الجمعة 1 أيلول (سبتمبر) 2017

نعي حل الدولتين ولا حل

الجمعة 1 أيلول (سبتمبر) 2017 par د. فايز رشيد

أما بالنسبة لوهم ومراهنة البعض من الفلسطينيين والعرب على إمكانية قبول إسرائيل بإقامة دولة فلسطينية في أراضي عام 1967 من خلال المفاوضات معها, فهو وهم سرابي خادع, يذكر أن نتنياهو رفض حتى المبادرة الفرنسية الجديدة رغم تقزيمها للحقوق الوطنية الفلسطينية. هذا إلى جانب تصريحات عديدة لمسؤولين إسرائيليين, أكدوا فيها: أن لا دولة فلسطينية ستقام بين النهر والبحر, غير دولة إسرائيل. ما نسأله لهذا البعض: ألا تدخل مراهنتكم على انتزاع دولة فلسطينية عتيدة من بين مخالب الوحش الصهيوني في باب العمى السياسي؟ بالتالي, فإن فرصة تطبيق حل الدولتين, معدومة.
اقتنع المسؤولون الفلسطينيون مؤخرا, بفشل حل الدولتين, فنعاه أكثر من واحد منهم. ذلك, بعد مغادرة الوفد الأميركي البارز, فلسطين المحتلة, نهاية الأسبوع الماضي, بنتائج متواضعة لمهمة إحياء مفاوضات “السلام”, في ظل “تجنب الحديث عن إقامة الدولة الفلسطينية وفق حدود العام 1967, ووقف الاستيطان, وهما شرطا العودة الفلسطينية لطاولة التفاوض”, وفق مسؤولين فلسطينيين. وقال المسؤولون إن “الأجندة الأميركية للتحرك, ضمن سياق جهود استئناف المفاوضات, تتضمن مساري تقديم “التسهيلات الاقتصادية”, لتجميل وجه الاحتلال القبيح, و”الحل الإقليمي”، وكلاهما مرفوض عربيا وفلسطينيا”. وأوضحوا أن “حل الدولتين شغل مساحة هامشية خلال لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي, بنيامين نتنياهو, بأعضاء وفد واشنطن”, الذي يضم كلا من المبعوث الخاص للعملية “السلمية”, جيسون جرينبلات, وكبير مستشاري البيت الأبيض, جيرارد كوشنر, ونائب مستشار الأمن القومي للشؤون الاستراتيجية, دينا باول. وأضافوا أن “المعلومات المسربة من لقاء نتنياهو بمبعوثي الرئيس الأميركي, دونالد ترامب, كشفت عن انشغال رئيس الحكومة الإسرائيلية, الذي أعلن عن إقامة وحدات استيطانية جديدة خلال زيارة الوفد, بأولوية القضية الأبرز, التي تقلق سلطات الاحتلال بشأن الأزمة السورية”.
في حاضرنا مجال كبير للاعتماد على ظاهرة الوهم, الذي هو رسم حالة غير طبيعية لتفاصيل الواقع, وبضمنه السياسي. إن معيار النجاح في الخطوة السياسية أو الفشل فيها, مرهون بواقعية النظرة إلى الحدث السياسي, بكل حقائقه ومعطياته, وبالضرورة إمكانياته المتاحة غير المرئية أيضا, والتي بالجهد الدؤوب يمكن إظهارها وتحقيقها, وما قد تفرزه من خطوات تالية.
لم يكن جديرا بالقائمين على السلطة الفلسطينية الوقوع في وهم تحقيق دولة فلسطينية من براثن الكيان الصهيوني, ذلك أن نتنياهو يصرح أحيانا حول حل الدولتين كتصريح للاستهلاك الإعلامي, بينما حقيقة الاستيطان الذي يقوم به الكيان في القدس وضواحيها, وفي كافة أنحاء الضفة الغربية, ينفي أية أسس موضوعية لإمكانية قيام مثل هذه الدولة. من جهة ثانية, فإن أساس الائتلاف الحكومي الحالي والسابق في زمن نتنياهو. اتفاق موقع مع أحزاب اليمين الديني, بأن لا ينسحب نتنياهو من أي شبر من الضفة الغربية, باعتبارها كلها “يهودا والسامرة”. كما أن الكنيست أقر قانونا بعدم قيام أي حكومة إسرائيلية بالانسحاب من جزء من الأراضي الفلسطينية, إلا بأصوات ثلثي أعضاء الكنيست, وإجراء استفتاء عام بين الإسرائيليين. ثم لنتذكر اللاءات الإسرائيلية الست لغالبية الحقوق الفلسطينية: حق العودة, الانسحاب من كل حدود 67, الانسحاب من القدس, سحب المستوطنات الكبيرة, الإشراف الفلسطيني على الدولة, وضرورة اعتراف الفلسطينيين بيهودية دولة إسرائيل.
