السبت 9 أيلول (سبتمبر) 2017

«إسرائيل» والتحولات الجيوسياسية

السبت 9 أيلول (سبتمبر) 2017 par ناجي صادق شراب

تعيش «إسرائيل» أفضل مراحلها السياسية من منظور التحولات الشاملة في موازين القوة الإقليمية والدولية، لذا تسارع لتحقيق أهدافها الاستراتيجية العليا، وفي مقدمتها التخلص من القضية الفلسطينية، بإذابتها في حلول بعيدة كل البعد عن الحلول العادلة التي تفرض عليها الانصياع للقرارات الدولية ذات الصلة بالقضية. ويمكن تلخيص بعض من هذه الأهداف: أولاً في قبول «إسرائيل» دولة إقليمية مركزية ومحورية، بمعنى أن تكون أساس أي بناءات إقليمية جديده في المنطقة، وثانياً التخلص من البعد السياسي للقضية الفلسطينية، وثالثاً ضمان بقاء «إسرائيل» وأمنها، وتطويع العوامل الجغرافية والسكانية التي لا تعمل لمصلحتها بما يتوافق وأهدافها السياسية.
وقد اعتمدت «إسرائيل» منذ البداية في تحقيق هذه الأهداف على امتلاك عنصر القوة الشاملة، وخلق المعطيات الاستراتيجية، والجيوسياسية التي تعمل لمصلحتها، فلا يكفي أن تكون «إسرائيل» قوية والدول المحيطة بها تملك عناصر القوة نفسها، ولا يكفي أن تتحدث «إسرائيل» عن الديمقراطية وهي دولة احتلال، لذلك لا بد من شرعنة هذا الاحتلال بتصفية القضية الفلسطينية، وتثبيت وجودها على الأرض عبر الاستيطان الذي يقوم على عنصر الأرض التي هي أساس أي عقيدة سياسية وعسكرية ل«إسرائيل». ولتحقيق أهدافها أيضاً امتلاك قوة عسكرية متفوقة على كل الدول العربية، وآخرها تزويدها بطائرات «إف 35» الأمريكية، وبالغواصات النووية الألمانية، وتراجع التهديد النووي بعد توقيع الاتفاق النووي الإيراني مع مجموعة الدول الست. وبقدوم إدارة الرئيس ترامب ارتفع سلم المطالب «الإسرائيلية» لممارسة مزيد من الضغط والعقوبات على إيران.
ومن منظور القوة الاستراتيجة لم تعد إيران الدولة النووية التي يمكن أن تشكل تهديداً لبقاء «إسرائيل»، إضافة لتراجع قوة الجيوش العربية، وعدم قدرتها على تهديد الكيان،خصوصاً بعد إدخال الجيشين العراقي والسوري في معارك منهكة. ولم يبق إلا الجيش المصري القوي، عدة وعدداً، وهذا الجيش مستهدف دوره وقوته بالانغماس في التصدي للحرب على الإرهاب في سيناء، إضافة لقيود اتفاقات كامب ديفيد.
وتعتمد «إسرائيل» على تفوقها في الحروب الاستخباراتية والسيبرانية، وعلى شبكة من التحالفات الإقليمية والدولية مع الدول الفاعلة والمؤثرة في صنع القرار، لعل أهمها تحالفها الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، وهو الذي يوفر لها هذا التفوق، إضافة إلى توسيع خريطة التحالفات مع روسيا وتركيا، والتمدد في إفريقيا وآسيا، وآخرها زيارة رئيس الهند ل«إسرائيل»، وتفعيل الشراكات التجارية والعسكرية بينهما.
ولعل من أبرز المعطيات الاستراتيجية تفكك الدولة العربية، أو تراجع دورها، وبروز الصراعات الإثنية والطائفية التي تسعى إليها «إسرائيل» كعامل تفكيك، وتفتيت للدول العربية، وهي بذلك تضمن عدم وجود دولة قوية مجاورة لها، ويظهر هذا في دورها في سوريا والعراق، وغيرهما، وتحاول أن تستثمر «إسرائيل» هذه التحولات الاستراتيجية لمصلحتها في تثبيت وجودها إقليمياً، وتقديم نفسها للولايات المتحدة على أنها الحليف الوحيد الذي يمكن الوثوق به في مواجهة التهديدات ضد المصالح الأمريكية في المنطقة.
هذا هو أساس الفكر الاستراتيجي الذي تعمل «إسرائيل» على تسويقه، فهي تدرك أهمية هذا الفكر من خلال تقديم نفسها كدولة قوة، وكدولة لا تشكل تهديداً مباشراً على من الدول العربية.هذه المعطيات تنعكس اليوم على الدور المتزايد ل«إسرائيل» في المنطقة، وفي تراجع القضية الفلسطينية، بسبب الانقسام الفلسطيني الذي يعتبر من اهم التحولات الاستراتيجية التي تخدم المشروع «الإسرائيلي»، فأقصر الطرق للتخلص من القضية الفلسطينية هو تحويل الانقسام الفلسطيني إلى حالة انفصال سياسي وشعبي بين الضفة وغزة، وبذلك يتحقق اهم أهداف «إسرائيل»، وهو عدم قيام دولة فلسطينية. وستنعكس هذه المعطيات على بلورة الخريطة السياسية الجديدة ليس على مستوى المنطقة، بل على مستوى الشرق الأوسط.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 125 / 2165358

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2165358 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 19


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010