السبت 30 أيلول (سبتمبر) 2017

ترامب وميراث العداء الأمريكي لروسيا

السبت 30 أيلول (سبتمبر) 2017 par الحسين الزاوي

يواجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، منذ تسلّمه مقاليد الحكم في البيت الأبيض مع بداية هذه السنة، تهماً تتعلق بصلاته المفترضة بروسيا، أثناء حملته الانتخابية التي شهدت تفجير فضيحة سياسية، تتعلق بتسريب معلومات حساسة تم الحصول عليها عبر قرصنة البريد الإلكتروني الخاص بالمرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون. وقد عملت المؤسسات الأمريكية المرتبطة بما يسمى بالدولة العميقة منذ بداية هذه السنة، على مواجهة خطط ترامب الهادفة إلى إحداث تغييرات عميقة على مستوى ثوابت السياسة الخارجية، وأسس العقيدة العسكرية الأمريكية التي ظل يتبناها البنتاجون منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، والتي يمثّل فيها العداء لروسيا جزءاً أساسياً من المنظومة الاستراتيجية والدفاعية للولايات المتحدة
. وبدا واضحاً أنه وعلى الرغم من الهدوء الحذر الذي شهدته العلاقات ما بين واشنطن وموسكو منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، وادعاء المؤسسة الأمنية الأمريكية أنها باتت منشغلة بمحاربة الإرهاب، إلا أن النخب السياسية الأمريكية الممسكة بالسلطة بقيت مقتنعة إلى حد كبير أن روسيا كانت وستظل الخصم الأكثر تهديداً للمصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة.
ويرى المراقبون للشؤون السياسة الدولية، أن وصول بوتين إلى قصر الكرملين مع بداية الألفية الجديدة، مثّل نقطة تحوّل رئيسية في أسلوب تعامل المؤسسة العسكرية الأمريكية مع التهديد الذي تمثّله روسيا على المصالح الأمريكية عبر العالم، لاسيما في منطقة أوراسيا، التي يجمع هؤلاء المراقبون على أن من يسيطر عليها يمكنه أن يصبح سيّد العالم بدون منازع. وعليه فقد حاولت واشنطن منذ التسعينات من القرن الماضي، تطويق موسكو من خلال العمل على توسيع حلف الناتو نحو الشرق، الأمر الذي دفع موسكو إلى التدخل في جورجيا، ثم بعد ذلك في أوكرانيا من أجل مواجهة الخطط الأمريكية الهادفة إلى محاصرتها عبر البوابة الشرقية لأوروبا.
ومن ثمة، فإنه من بداية سنة 2015 بدأت تلوح بوادر تحوّل كبير في طبيعة الصراع ما بين موسكو وواشنطن، حيث إنه وبعد سنوات من التراجع والضعف الروسي غلب عليها صراخ موسكو وتنديدها بممارسات واشنطن الساعية إلى محاصرتها وتهديد مصالحها، انقلبت الأوضاع وحدث فجأة تغيّر غير متوقّع مع تراجع سياسة الصمت الأمريكي فيما يتعلق بصراعها مع الخصم الروسي، عندما شرعت واشنطن في اعتماد أسلوب التهديد والوعيد، بداية مع تصريح الجنرال مارك ميلي في شهر يوليو/ تموز سنة 2015، الذي أكد فيه أن روسيا تمثّل أكبر تهديد للولايات المتحدة، ثم تصريح رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية جوزيف دانفورد خلال السنة الجارية، وإعلانه أن روسيا تمثّل التهديد الأعظم لأمريكا من بين كل دول العالم.
وفي السياق نفسه يذهب الكثير من متابعي الشأن السياسي الأمريكي، إلى التأكيد أن شكوك واشنطن المتعلقة بتدخل روسيا في مجريات الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة، جعل النخب العسكرية الأمريكية تخرج عن حصافتها ورصانتها السياسية، وتشنّ حملة تصعيد سياسي وعسكري غير مسبوقة في علاقتها مع روسيا منذ نهاية الحرب الباردة، ليمثل هذا التصعيد الجديد، امتداداً سياسياً طبيعياً للزلزال الجيوسياسي الذي أحدثه قيام روسيا بإلحاق منطقة شبه جزيرة القرم إلى سيادتها، وما نجم عن هذه الخطوة الروسية المفاجئة من اضطراب وتخبط كبير في الاستراتيجية الأمريكية والغربية التي تم رسم خطوطها العامة مع انهيار الاتحاد السوفييتي، من أجل احتواء طموح روسيا على المستويين الإقليمي والدولي. وبالتالي فإنه وبعد أن كان ترامب يعد العدّة من أجل فتح صفحة جديدة من العلاقات الهادئة مع روسيا، أجبره اللوبي العسكري والسياسي المعادي لموسكو على التخلي عن استراتيجية التهدئة والتطبيع مع روسيا، ووجد نفسه مرغماً على القيام بفرض عقوبات جديدة ضدها، حتى يدفع عن نفسه تهمة التخابر معها.
ومن السهل علينا أن نلاحظ عطفاً على ما سبق أن ميراث الكراهية الأمريكية لروسيا، الذي يعود بنا القهقرى إلى مرحلة الحرب الباردة، أسهم بشكل واضح في دخول الدبلوماسية الأمريكية في مرحلة خطرة من التشنّج السياسي، جعلتها تتبنّى خيار التصعيد مع كوريا الشمالية؛ وعمل اليمين الأمريكي بموازاة ذلك على إعادة إحياء أجواء التوتر مع كوبا ثم مع فنزويلا التي هددها ترامب مؤخراً باعتماد الخيار العسكري ضدها؛ كما عادت في السياق نفسه أجواء التوتر ما بين واشنطن وطهران بسبب إصرار ترامب على إعادة النظر في الاتفاق النووي الذي جرى إبرامه في عهد سلفه باراك أوباما. وبالتالي فإن موسكو لا تستبعد في ظل هذه الأجواء المشحونة، أن تقوم واشنطن بمحاولة التدخل بقوة في مسار الانتخابات الرئاسية الروسية التي ستجري في شهر مارس/آذار من السنة المقبلة، من خلال تمويل عمليات الاحتجاجات التي تزمع بعض قوى المعارضة الروسية تنظيمها من أجل التشويش على مسار هذا الاقتراع المصيري بالنسبة لمستقبل النظام السياسي في روسيا.
ويمكن القول، إن تطورات الأحداث السياسية في واشنطن منذ تولي ترامب منصب الرئاسة، أثبتت أن الدولة العميقة ومعها المؤسسات الفيدرالية في واشنطن ما زالت أقوى بكثير من إرادة الناخب الأمريكي، وتحديداً عندما يتعلق الأمر بالعقيدة الأمنية للمؤسسة العسكرية الأمريكية التي ما زالت مصرّة على النظر إلى روسيا بوصفها العدو الأول؛ بل إن الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت تدّعي بعد أحداث 11 سبتمبر أن محاربة الإرهاب في العالم، يمثّل أولوية كبرى بالنسبة لسياستها الخارجية، باتت تعمل خلال السنوات الأخيرة على إعادة تأهيل وتوظيف هذا الإرهاب من أجل ضرب خصومها، وفي مقدمهم روسيا التي يمثّل العداء معها جزءاً أساسياً من استراتيجية الأمن القومي الأمريكي، التي تتجاوز مقتضياته الاستراتيجية صلاحيات الرئيس المنتخب.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 101 / 2165460

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2165460 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010