بالنسبة للموقف الأميركي, خاصة في عهد الإدارة الترامبية الحالية, فإنه أكثر تأييدا للكيان من نتنياهو: إدارة صهيونية في معظمها, المبعوثان الأميركيان جرينبلات وكوشنر يهوديان صهيونيان بامتياز. كما السفير الأميركي في الكيان فيلدمان, الذي حازت ابنته منذ أسبوعين فقط على الجنسية الإسرائيلية, إثر هجرتها إلى الكيان مع فتيات أخريات. ترامب وعد بالعمل على إيجاد حل بين الفلسطينيين وإسرائيل, ولكن لم يقل كيف؟ هو لا يعترف بحل الدولتين, ولم يصرح حوله بتاتا! ثم إن الإدارة الحالية لا تعتبر وقف الاستيطان, شرطا لاستئناف المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والصهيوني. هذا إضافة إلى رسالة الضمانات الاستراتيجية, التي قدمتها الولايات المتحدة للكيان عام 2004, وفيها تتعهد أميركا, بعدم الضغط على إسرائيل, لقبول ما لا تريده! ثم إن ميزان القوى هو حاليا في صالح إسرائيل, في ظل استعداد رسمي عربي للتطبيع مع إسرائيل دون ثمن مسبق. أي أنه وحتى ما يسمى بـ”مبادرة السلام العربية”, يجري التخلي عنها من قبل بعض أطراف النظام الرسمي العربي.
أما بالنسبة لوهم ومراهنة البعض من الفلسطينيين والعرب على إمكانية قبول إسرائيل بإقامة دولة فلسطينية في أراضي عام 1967 من خلال المفاوضات معها, فهو وهم سرابي خادع, يذكر أن نتنياهو رفض حتى المبادرة الفرنسية الجديدة رغم تقزيمها للحقوق الوطنية الفلسطينية. هذا إلى جانب تصريحات عديدة لمسؤولين إسرائيليين, أكدوا فيها: أن لا دولة فلسطينية ستقام بين النهر والبحر, غير دولة إسرائيل. ما نسأله لهذا البعض: ألا تدخل مراهنتكم على انتزاع دولة فلسطينية عتيدة من بين مخالب الوحش الصهيوني في باب العمى السياسي؟
بالتالي, فإن فرصة تطبيق حل الدولتين, معدومة. ثم بدأ البعض في الكيان الصهيوني يدعو إلى حل الدولة الديمقراطية الواحدة. من جانب ثانٍ, فإن بعض الكتاب الصهاينة بدأوا يحذرون حكومتهم في مقالات لهم, من أنها ستجد نفسها أمام حل الدولة الثنائية القومية بالمعنى الاستراتيجي. بالطبع قد يبدو حل الدولة الواحدة, هو الأكثر عملية, إذا ما غير الكيان الصهيوني جلده (وهذا أراه مستحيلا) وانقلبت الصهيونية إلى نقيضها (وهذا التصور أيضا, ليس أكثر من وهم!). لهذا الرأي أسبابه, وهي التالية:
إن المعركة الفلسطينية العربية مع الكيان, هي معركة مفروضة علينا, لم يكن لدينا أي خيار فيها.. وهذه المعركة تقع في إطار المواجهة مع عدو استثنائي في عداواته لنا. في استعراض إمكانية حل الدولة الديمقراطية الواحدة, فإن العقبات الإسرائيلية, تحتل الجوهر الأساسي كمعيقات حقيقية, بالمقارنة مع العقبات الفلسطينية والعربية والإسلامية. إن الكيان ورغم مرور ما يقارب السبعة عقود على إقامته القسرية, لم تتطور فيه سوى العدوانية الممارسة على الآخر, ضمن دائرة نظرة الحاخامات.
أما بالنسبة للدولة الثنائية القومية, فإلى جانب خطأ مقولة (القومية اليهودية) التي تعاكس التاريخ والواقع والوقائع ومبدأ الأديان, وإضافة إلى خطأ مقولة (القومية الفلسطينية) باعتبار الفلسطينيين هم من القومية العربية, فإن العقبات الإسرائيلية لإقامة مثل هذه الدولة هي العقبات الأساسية. إن الكيان مرتبط في وجوده, بالظاهرة الأقبح في التاريخ, وهي الاستعمار الكولونيالي الاستيطاني وبالتالي, فإن الحديث عن إحدى الظاهرتين بمعزل عن الأخرى, ليس إلا استعراضا أيديولوجيا بعيدا عن الموضوعية والقوانين الطبيعية والبشرية أيضا.
واعتمادا على رؤية موضوعية تحليلية للتاريخ, والواقع, ومحاولة استشفاف للمستقبل بأفق علمي بعيدا عن الشطح يمينا أو يسارا.. فالمطلوب وضع اليد على الجرح وجوهر الصراع… الذي لم يكن ولن يكون بإرادة منا. لذا فليبق التحرك السياسي الفلسطيني والعربي والدولي قائما على حل الدولتين, كحل اعتراضي هادف إلى منع تصفية القضية الفلسطينية, وليبق متسلحا بقرارات الشرعية الدولية, التي ضمنت للاجئين من أبناء شعبنا حقهم في العودة, والتي لا تعترف باحتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية في عام 1967 بما فيها القدس, ولذلك تدعو إلى انسحابها من كافة هذه الأراضي المحتلة, بما في ذلك القدس الشرقية. ولكن لتبق لنا قناعاتنا الخاصة المتمثلة في أنه لا يمكن التعايش مع هذا السرطان الخبيث إلا باستئصاله.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 23 / 2165872

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع فايز رشيد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165872 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 19


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010