السبت 26 آب (أغسطس) 2017

زيارة الوفد الأميركي لرام الله... «طحن بلا طحين»

راسم عبيدات
السبت 26 آب (أغسطس) 2017

زيارة الوفد الأميركي الذي يترأسه جاريد كوشنير صهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب والمكلّف بملفّ المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية للمنطقة ولقائه بالرئيس محمود عباس وقيادة السلطة الفلسطينية ورئيس وزراء الاحتلال نتنياهو وحكومته، هي الزيارة العشرون للمنطقة، ولم تحمل أيّ جديد، وقول أبو ردينة مستشار عباس بأنّ اللقاء كان إيجابياً ومعمّقاً، وبأنّ الرئيس عباس أعاد التأكيد على المواقف الفلسطينية الثابتة بالسلام القائم على حلّ الدولتين ووقف النشاطات الإستيطانية واستمرار الحوار للوصول الى صفقة سلام شاملة وتاريخية، لن يغيّر من الواقع شيئاً، وهذا اللقاء، يذكّر باللقاءات الفلسطينية مع القيادات الأميركية السابقة التي كانت تأتي إلى المنطقة وتبيع شعبنا أوهاماً وخداعاً وتضليلاً وكلاماً معسولاً وفي نهاية المطاف تدعم وتنحاز عملياً بشكل مطلق إلى جانب دولة الاحتلال، وتأتي المرة تلو الأخرى حاملة المطالب الإسرائيلية لتسويقها على أنها مشروع أو خطة أميركية للسلام، وفي النتيجة النهائية، بدلاً من أن تضغط الإدارة الأميركية على دولة الاحتلال لكي تقدّم تنازلات جدية وحقيقية من أجل عملية السلام، تمارس ضغطها على الجانب الفلسطيني الضعيف، لكي يقبل بشروط الإستسلام، وتجربتنا مريرة ومؤلمة مع كلّ الإدارات الأميركية السابقة، وتحركاتها تأتي في إطار وسياق إدارة الصراع وليس حله، ونحن هنا نستذكر قول هيلاري كلينتون الشهير: «عملية سلام وهمية أفضل ألف مرة من حالة الفراغ»، وقد لخصت القوى والفصائل الفلسطينية التي تظاهرت على دوار المنارة برام الله الموقف من الإدارة الأميركية وزيارة وفدها للمرة العشرين للمنطقة بالقول بأنها «مضيعة للوقت ومحاولة لخداع الرأي العام وإشاعة الوهم». وتابعت الفصائل قولها والقول هنا على لسان تيسير خالد عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية «»في العادة ينقل الوفد شروط إسرائيل لاستئناف المفاوضات وهي شروط تنطوي على الصلف والوقاحة المعروفة عن نتنياهو وأركان حكومته كوقف التحريض ووقف صرف مخصّصات شهداء وجرحى وأسرى الشعب الفلسطيني، ضحايا الإرهاب الاسرائيلي. «ومن وجهة نظري فالزيارة الحالية لا تختلف عن سابقاتها سوى في بعض التفاصيل، ولكن الجوهر والهدف واحد، حوارات بلا نتائج وإدارة للصراع وتبني لوجهة النظر الإسرائيلية وإشاعات مناخات من الأوهام والخداع والتضليل.

بغضّ النظر عما قاله الرئيس ومستشاره أبو ردينة عن هذه المحادثات، ولكن هذه الزيارة وغيرها من الزيارات المقبلة تستشعر منها الفصائل الفلسطينية وحتى السلطة الفلسطينية نفسها مخاطر كثيرة وكبيرة على المشروع الوطني والقضية الفلسطينية، وبأنّ هذه الزيارة لا تحمل أية ردود وإجابات واضحة ومحدّدة على ما طرحته السلطة الفلسطينية على تلك الإدارة حول وقف الإستيطان وحلّ الدولتين، فالإدارة الأميركية لم تبلور رؤية واضحة، ولا تمتلك أيّ خارطة طريق للسير فيها نحو تطبيق مشروع سياسي يؤدّي الى حلّ يقوم على أساس الدولتين، بل كلّ ما في جعبتها هو حديث عامّ عن الجانب السياسي، ورزمة من المساعدات والمشاريع الإقتصادية كإغراء للسلطة الفلسطينية، وللقول للعرب والمسلمين الذين ارتضوا لترامب «إمامته» لهم في قمم الرياض الثلاثة في العشرين من أيار الماضي، ودفعوا له مئات مليارات الدولارات كـ»جزية»، بأنه يتحرك لحلّ القضية الفلسطينية، وأجزم بأنّ شكل وجوهر هذا التحرك يلتقي مع مشروع نتنياهو للحلّ الاقتصادي، تأبيد وشرعنة الإحتلال مقابل تحسين شروط وظروف حياة الشعب الفلسطيني تحت الإحتلال، وحتى هذا الدور للسلطة الوظيفي تحت الإحتلال نتنياهو يريد مصادرته، وتحويل السلطة الى أقلّ من إدارة مدنية، دورها يقتصر على بعض الخدمات وحفظ الأمن والنظام العام، فالحكومة الإسرائيلية عملت على توسيع صلاحيات الإدارة المدنية وزيادة موظفيها وميزانياتها بشكل كبير وإلغاء مكانتها التاريخية كوحدة عسكرية، ووراثة دور السلطة وصلاحياتها في حال حلها، وكذلك «المحور العربي السني»، ربما رؤيته لحلّ القضية الفلسطينية تلتقي مع الرؤية الأميركية الإسرائيلية، حلّ للقضية الفلسطينية من خلال إطار إقليمي، والزيارة الأميركية تأتي في هذا الإطار والسياق، حيث يستبق الوفد زيارته لرام الله بزيارة العديد من العواصم العربية لهذا المحور، والحلّ الذي يجري الحديث عنه للقضية الفلسطينية، يستجيب للشروط والإملاءات الأميركية والإسرائيلية في تصفية المشروع الوطني والقضية الفلسطينية من خلال ما يسمّى بصفقة «القرن»، تلك الصفقة التي تقوم على أساس ربط قطاع غزة بكونفدرالية مع مصر، وربط ما يزيد من أرض عن حاجة الأمن الإسرائيلي في الضفة الغربية بكونفدرالية مع الأردن، وتقاسم وظيفي مع السلطة الفلسطينية، على أن يجري الإجهاز على مدينة القدس وإخراجها بشكل نهائي من أية مفاوضات وتسوية آتيتين.

