الجمعة 18 آب (أغسطس) 2017

متوسط دورات الحروب العربية

الجمعة 18 آب (أغسطس) 2017 par محمد الصياد

ست سنوات مرت على موجات «الربيع العربي»، أو «الفوضى الخلاقة»، بحسب ما تتباين بشأنه القراءات والتحليلات التي تتناول الأحداث الجسام التي تجتاح العالم العربي «بزخات مطر»، تتفاوت بين الخفيفة، والرعدية، والجارفة، في طورها التدميري الشامل لكل أسباب الحياة المادية والروحية. ولا تزال هزاته الارتدادية متواصلة هنا وهناك، بدرجات متفاوتة الحدة. ولا يبدو في الأفق ما ينبئ بقرب توقف الاهتزازات التي يشعر بضرباتها القاصي والداني، ولا بقرب عودة الهدوء والسكينة إلى ربوع الأوطان التي دمرتها، وأعطبتها تلك الزوابع، توطئة لعودة أهلها لممارسة حياتهم الطبيعية التي فقدوها منذ انطلاق حفلة جنون تلك الفوضى التي أراد لها مدبروها أن تكون خلاَّقة في مآلاتها، فإذا بها مدمرة للحرث والنسل.
ومن متابعة لسير المعارك والصراعات وقنوات التفاوض بين أطرافها، واستناداً إلى التاريخ الحديث للحروب الأهلية في عالمنا العربي، فإن تقديرات المتابع تذهب إلى ترجيح فرضية أن الوقت لا يزال مبكراً لوصول أطراف الحروب والصراعات في عالمنا العربي إلى «المباراة النهائية»، فلا يزال أمام الجميع جولات من «مباريات التصفيات» قبل الوصول إلى ثمن، وربع، ونصف النهائي، ومن ثم بلوغ النهائيات، إذا جاز لنا استخدام لغة المعلقين الرياضيين، وذلك برسم استمرار تمسك، وتمترس، وتخندق، جميع أطراف الصراع خلف القوى الإقليمية والدولية التي استدعتها للاحتماء والاستقواء بها، على الرغم من أن الوقت، بما استنّه من وقائع على الأرض، قد ذهب بمعظم أوراق القوى المتصارعة، وأضعف ما بقي منها بحوزتها.
فقد استمرت الحرب اللبنانية نحو 15 سنة (من 1975 إلى 1990)، كما استمرت الحرب الأهلية السودانية الأولى 17 سنة (من 1955 إلى 1972)، فيما استغرقت الحرب الأهلية السودانية الثانية 22 سنة (من 1983 إلى 2005). واستمرت الحرب الأهلية الجزائرية نحو 11 سنة (من 1992 إلى 2003). وهذا يعني أن متوسط دورة الحروب الأهلية العربية يبلغ نحو 16 سنة، بصفة تقديرية طبعاً، وبحسبان ناتج الحروب الأربع المنوه بها فقط. ويعني أيضاً، استناداً إلى هذا السجل المتوفر، أن الحروب التي لا تزال مندلعة في ليبيا وسوريا، وغيرهما من البلدان العربية، لم يحن بعد موعد وضعها لأوزارها قبل أن تستكمل دورتها الزمنية الفرضية، وقبل أن يصل اللاعبون الدوليون إلى تفاهمات مقبولة تحفظ مصالحهم جميعاً (المتعلقة أساساً بالنفط والغاز وطرق إمداداتهما،) بعد أن يكونوا استنفدوا كل الوقت والجهد والطاقات من أجل إدراج حصة وفيرة (مقبولة) من مقاربات كل منهم في «النموذج» النهائي لحل كل من قضايا الصراع التي لا تزال متفجرة.
إنما السؤال: ما الذي حدث وأعاد العرب كأمة وشعوب، مشتركاتها التاريخية والثقافية أكثر من تغايراتها التي أملتها ظروف تقسيمها جيوسياسياً على أيدي القوى العظمى التي استباحتها أرضاً، وموارد؟ ما الذي أعادها إلى ثقافة وعادات الاحتراب التي كانت هجرتها منذ مئات السنين تحت ضغط التحولات الحضارية، التمدينية والتحديثية الكبرى التي عصفت بالعالم خلال فترة وجيزة من تاريخه، واستحقاقاتها التي لا رادَّ لها، وهي (الشعوب العربية) التي استثنتها الدراسات والأبحاث التاريخية التوصيفية والتشخيصية من قائمة الشعوب المصنفة والموصوفة بالحربية وعددها 15 شعباً وقومية؟
استناداً إلى معطيات وأدوات التحليل السوسيو-اقتصادي، نحسب أن نجاح «القديم» في مقاومة «الجديد»، ومراوغته للإبقاء على مخزون ثقافة الاحتراب القبائلي التي تعود إلى ما قبل التاريخ، سليمة تقريباً، رغم القِدم، ورغم تعرضها لوابل من الصدمات الحضارية التحديثية، وذلك بفضل «حرص» أطرافها على تغذيتها باعتبارها سلاحاً يمكنها أن تستله حين يحمى وطيس تنازعها الاستحواذي السّلطوي، وهو الذي يفسر على الأرجح العودة المتأخرة (في زمن الحداثة والعولمة)، للنزعات الحربية، وحضورها بأثوابها البالية في نَظْم علاقات القوى المجتمعية بعفاريت عصبياتها المستلة من قيعان التاريخ، لا برصيد عقلانيتها الذي وفرته لها على ما كان يُظن، عقود من «زوابع» التحديث والتمدين الكوكبية.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 22 / 2180757

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع ارشيف المؤلفين  متابعة نشاط الموقع محمد الصيّاد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2180757 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40