الجمعة 4 آب (أغسطس) 2017

المحتلون والأقصى…تراجع تكتيكي ومعركة بدأت

الجمعة 4 آب (أغسطس) 2017 par عبداللطيف مهنا

مقتلة سفارة نتنياهو في عمَّان لعبت دورًا واحدًا لا غير، وهو أن عودة مرتكبيها سالمين غانمين إلى كيانهم قد وفَّرت له سلَّم نزول من على شجرة بوَّاباته الإلكترونية وخدمته في تبرير تراجعه لصهاينته. لذا كان نشره لاتصاله الهاتفي بالقاتل قبل عودته واستقباله الاستعراضي له بعدها، وحيث خاطبة والسفيرة العائدة معه بقوله “لقد عملتما برباطة جأش…انتما تمثلان إسرائيل”… نعم كقتلة هما فعلًا يمثلان نتنياهو وكيانه.

انتصر مرابطو ومرابطات القدس. لم تكسر إرادتهم. كسرت قرارات المحتلين وأزيلت إجراءاتهم. اضطر الاحتلال لأن يسحب بواباته الإلكترونية، وأن يفتح أبواب الحرم القدسي الأسير. أن يزيل إجراءاته التي أدَّت لإغلاقه. تدفق آلاف المصلين المكبِّرين لأداء صلاة انقطعت فيه لمدة اثني عشر يومًا. وعلى المسجد الأقصى شوهد الفتية يرفعون العلم الفلسطيني. واحتفاءً بما لم يحدث منذ خمسين عامًا، عشرات من تجَّار البلدة القديمة هرعوا ملتحقين بأمواج المتدفقين حاملين معهم أطباق الحلوى تهنئة بانتصار الإرادة العزلاء على جبروت القوة الغاشمة الباطشة.
… لم يرق الأمر للغزاة الحاقدين فانقضوا على الفرحين العزَّل بقنابل الغاز والقنابل الصوتية والرصاص المطاطي، وكما هي العادة، كانت المواجهة بين الصدور العارية والقوة الباطشة، وعشرات الجرحى والمصابين، ولم تفرًّق الهمجية بين الشيخ والطفل والرجل والمرأة، وكان أيضًا الصمود…رأينا بالصوت والصورة أن معركة الأقصى لم تنته وإنما قد بدأت للتو…
سحب البوَّابات وإزالة الإجراءات مجرَّد تراجع تكتيكي. استراتيجية التهويد لا تُسحب وباقية ما ظل كيانهم الغاصب لفلسطين قائمًا. التراجع عائد لأمرين سنعرض لهما، لكن بعد التنبيه بأن ما خلاهما هو لغو لا يعدو ضربًا من ترويجات وإيهامات وتوظيفات لسوانح حدث… من مثل:
وساطة جرينبلت، خطوط أبو الغيط الحمر، الاتصالات العربية مع نتنياهو، أو التمنيات عليه، مباشرةً، وبالأشبه بـ”الجاهات” عبر الأميركان، بأن يتفادى ما ستطول تداعياته الجميع إذا ما حرَّكت الشارع العربي وتعدته إلى الإسلامي، وأخيرًا المقتلة الإجرامية التي ارتكبها موسادي سفارته في عمان… كلها لا تعدو حواشي وفَّرت مادةً لذاك اللغو إلى أن وضع نتنياهو بنفسه حدًّا له، وهنا نأتي إلى الأمرين اللذين أجبراه على اتخاذ خطوته التكتيكية التراجعية، وهما:
الأول: وهو ما اعترف به مؤكِّدًا أنه وحده السبب، وهو معارضة المؤسسة الأمنية والجيش وتحذيرات التقارير الاستخبارية المنذرة من انفلات الأوضاع في كامل فلسطين ما قبل النكبة وما بعدها وبوادر انفجار انتفاضة لها ما بعدها جراء تداعيات قرار متسم بالغباء وفي التوقيت الأسوأ، تداعياته قد تشعل دنيا العالمين العربي والإسلامي.
الثاني: فشل المراهنة على انكسار إرادة الفلسطينيين…تجلى هذا في تحوُّل باب الأسباط إلى أيقونة إباءٍ وصمودٍ وتحدٍّ رافضٍ لخنوع المرحلة، وجديد صفحة في سجِّل النضال عُمِّدت بدماء شهداء الطور وراس العامود وسلوان، وزنِّرت بمشهدية الصلوات الكفاحية على مداخل البلدة القديمة، وحيث بات هذا الباب شاهدا على وحدة إنسان هذا الوطن المستلب بشقية المحتلين إثر النكبتين 1948، 1967 …على فشل حواجز وحدود وسياسات ثلاثة أرباع قرن من الكبت والعزل والتفريق والأسرلة.
