهو.
حزب الله مازال ينجز في سورية معارك اختباراته، اما عينه الاساسية على المعركة الفاصلة في لبنان التي ستكون زلزال المنطقة، وزلزال التاريخ ، والمدخل الى قهم جديد لعالم متغير ، تكون فيه القضية الفلسطينية قد تقدمت من جديد الى حقائقها التي خسرتها عبر سنين طأطأة الرؤوس ، والمنطقة بأسرها على شكل جديد لايمت بصلة إلى ماكان ..
اليوم نسمع في مؤتمر علماء المقاومة في بيروت، تلك الكلمة المتفجرة التي يقال ان الشيخ ماهر حمود سيقولها اعتمادا على التاريخ حتى اليهودي. ثمة امر مهم في هذه المناسبة، ان هنالك مايشبه الاعتقاد الى حد الجزم بان اسرائيل تعيش آخر سنواتها، ربما بشر بذلك ايضا هنري كيسنجر الذي قال بان نهايتها ستكون في العام 2020 … وحتى الرأي الروسي لايختلف بعدد السنين ايضا عن ذاك.
لم يعد هنالك مايخيفه الكيان الاسرائيلي وان كان البعض العربي مازال يعيش رهبة مستمدة من واقع قديم تغير برمته، اضافة الى مايبثه حتى بعض العرب عن قوة اسرائيل كي يظل الخوف سائدا في الوسط العربي. حتى ان ابسط الناس يرددون اليوم، وماذا سيفعل الطيران الاسرائيلي غير تدمير البنى، المهم من يقف في الساحة، فيجيب مقاتل من حزب الله ، سنحتل الجليل وهذا وعد وامر مقدس وسيتحقق، وستكون هنالك معارك ومطاردات في المستعمرات الاسرائيلية، المعركة عندهم وليس في الاراضي اللبنانية كما يضيف وسيتغير العالم.

- «بلفور».. التحدي الاستعماري والاستجابة العربية

علي فرسخ

في الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني 1917 وجه وزير الخارجية البريطاني اللورد بلفور رسالة، على الورق الرسمي لوزارته إلى اللورد روتشيلد، زعيم البرجوازية اليهودية الإنجليزية وراعي الحركة الصهيونية، تضمنت ما نصه: «إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى إنشاء وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وسوف تبذل قصارى جهدها من أجل تسهيل تحقيق هذا الهدف، على أن يكون مفهوماً وواضحاً أنه لن يتخذ أي عمل يجحف بالحقوق المدنية والدينية للطوائف غير اليهودية التي تعيش حالياً في فلسطين، أو بالحقوق والوضعية السياسية التي يتمتع بها اليهود في أي دولة أخرى».
وبإقرار الوزارة البريطانية للوعد فور صدوره، فإنه يُعبر عن قرار رسمي بريطاني، وليس المسؤول عنه فقط الوزير الذي أصدره. فضلاً عن أن الوعد إنما صدر في اتساق مع الاستراتيجية التي اعتمدها بالمرستون في أربعينات القرن التاسع عشر بعد دحر جيش مصر بقيادة إبراهيم باشا من بلاد الشام، مستهدفاً كبح فعالية مصر القومية، وكان قد حدد أبعادها مؤتمر القوى الاستعمارية الأوروبية برئاسة رئيس وزراء بريطانيا بنرمان سنة 1907 الذي قرر أن الخطر الذي يهدد الاستعمار الأوروبي يكمن في وحدة الوطن العربي وتقدمه، وفيه تقرر إقامة «إسرائيل» في فلسطين ليشكل فاصلاً بين جناحي الوطن العربي مانعاً وحدتهما.
دول الحلفاء الأربع، في الحرب العالمية الأولى، أيدت وعد بلفور والتزمت مضمونه. وعليه غدا وعداً دولياً ملتزمة به حكومات الدول الأربع وليس بريطانيا فقط. ما يعني أن حكومات الدول الاستعمارية اتفقت على ما يلي:

1 - الاعتراف باليهود كشعب له حقوق سياسية يجسدها الالتزام بالعمل على إقامة «الوطن القومي» اليهودي في فلسطين، والتزامها بذل قصارى جهدها لتنفيذ ذلك.
2 - الإقرار بأن لليهود حيثما وجدوا في العالم حقوقاً سياسية وقانونية لا يجوز المساس بها.
3 - اعتبار الشعب العربي الفلسطيني، صاحب الوجود الطبيعي والتاريخي في وطن آبائه وأجداده، مجرد طوائف غير يهودية موجودة «في فلسطين»، دون بيان لطبيعة هذا الوجود.
وليس أدل على مدى مجافاة وعد بلفور للموضوعية من قول بلفور سنة 1919: «لقد انحازت الدول العظمى إلى جانب الصهيونية، فالصهيونية سواء كانت على حق أم لا، حسنة أم سيئة، متجذرة في تقاليد بعيدة، ولها حاجاتها الحاضرة وطموحاتها المستقبلية الأهم بكثير من رغبات سبعمئة ألف عربي يقيمون اليوم في هذه الأرض القديمة».

