الجمعة 11 آب (أغسطس) 2017

مصالحة أم إخضاع لحماس؟

الجمعة 11 آب (أغسطس) 2017 par اسامة خلف

عندما بينت حماس مطامعها السياسية، وتبين أنها ليست حركة ومقاومة وتحرر وطني فقط، بل لها أهداف ومشروع سياسي ترغب في تطبيقه، مستغلة حب المواطنين لها بسبب نجاحاتها على كافة مجالات عملها، فالحركة منذ ولادتها لم تعمل في مجال المقاومة ضد المحتل الإسرائيلي فقط، بل قامت في بناء العديد من الجمعيات الخيرية وقدمت المساعدات المادية والعينية، وأقامت المراكز الطبية والخدمات الأخرى مثل الأندية الرياضية، وشاركت في تشكيل النقابات المهنية، ونجحت في كسب تأييد الفلسطينيين، ومع اكتمال مشاريعها الخدماتية والتناغم مع مشاريعها السياسية والعسكرية، كانت حركة حماس الفصيل الفلسطيني الأكثر فاعلية وتأثيرا في الانتفاضة الأولى والثانية.

ومع انطلاق اتفاقية أوسلو، وبدء تقدم ونجاح المفاوضات بين المحتل الإسرائيلي ومنظمة التحرير الفلسطينية، أدركت إسرائيل أهمية أن تكون حماس جزءا من عملية التفاوض، وسعت في أكثر من مرة لجذب حركة حماس إلى ساحة التفاوض. ولم يكن ما كشفه الزهار، القيادي في حركة حماس، عن اجتماع له مع رئيس وزراء دولة الاحتلال، أثناء اعتقاله، من أجل عرض صفقة تفاوض، الاجتماع الوحيد، فقد قام وفد إسرائيلي بطلب لزيارة الشيخ أحمد ياسين، بعد خروجه من المعتقل على أثر صفقة تبادل مع الأردن، وقام الوفد الإسرائيلي بزيارة إلى منزل الشيخ أحمد ياسين، وعرض عليه التفاوض والمشاركة في المفاوضات الجارية مع منظمة التحرير.

إن ما حققته حركة حماس من نجاحات ومشاركة سياسية وعسكرية واجتماعية وخدماتية، ومع تردي المشروع السياسي الفلسطيني بقيادة منظمة التحرير، وغياب الإنجازات الفعلية للتفاوض مع المحتل الإسرائيلي، قررت حركة حماس خوض الانتخابات التشريعية ليكون لها كلمة مؤثرة في سير التفاوض، أو كما يقول خصومها السياسيون أنها “كشرت حماس عن أنيابها وأطماعها ورغبتها في الوصول إلى الحكم”، برغم من أن الحركة لم ترغب في المنافسة على منصب رئيس السلطة الفلسطينية، كما أنها لم ترغب في التأثير بمن يكون الرئيس، وذلك بتحييد مناصريها عن المشاركة في انتخابات الرئاسية، مما ساهم في فوز رئيس منظمة التحرير الفلسطينية محمود عباس بمنصب رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية. ومع المشاركة في المجلس التشريعي نجحت حماس في الهيمنة على المجلس التشريعي، وحققت الأغلبية المطلقة التي تحتاجها لتشكيل الحكومة بشكل منفرد إذا أرادت ذلك. ومع تصاعد الاتهامات لحركة حماس بأنها ذات أطماع في الوصول إلى الحكم، وأنها “استغلت سذاجة البسطاء وحاجتهم، وتاجرت في دماء الشهداء لتحقق إنجاز سياسي”، بدأت تتكشف أولى ملامح الانقسام الفلسطيني، مع تشكيل حماس الحكومة. وبدأت الهمس بأنها تقصي الخبراء من مناصبهم السياسية من أجل أن تعين مقربين لها، وأن هذا الإقصاء سيطال جميع موظفي السلطة، مما تسبب في نوع من العصيان بين الموظفين، وخاصة العسكريين، لقرارات الحكومة وتناسى الجميع أو نسي أن المناصب السياسية تتبدل مع تبدل الحزب الحاكم.