…مما أدهش عميرة هاس في صحيفة “هآرتس” رؤيتها أنه “بين الذين لا يُصلّون عادةً من جاءوا أمس إلى أماكن الصلاة في القدس لمشاركة أبناء شعبهم، بل أيضًا بعض الفلسطينيين المسيحيين انضموا للمصلين وصلّوا صلواتهم باتجاه الأقصى ومكة”.
مقتلة سفارة نتنياهو في عمَّان لعبت دورًا واحدًا لا غير، وهو أن عودة مرتكبيها سالمين غانمين إلى كيانهم قد وفَّرت له سلَّم نزول من على شجرة بوَّاباته الإلكترونية وخدمته في تبرير تراجعه لصهاينته. لذا كان نشره لاتصاله الهاتفي بالقاتل قبل عودته واستقباله الاستعراضي له بعدها، وحيث خاطبة والسفيرة العائدة معه بقوله “لقد عملتما برباطة جأش…انتما تمثلان إسرائيل”… نعم كقتلة هما فعلًا يمثلان نتنياهو وكيانه.
…أما ما دفعه لأن يعجِّل بنزوله عن شجرته بعيد أن وفَّر له من استقبلهما بحفاوة استعراضية مخرجًا، فهي وباعتراف مصادرهم كانت العملية الفدائية التي نفَّذها فتى قرية كوبر بمنطقة بيت لحم الشهيد عمر العبد في مستعمرة “حمليش” المقامة على أرض القرية، والتي أوجعتهم وأفزعتهم وباتوا يخشون تكرارًا لها توفِّره غضبة الأقصى.
معلِّق متعقِّل منهم هو جدعون ليفي في صحيفة “هآرتس” ذاتها دعا إلى قراءة وصية شهيد العملية جيدًا “واستخلاص العبر” منها، وأولها أن “الضفة الغربية ستتحول جميعها إلى عمر العبد ـ وقطاع غزة أيضًا، ومن يعتقد أن هذا الأمر يمكن أن يكون مختلفًا فليراجع كتب التاريخ. هكذا يبدو الاحتلال وهكذا تبدو مقاومته”… لينتهي ليفي إلى القول إن “الخيانة الحقيقية ليست قراءة هذه الوصية، بل الاعتقاد أنه من خلال البوَّابات الإلكترونية والتصفيات وهدم المنازل والاعتقال والتعذيب، يمكن منع العمليات الكثيرة القادمة، الخيانة هي الاستمرار في وضع الرأس في الرمل”.
…معركة مرابطو ومرابطات باب الأسباط، والتي تحولت من ثم إلى مواجهات باب حطة، والتي امتدت بدورها إثر القمع الباطش وغير المسبوق في بشاعته لوأد فرحة انتصار الإرادة المدافعة عن الحرم القدسي لرمزيته الوطنية إلى جانب قداسته الدينية، إلى مواجهة عادت لتشمل كل القدس الشرقية، مردها إصرار خائضي مواجهاتها مع المحتل على عودة الأمور إلى الحرم لسابق عهدها قبل إجراءات نتنياهو وبوَّاباته الإلكترونية، ولو كانت الحالتان العربية والفلسطينية أفضل مما هما عليه لطالبوا بتحرير الأقصى وليس العودة لأوضاع سادت بعيد احتلاله… صمود فلسطيني بطولي يقابله تراجع صهيوني تكتيكي مع بقاء ما هو الاستراتيجي، فمحاولة سريعة وحاقدة للعودة عن هذا التراجع…معركة الأقصى لم تنتهي وإنما بدأت…



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 55 / 2165305

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع عبداللطيف مهنا   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2165305 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 21


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010