السبت 30 أيلول (سبتمبر) 2017

المسألة الكردية بعد الاستفتاء

السبت 30 أيلول (سبتمبر) 2017 par د. محمد نور الدين

يعود عمر المسألة الكردية في المشرق إلى ما يقارب المئة عام وربما أبعد. وبعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى انفجرت المشكلة سلباً على الأكراد، عندما تم توزيعهم بين أربع دول: سوريا وتركيا والعراق وإيران.
وكانت بداية الجلجلة الكردية حين انتفض الأكراد حيثما وجدوا من أجل مقاومة تقسيمهم وتشتيتهم، فكانت انتفاضات وثورات في تركيا والعراق وإيران. بل إنهم نجحوا لفترة قصيرة جداً في إعلان جمهورية لهم في مهاباد في إيران خلال الحرب العالمية الأولى. وكانت مقاومتهم في تركيا هي الأشرس والأكثر تقديماً للتضحيات ولايزالون حتى الآن.
لكن التحرك الكردي في العراق كان الأكثر إعطاء لنتائج تعكس تطلعات الشعب الكردي، فكان التدرج من الحكم الذاتي عام 1970، إلى إرساء أسس الكيان في التسعينات، وصولاً إلى الفيدرالية عام 2005.
وفي سوريا كان الحراك الكردي نوعياً، عندما نجحوا خلال أقل من ثلاثة أو أربعة أعوام في تشكيل حالة خاصة بدعم من الولايات المتحدة. وكادوا يسيطرون على كامل الشريط الحدودي المواجه لتركيا.
اليوم مع إصرار مسعود البرزاني رئيس إقليم كردستان على إجراء الاستفتاء والنتائج التي أعلنت بدعم كاسح لمطلب الاستقلال، تغيرت أجندات كل القوى المعنية بالمسألة الكردية في العراق وغير العراق.
الشعب الكردي جزء أصيل من شعوب هذه المنطقة، وجزء من تاريخ المسلمين ولعب دوراً بارزاً في التصدي للقوى الخارجية، وليس صلاح الدين الأيوبي سوى المثال الأبرز على ذلك.
وكما نالت دول صغيرة جغرافياً وسكانياً استقلالاً وأسست دولاً على امتداد العالم، فإن الأكراد يشعرون بأنهم يستحقون أن تكون لهم دولتهم يعيشون فيها بهويتهم الكاملة. وهذه نزعة إنسانية موجودة لدى كل القوميات في العالم ولا علاقة لها بمدى الرخاء. فها هي بلجيكا تعاني هذه النزعة، وها هي كتالونيا تريد الانفصال عن إسبانيا ولا ينقصها رخاء ولا حرية التعبير عن الهوية.
لكن، للمسألة الكردية المنفجرة الآن في العراق وجه آخر، وهو أن قيام الدولة الكردية يواجه ظروفاً غير مؤاتية تتيح لها أن تعيش بسلام مع جيرانها، خصوصاً أنهم جميعاً يعارضون إعلان الاستقلال، و أن الدعوة للاستفتاء جاءت في ظروف غامضة، حيث لايزال العراق يواجه الإرهاب، كما أن الظروف السياسية الداخلية لم تشف من الخلافات، بحيث بدا الأمر وكأن البرزاني يستغل الظروف العراقية الصعبة لتحقيق هدفه.
كما أن ما أحاط بالاستفتاء من مواقف وأخطاء متبادلة بين الأكراد وبين «جيرانهم»، كان الأكثر خطورة على مستقبل العلاقات بين شعوب هذه المنطقة.
الأول أن زعماء أكراد العراق لم ينجحوا في خوض معركة استقلال نظيفة؛ فالاجتماعات التي تكررت بين بعضهم وبين مسؤولين «إسرائيليين» في السنوات الماضية، والمهرجانات التي انعقدت في أربيل وشكر فيها الأكراد دعم «إسرائيل» لاستقلالهم، والأعلام «الإسرائيلية» التي ارتفعت في أماكن متعددة من كردستان العراق، والدعم العلني لرئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو للاستقلال من دون أي تعليق من جانب أربيل، كذلك عدم إنكار أكراد العراق رغبتهم في إقامة علاقات مع «إسرائيل» بعد إعلان الاستقلال، واجتماعات مسؤولين غربيين تابعين للوبي اليهودي في العالم مع مسؤولين أكراد في كركوك، كلها كانت تثير وعن حق ريبة الجوار الكردي في أن هذه الدولة الجديدة ستكون حتماً قاعدة «إسرائيلية» تعمل على تخريب وحدة الدول الأخرى في المنطقة.
لم ينجح الأكراد العراقيون في إدارة معركتهم، ولم يدركوا أن اللجوء إلى الشيطان ليس هو الطريق الموصل إلى حقوقهم.
على الأكراد أن ينظفوا أنفسهم من التعامل مع العدو «الإسرائيلي»، ولو كان بعض العرب، كما تركيا، لهم علاقات مع العدو، فهذا لا يشكل معياراً. وفي المقابل فإن على العرب والأتراك والإيرانيين ألا يروا في الشعب الكردي عدواً. فهو، كما هم، له الحق في العيش بحرية وكرامة، وهذا كله في إطار احترام الآخر، ومواجهة التهديدات المشتركة وأولها المشروع «الإسرائيلي» في المنطقة. أما وقد انتهى الاستفتاء فمحاسبة الذات ومراجعة الأخطاء - الخطايا وتصحيحها لدى كل الأطراف ، وحدها يمكن أن تحقق الاستقرار والسلام والأخوة والحرية والأمن للجميع.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 98 / 2165543

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

2165543 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010