وفي 24 تموز/يوليو 1922 أصدرت عصبة الأمم صك انتداب بريطانيا على فلسطين، مضمنة إياه وعد بلفور.
ولقد واصلت حكومة الانتداب البريطانية دعم الهجرة والاستيطان الصهيونيين، والمساهمة في تطوير مؤسسات التجمع الاستيطاني ، السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ومنظمة الهاجاناة وتسليحها، وتمكينها من امتلاك صناعة سلاح متطورة.
وبالمقابل شكل وعد بلفور وصك الانتداب تحدياً للشعب العربي الفلسطيني، خاصة قواه الشعبية التي والت تصديها للغزاة ورعاة مشروعهم الاستعماري الاستيطاني العنصري، بكل وسائل المقاومة المشروعة. بما في ذلك الكفاح المسلح، الذي بلغ ذروته بثورة فلسطين الكبرى 1936 - 1939 في مواجهة الجيش البريطاني الذي بلغ أربعين ألفاً حينها، وقوات الهاجاناة والثورة المضادة. فضلاً عن الدفاع الطويل عن الأرض في مواجهة الإجراءات البريطانية وباعة الأرض والسماسرة. وعلى مدى سنوات الانتداب قدم شعبنا آلاف الشهداء والجرحى والمعتقلين، بحيث ظلت فلسطين غداة عرض القضية على الأمم المتحدة سنة 1947 عربية الهوية. وهذا ما يؤكده إيلان بابيه، أشجع المؤرخين «الإسرائيليين» الجدد، وأكثرهم تمسكاً بالمبادئ، الذي يقول: «على الرغم من سياسات بريطانيا المؤيدة للصهاينة، والوجود المتنامي للأقلية اليهودية، فقد كانت فلسطين ولاتزال في نهاية الانتداب بلداً عربياً واضحاً جداً من ناحية هويته. فقد كانت الأراضي المزروعة جميعها تقريباً ملكاً للسكان الأصليين 5,8% منها فقط ملكيتها يهودية».
وفي تعقيب المؤرخ بابيه على إصدار قرار التقسيم يقول: «من الواضح أن الأمم المتحدة بقبولها قرار التقسيم تجاهلت كلياً التركيبة الإثنية لسكان البلد، ولو قررت الأمم المتحدة أن تجعل الأراضي التي استوطنها اليهود في فلسطين متناسبة مع حجم دولتهم العتيدة، ما كانت أعطتهم أكثر من 10% من البلد.
ما يعني أن المؤرخ «الإسرائيلي» الموضوعي يعتبر الأمم المتحدة مسؤولة تاريخياً وأدبياً عن الظلم الفادح الذي ألحقته بشعب فلسطين، كما عن العنف المتوالية حلقاته في فلسطين ومحيطها القومي على مدى السنوات السبعين التالية لإصدارها القرار 181 بتقسيم فلسطين.

