الجمعة 28 تموز (يوليو) 2017

كيف تحولت القدس إلى قاطرة للحركة الوطنية الفلسطينية؟

الجمعة 28 تموز (يوليو) 2017 par عريب الرنتاوي

منذ عدة سنوات، تحولت القدس إلى قاطرة تجر وراءها الحركة الوطنية الفلسطينية، منها انطلقت هبات شعبية متتالية، وفيها نشأت ظواهر الطعن والدهس، وفي مسجدها تنامت ظاهرة المرابطين والمرابطات، وحولها تدور التحركات الشعبية في عموم المناطق الفلسطينية المحتلة، والتي سيتردد صداها لاحقاً في الشتات الفلسطيني و»بعض الشوارع» العربية، وعلى جذع المدينة بمقدساتها وشوارعها وحاراتها الضيقة القديمة، ستنشأ ظواهر جديد في الحياة السياسية والوطنية الفلسطينية، فما الذي نقصد قوله، وما هي الأسباب التي جعلت القدس، حجر الرحى في الحراك الشعبي والوطني الفلسطيني؟ وكيف انتقلت المدينة من موقع «الطرف» إلى موقع «المركز» في الحركة وحراك الوطنيين الفلسطينيين؟

القدس، العاصمة المحتلة للدولة العتيدة، موطن المقدسات وحاضنتها، المعركة فيها وحولها تتخذ طابعاً مصيرياً، وأهل القدس تعلموا الدرس سريعاً: ما حك جلدك غير ظفرك، هم سدنة المسجد وحماته، وهو المفجر لطاقة الغضب عند الشعب والأمة عندما تنضح العنصرية بكل أشكال الاستبداد والكراهية والنهم التوسعي، للقدس مكانة فريدة في هذا المضمار، لا تتوفر على مثلها أية مدينة فلسطينية محتلة أخرى.
والقدس المحتلة ملتقى لرافدين أساسيين من روافد الحركة الوطنية الفلسطينية، فهي جزء من الضفة الغربية ومعادلاتها وفصائلها، وإن كانت تعرضت للتهميش والاستبعاد منذ أن أعادت إسرائيل احتلال الضفة في 2002، وأغلقت المؤسسات الفلسطينية في المدينة، ليتوج مسار الفراغ والتفريغ لاحقاً برحيل القائد الوطني البارز، ابن القدس، فيصل الحسيني... أما الرافد الثاني الذي يصب في القدس وحاراتها، فيمثل الأحزاب والحركات السياسية والاجتماعية الفلسطينية في المناطق المحتلة عام 1948، وما تتوفر عليها من وعي وأدوات كفاحية جديدة، فضلاً عن سهولة الحركة في المدينة التي ضمتها إسرائيل رسمياً عن غير وجه حق... التقاء الرافدين، جعل من القدس «دلتا» خصبة صالحة لإنتاج وابتداع مختلف أشكال الاحتجاج والمقاومة.
والقدس بعيدة عن هيمنة رام الله، بفصائلها وأجهزتها وحساباتها المعقدة، والمقدسيون يتمتعون بسقف أوسع من الاستقلالية وحرية الحركة، وصراعهم مع العدو مباشر، لا يمر بحلقات وسيطة من أي نوع، لا يحتاج إلى ضوء أخضر، يأتي حيناً ولا يأتي أحياناً، ولا يخشى الصدام بالشقيق بالوطن والهوية والقضية، حتى وإن كان متدثراً بزي الأمن الوطني الفلسطيني ... هناك العدو واضح، والمواجهة لا تحتاج إلى مشاورات وتفاهمات وموافقات وأذونات وغير ذلك مما ينتمي إلى عوالم «الفولكلور» الفلسطيني الجديد.
ولأن العاصمة المؤقتة للسلطة الفلسطينية (رام الله)، اكلت القدس مثلما أكلت منظمة التحرير، فقد أصبحت المدينة، أو العاصمة المحتلة، خالية من القيادات السياسية والوطنية المحلية، فلم تكن هناك خطط على الإطلاق، لخلق قيادات جديدة، وتمكينها من قيادة أهل المدينة وساكنتها، فتميزت الحركة فيها وفي أكنافها، بالطابع العفوي، غير المنظم، (اللامركزي وفقاً لتعبير الصديق أحمد جميل العزم)، فلا أحد بمقدوره الادعاء بأنه خلف الهبات الشعبية المتتالية، ولا أحد بقادر على إعلان المسؤولية عن ثورة السكاكين وعمليات الدهس المتكررة ... فهذه جميعها، أشكال من التعبير العفوي، الشبابي غالباً، المقاوم للاحتلال..
ولهذا السبب، شاهدنا في انتفاضة القدس الأخيرة، التي ما زالت دائرة حتى الآن، كيف انعقد اللواء لرجالات الدين لقيادة التحرك الشعبي والشبابي واسع النطاق، ضد الإجراءات الإسرائيلية بحق المسجد الأقصى ... القيادة الدينية للحراك، حلت محل القيادة السياسية في رام الله، أقله في إدارة العمل اليومي والميداني، ولقد اكتسبت هذه القيادة شعبية ومصداقية لم تحظ بها من قبل، وبما يفوق -ربما- ما لدى القيادة السياسية سواء في رام الله أو غزة ... ظاهرة جديدة، تستحق التوقف والتأمل والنقاش.
وللقدس أسبابها الموجبة للثورة والانتفاض والاحتجاج المتكرر والمتعاقب، فالمدينة التي يسكنها حوالي 320 ألف فلسطيني، بحاجة إلى 30 ألف وحدة سكنية لملاقاة النمو الطبيعي لسكانها ... ونصف قوة العمل المقدسية تعمل في إسرائيل والقدس الغربية، وحياة الفلسطينية في ظل سياسات الضم و»الأسرلة» والتهويد الزاحفة، تتحول إلى كابوس يومي.
وانتفاضات القدس المتعاقبة، هي رد فعل شعبي فلسطيني عفوي، على بعض «النجاحات» التي حققتها إسرائيل على طريق تكريس الضم، في ظل غياب أجندة وطنية فلسطينية واضحة في التصدي للسياسات الإسرائيلية، حيث تقول المصادر إن معدلات الإقبال على طلب الجنسية سجلت ارتفاعاً ملحوظاً في السنوات الأخيرة، وحيث أعداد الطلبة الفلسطينية المتقدمين لامتحان الشهادة الإسرائيلية يتعاظم باستمرار (خمسة آلاف طالب اليوم، مقابل ألف طالب فقط قبل ثلاثة أعوام)، وغير ذلك من مظاهر تقرع كل نواقيس الخطر في العاصمة الفلسطينية المحتلة.
هذه (بعض من كل) الأسباب التي جعلت القدس قاطرة تجر الحركة الاحتجاجية والكفاحية للشعب الفلسطيني مؤخراً، وهي (بعض من كل) الظواهر الآخذة في التشكل في المدينة والتي باتت تسم حراكها الشعبي، والمأمول أن تكون هذه المقالة، بمثابة دعوة للنقاش والتفكير في الظروف المحيطة بالمدينة وحراكها وهباتها المتعاقبة، علّنا نخرج ببعض الدروس المستفادة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 68 / 2165564

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

36 من الزوار الآن

2165564 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 34


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010