بدأ الانقسام الفعلي وسفكت الدماء على أثر هذه الإشاعات. مع الرفض الإسرائيلي والخارجي لفوز حركة حماس في الانتخابات، ورفض الحركة التفاوض مع إسرائيل، فكانت النتيجة هذا الانقسام، وسيطرت حركة حماس على قطاع غزة، وسيطرت حركة فتح على المدن التي تخضع لسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية. وفي محاولة مستمرة لإنهاء الصراع الفلسطيني، عقدت الاجتماعات وأبرمت الاتفاقيات، وفي كل محاولة كانت تنتهي باتفاق وتعهد، لكن يفشل في التطبيق على ارض الواقع، واستمر الحال أكثر من عشر سنوات.

كسر جمود الانقسام على الأرض مع اشتداد الخطر الإسرائيلي، ومحاولة فرض السيادة على المسجد الأقصى، وخروج المظاهرات إلى الشوارع، وإعلان الرباط حول المسجد الأقصى. أربعة عشر يوما من العمل المشترك، وبدون اتفاقيات مسبقة أو تفاهمات، كانت كفيله في كسر حالة الفلسطينية والتوحد على كلمة وبرنامج سياسي واحد. ومع نجاح الهبة لنصرة الأقصى وتوحد الجميع في الشارع، كان ذلك كفيلا لحركة حماس التوجه إلى حركة فتح ورئيس منظمة التحرير محمود عباس من اجل إنهاء الانقسام، فقدمت عرضا نال تأييد معظم الحركات السياسية الفلسطينية، إلا أن السلطة في رام الله رفضت المبادرة واعتبرتها مخادعة، وأنها تهدف إلى إخراج حركة حماس من وضعها المتأزم في غزة بعد ثلاث حروب وحصار إسرائيلي، تشارك به دول عربية. ومع أن الوضع في غزة يسر نحو انفراج على صعيد الأزمات الاقتصادية والحصار وخاصة مع قرب عقد صفقة تبادل أسرى بين حركة حماس وإسرائيل، ومن جهة أخرى نجاح حركة حماس في عقد مصالحة اجتماعية مع الجناح الثاني داخل حركة فتح بقيادة محمد دحلان.

إن مصالحة دحلان الخصم الشرس لحركة حماس، كسر الجمود، فعقد المجلس التشريعي لأول مرة في مدينة غزة بحضور أعضاء عن حركة فتح، وبدأ معبر رفح يدخل البضائع والسولار وغيرها من المواد الغذائية إلى غزة، مما يعطي متنفسا لحركة حماس، ويضعف موقف منظمة التحرير ومحمود عباس؛ الذي أصبح موقفه واضحا يريد مصالحة بلا معارضة أو أغلبية لغيره، ومصالحة لا تشمل انتخابات تشريعية ولا رئاسية، ولا تشكل كذلك أطر منظمة التحرير. وأصبح واضحا موقف السلطة في رام الله بأن المصالحة تعني تسليم كل شيء لها وعدم المشاركة أو التدخل في العمل السياسي والحكومي، أي صالح على ما تريد ولكن لا تقدم مشروعا سياسيا، ولا تشارك في صنع القرار الفلسطيني. تبقى الأيام القادمة كفيلة في الكشف على ماذا يعتمد رئيس السلطة في مواقفه تجاه المصالحة، ولا يعلم إذا كان هناك مبرر أو حجة منطقية لموقف السلطة في رام الله للمصالحة بهذه الشكل، أم أن الموضوع لا يتعدى التقليد الجاري في الدول العربية: الرئيس يبقى رئيس إلى الممات وإن كانت جمهورية وديمقراطية، ولا برنامج سياسيا غير برنامج الرئيس.

ومع تصاعد التهديدات من قبل السلطة، عن إجراءات غير مسبوقة على قطاع غزة من اجل إخضاع حركة حماس يطرح سؤال: هل سيكون الوضع في غزة في الأيام القادمة على غرار سوريا والعراق وليبيا واليمن وسيناء وغيرها؟؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 39 / 2165266

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

8 من الزوار الآن

2165266 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 8


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010