السبت 26 آب (أغسطس) 2017

فساد النخب في «إسرائيل»

السبت 26 آب (أغسطس) 2017 par الحسين الزاوي

تعيد قضية اتهام رئيس الوزراء «الإسرائيلي»، بنيامين نتنياهو، بالفساد إلى الواجهة الصلة الوثيقة التي تربط النخب الصهيونية في «إسرائيل» على اختلافها، بمنظومة الفساد، بالنظر إلى الصلة العضوية التي تربط هذه النخب، لاسيما السياسية منها، بعالم المال والأعمال، من منطلق أن الأوليغارشية العالمية التي تحدث عنها المفكر الفرنسي برتراند بادي، والمتحكّمة في مصير ملايين البشر تتكون في جزء كبير منها من العائلات اليهودية التي تمارس نفوذاً كبيراً على صناع القرار في الغرب، وتسهم في صناعة الرأي العام الأمريكي والأوروبي، وفي توجيهه نحو تبني خيارات سياسية بعينها. وليس هناك بالتالي ما يدعو إلى الاستغراب بالنسبة إلى هذه المسألة، فقد تأسست «إسرائيل» سنة 1948 واستطاعت أن تحافظ على وجودها بفضل الحبل السري الذي يربطها باللوبيات المؤثرة في صناعة القرار السياسي داخل الدول الكبرى، بدءاً من بريطانيا وفرنسا، ووصولاً إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
ونستطيع أن نلاحظ أنه وبعد فضيحة الفساد التي تورط فيها رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت، والتي أفضت إلى إدانته وسجنه، فإن ملف بنيامين نتنياهو المتعلق بقضايا الفساد، لا يزال حبيس أدراج أروقة القضاء في «تل أبيب». ويبدو أن «درس الشفافية» الذي أرادت «إسرائيل» أن تقدّمه إلى العالم، والمتعلق باستقلالية القضاء، كان قاسياً على مجموع النخبة الحاكمة، وقد بدا ذلك بشكل واضح من خلال الصور التي جرى تسريبها لأولمرت في السجن، وهو في وضعية مهينة بالنسبة لصاحب أعلى منصب سياسي في «إسرائيل». ومن المؤكد أن التكلفة الرمزية المرتفعة نسبياً لهذا «الدرس» المتعلق بمكافحة الفساد، باتت تفرض على اليمين المهيمن في «تل أبيب» التفكير بشكل أكثر جدية في مثل هذا الخيار الذي قد يكون مفيداً لممارسة الابتزاز السياسي، لكنه خطر جداً إذا تعلق الأمر بتوسيع إمكانية تطبيقه على مستوى أعلى هرم السلطة.
ويمكننا أن نشير، إلى أن مسألة محاربة الفساد في «إسرائيل» تحمل تناقضاً كبيراً بالنسبة إلى بنية النظام، ونسق الحكم في دولة الاستيطان، إذ من الصعب على النخب اليهودية أن تنشر الفساد، وتدعم آلياته التنفيذية في مختلف دول العالم من جهة، وتحاربه في «إسرائيل» من جهة أخرى، لأن عقيدة اللوبيات تنبني وتتأسس على «زواج» المصلحة ما بين المال والسياسة، ولا يمكن بالتالي للمال السياسي أن يواصل تأثيره في مسار صناعة القرار في معظم دول العالم من دون ضمان استمرارية رابطة «الزواج» الحالية. وقد نجحت عائلة روتشيلد على سبيل المثال لا الحصر، في بسط نفوذها على الدول الأوروبية من خلال فرض وصايتها على مراكز النفوذ والسلطة في مختلف مناحي الحياة الاقتصادية والصناعية، مثل البنوك، والسكك الحديدية، والصناعة العسكرية.
والأمر يتجاوز في اعتقادنا ما يجري تداوله بشأن نظرية المؤامرة، لأن الأوليغارشية العالمية التي تخضع لقيادة اللوبي اليهودي تستطيع أن تحافظ على مكاسبها الراهنة اعتماداً على عامل المصلحة المشتركة، وتبادل المنافع ما بين مختلف النخب المهيمنة في العالم، ولا يتطلب الأمر في المرحلة الراهنة توفر عبقرية كبيرة من أجل تحقيق ذلك، بخاصة بعد أن نجحت نخب الشتات اليهودي في تحقيق الهيمنة الكاملة على نسق وآليات اشتغال أسواق المال في العالم منذ عقود خلت.
يمكننا القول في الأخير، إن هناك في «إسرائيل» لحظات كثيرة تسود فيها البلاغة السياسية الفارغة عندما يتعلق الأمر بالتنافس السياسي بين مختلف الأطراف التي اعتادت على تبني خيار المزايدة الذي يشكل عنصراً أساسياً في نسق تفكير النخب السياسية «الإسرائيلية»؛ ومن ثمة فإن يائير لبيد، زعيم حزب «هناك مستقبل» عندما صرّح في مرحلة سابقة، أن فضيحة الغواصات الألمانية تمثل «أكبر» مؤامرة فساد في تاريخ «إسرائيل»، فلا شك في أنه كان يريد أن ينسب لدولته القائمة على النهب والاغتصاب عفافاً وطهراً لا صلة لها بهما. وعليه فإن المؤتمر اليهودي العالمي بكل تنظيماته المنتشرة في الدول الغربية الكبرى، مثل «الإيباك» في أمريكا، والمجلس التنفيذي للمؤسسات البهودية في فرنسا «كريف»..إلخ، والقائم على ثقافة بسط النفوذ وشراء الولاءات، لا يمكنه أن يفرض على النخب اليهودية في «إسرائيل» الالتزام بقواعد سلوك سياسي قائمة على أخلاق مهنية صارمة، لأن فاقد الشيء لا يعطيه، والطبع الفاسد في السياسة والمال كما في الحياة عامة، يغلب التطبع.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 39 / 2165771

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع ارشيف المؤلفين  متابعة نشاط الموقع الحسين الزاوي   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2165771 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010