في خضم كلّ هذه المخاطر الكبيرة المحدقة بالمشروع الوطني والقضية الفلسطينية، تبدو السلطة الفلسطينية مربكة ومأزومة، ولا تملك أية خطة او رؤية واستراتيجية شمولية للمواجهة، بل نجد بأنّ الوضع الداخلي الفلسطيني يسير نحو المزيد من التأزّم وتعميق الانقسام، حيث يشدّد الرئيس عباس من عقوباته المالية على قطاع غزة، وقطاع غزة يجري العمل على حلّ قضاياه ومشاكله، بعيداً عن السلطة الفلسطينية، والسلطة كردّ على ما تتعرّض له من تهميش، تارة تتجه الى تشديد العقوبات المالية على قطاع غزة، واخرى تدعو إلى حلّ السلطة والتشريعي وتسليمهما إلى المنظمة، وكذلك تدعو الى عقد المجلس الوطني، بعد غياب لمدة 21 عاماً بالقفز عن تفاهمات المصالحة والخلاف والصراع الفصائلي محتدم حول عقده وأهميته لجهة المكان والأهداف المتوخاة من عقده، او لجهة القفز عن التفاهمات السابقة وخصوصاً مؤتمر بيروت في كانون الثاني/ يناير الماضي وقرارات المجلس المركزي في 2015، أو الخوف من أن يتمّ في المجلس تنصيب في مواقع قيادية في المنظمة بعض السياسيين ممّن تسلّقوا لمواقع متقدّمة في السلطة وممّن ليس لهم أيّ تاريخ نضالي، او يكون الهدف مجرد تجديد شرعية القيادة استعداداً للدخول في تسوية جديدة إلخ…

في ظلّ كلّ هذه المخاطر التي تتعرّض لها قضيتنا الفلسطينية، حيث «التوحّش» و»التغوّل» الإستيطاني يسير بوتائر غير مسبوقة، في القدس والضفة الغربية، بل وعلى كامل مساحة فلسطين التاريخية، والأزمات الداخلية التي يواجهها الرئيس الأميركي ترامب، والتي قد تدفع نحو الإطاحة به، وكذلك الأزمة الخليجية وما يتصل بها من خلافات عربية عربية، وما تعانيه المنطقة العربية من حروب مذهبية وطائفية، وحالة غير مسبوقة من الإنهيار، تجعل من وزن العرب في السياسة الدولية صفراً مئوياً بامتياز، كلها عوامل تشجع الاحتلال على رفض تقديم أي «تنازلات» في ما يتعلق بوقف الاستيطان وحلّ الدولتين، ولذلك الرهان على الدخول في مفاوضات سياسية، من شأنه أن يدفع نحو المزيد من الخضوع للإملاءات والشروط الأميركية الإسرائيلية، والتي ستحاول قدر الإمكان جرّ أية مفاوضات الى قضايا فرعية ومن باب المماحكات، وحرف تلك المفاوضات عن الجوهر الاستيطان وحلّ الدولتين، قضايا من طراز وقف دفع السلطة لرواتب الشهداء والأسرى ووقف التحريض في المناهج والإعلام وغيرها.

اذا كان الرئيس عباس يدرس حلّ السلطة والتشريعي لتسليمها لمنظمة التحرير، لكي تكون هي المسؤولة عن الوضع الفلسطيني، فهل المنظمة بأوضاعها الحالية، التي تعاني من ترهّل وتهميش مقصود وفقدان مؤسساتها وهيئاتها للشرعية، قادرة على تحمّل المسؤولية؟ ام انّ المنظمة بحاجة الى تفعيل وإعادة بناء، وإذا لم يكن من الممكن إجراء الإنتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني، في الظرف الراهن لمحاذير تطرحها الفصائل والقوى، فكيف بالإمكان النهوض بالوضع الفلسطيني؟ هل الإطار القيادي المؤقت الذي يضمّ كلّ القوى والأحزاب يشكل مدخلاً للحلّ؟ أم يجري تفعيل وإعادة بناء المنظمة من قبل الأحزاب والقوى المشاركة فيها، بعد تذليل عقبات مكان عقد المجلس والأهداف المتوخاة من عقده؟ أم يبقى الانتظار سيد الموقف، وتبقى الصراعات والمناكفات الداخلية والجدل البيزنطي حول جنس الملائكة ذكر أم أنثى، والاحتلال يمضي في تنفيذ مشاريعه ومخططاته لتصفية القضية؟

ألم يحن الوقت لهذه السلطة والأحزاب والفصائل التي كشفت هبّة الأقصى عن عجزها وقصورها الكبير، ان ترتقي إلى مستوى المسؤولية وتضحيات شعبنا الفلسطيني، وتغادر خانة المناكفات والرهان والارتهان لنهج التفاوض وخيار المفاوضات العبثي…؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 26 / 2165923

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2165923 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 19


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010