- اللورد نورثكليف وبلفور

احمد جميل عزم

بحسب استطلاعات رأي متكررة تجريها شبكة BBC البريطانية، يظهر أنّ إسرائيل هي من أقل دول العالم شعبية في العالم، ففي اسبانيا مثلا كانت نسبة المستطلعة آراؤهم الذين يرون إسرائيل سلبياً في أوروبا، في العام 2012، هي 74 بالمئة في اسبانيا، وألمانيا 69 بالمئة، وبريطانيا 68 بالمئة، وفرنسا واستراليا 65، وكندا 59.
رغم ذلك لا تبالي الحكومة البريطانية، وتصرّ على الاحتفال بوعد بلفور، دون التوقف ملياً عند نتائج هذا الوعد الكارثية، منذ إطلاقه عام 1917، ومعاناة الفلسطينيين. بالعودة لمحاولات معرفة جذور وعد بلفور وصورته في بريطانيا، تبرز قصص ربما تحتاج للمزيد من التدقيق، حتى لا يجري تبنيها بتسرع، ولكنّ دراستها مهمة جداً.
لا يريد أي باحث أن يغامر بتبني روايات وتفاصيل دون يقين، لذلك من الطبيعي أنّ الباحثين الجادين، رفضوا مثلا، قصة تقرير كامبل بنرمان، التي باتت مشهورة، عن تقرير يحمل هذا الاسم، يتحدث عن مؤامرة استعمارية في مؤتمر استعماري عقد نحو الأعوام 1904- 1906 في بريطانيا، لزرع كيان غريب في العالم الإسلامي. وقد أدت أبحاث من أكثر من باحث متعمق لعدم العثور على أي دليل على وجود الوثيقة. ولكن هناك تفاصيل أخرى، يمكن أن يجدها الباحث عن تاريخ وعد بلفور وكيف عايشه البريطانيون، يمكن التحقق منها بطريقة أسهل من موضوع بنرمان أو غيرها.
إحدى القصص المتداولة في كتابات كُتّاب وباحثين بريطانيين لا يوجد بينهم عربي، هي الرواية عن إمبراطور الصحافة البريطانية مطلع القرن العشرين، ناشر ديلي ميل، التي كانت في حياته أكثر الصحف البريطانية توزيعاً، وكذلك كان ناشر ديلي ميرور، ومساهم أساسي في صحيفة “التايمز”، اللورد نورثكليف، واسمه الأصلي، ألفريد هارمسوورث (1865- 1922).
وبحسب عدة سير ذاتية منشورة عنه، فإنّه مات نتيجة تراجع صحته والمرض، وتحديداً مرض عقلي.
لكن بحسب عدة باحثين وكُتّاب، فإنّه القصة المختلفة، أنّ نورثكليف كتب أكثر من مرة معارضاً الصهيونية، وذهب إلى فلسطين عام 1922، مصطحبا معه الصحافي جوزيف جيفيريس، لتغطية “التجربة” الصهيونية هناك. وعاد نورثكليف، معارضاً جداً للحركة الصهيونية، وقال في مقال في التايمز، إنّنا أعطينا دون تفكير كافٍ فلسطين كوطن لليهود، رغم وجود 700 ألف عربي مسلم يعيشون فيها ويمتلكونها. والواقع أّن نورثكليف، رفض قبل ذلك الإقرار أن كتاب بروتوكولات حكماء صهيون، مزيف، طالباً التدقيق بالأمر.
يمكن لباحثين الآن، أن يعودوا للصحف التي كان يكتب بها نورثكليف للتأكد على الأقل من طروحاته.
يعتمد كثيرون على كتاب للصحافي دوغلاس ريد (1895- 1976)، الذي بدأ العمل في التايمز، في المرحلة الأخيرة من حياة نورثكليف، لرواية قصة نورثكليف بطريقة مختلفة. ومن المعجبين بريد، ويعتبره مرجعاً، الصحافي المصري الشهير محمد حسنين هيكل (1923- 2016). واتُّهم ريد كثيراً باللاسامية، لأنّه شكك في الأخبار والمعلومات التي كانت تنشر في المسألة اليهودية في أربعينيات القرن الفائت. وفي كتابه “جدل صهيون”، يخصص فصلا لنورثكليف، وكيف بذل محرر التايمز، بين عامي 1919 - 1922، ويكهام ستيد جهداً كبيراً، (وكان المساهمون الآخرون يدعمونه) لإثبات مرض نورثكليف العقلي، وفرض إقامة جبرية عليه في بيته، وكيف كان نورثكليف مقتنعاً أنّه قد جرى تسريب السم له، حيث مات فعلا في صيف1922.
قام الصحافي جيفريس، الذي صحب نورثكليف لفلسطين، بالعودة لفلسطين ليكتب كتاباً تفصيلياً، صدر فعلا في خريف 1939، كشف الكثير من أسرار الوصول لإعلان بلفور. ولكن حظ الكتاب لم يكن أفضل من حظ نورثكليف. فلا شك أن اندلاع الحرب العالمية الثانية حرف الاهتمام بقضية مثل فلسطين، وبالتالي عن الكتاب، رغم إشادة جمعيات أكاديمية وهيئات، مثل دورية “فورين أفيرز” الصادرة عن مجلس العلاقات الخارجية الأميركي به. ولكن أول غارة ألمانية نازية ضد أهداف بريطانية مدنية، نهاية العام 1940، استهدفت دور نشر منها “لونغمان” التي نشرت الكتاب، ودور نشر أخرى، ما أتلف عددا هائل من الكتب.
أعيد نشر كتاب جيفريس هذا العام، ما يشكل مناسبة، لا لفتح تاريخ وعد بلفور فقط، بل ومن عارضه من البريطانيين أيضاً



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 18 / 2177637

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

22 من الزوار الآن

2177637 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 20


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40