الأحد 23 تموز (يوليو) 2017

غضب دائم وليس ليوم واحد!

الأحد 23 تموز (يوليو) 2017 par عبداللطيف مهنا

ما يجري في القدس، معركة الأقصى الدائرة الآن، ليست بنت لحظتها، ولا هي فحسب تأتي في سياق متسلسل لما أعقب أو ترتب على العملية الفدائية النوعية لجباريي أم الفحم وأبطالها الثلاثة. إنها مظهر يسم حلقةً في مسلسل صراع تناحري عنوانه نكون أو لا نكون بالنسبة لشعب لا من خيار له سوى الصمود والتضحية مهما بلغت أسطوريتهما، بل وممارستهما كحياة يومية، كنضال دائم، حتى استعادة وطنه، أي تحرير أرضه وإنسانه. وهذه اللحظة النضالية المقدسية، يشحذها ويزيد من احتدامها ويصعِّد مستوى المواجهة فيها وسيديمها، عاملان:
الأول: بلوغ فجور التهويد للمدينة المنكوبة مداه حد مشارفته على اكتمال لا يعيق إتمامه سوى عدم الفروغ من جانبه الديموغرافي، بمعنى التخلص من أهلها، ووصوله بالضرورة إلى استهداف الحرم القدسي، وبالتالي الاصطدام المبرمج مع رمزيته، بمعنى أن ما يجري الآن له مقدماته، خطط المحتلون لبلوغه سلفًا ولا يخرج عن سياقات استراتيجيتهم.
ما يسمَّى “قانون القدس الموَّحدة”، الذي ناقشه الكنيست، إبلاغ نهائي للتسوويين، فلسطينيين وعربًا، أن لا تفاوض مستقبلًا معكم حول القدس، بمعنى أنه يكرِّس زعم اعتبارها “العاصمةً الأبدية للشعب اليهودي” المختلق و”يمنع تقسيمها”…وصولًا إلى إقفال أحد عشر بابًا من أربعة عشر مؤدية إليه وإبقاء ثلاثة مفتوحة الدخول من خلالها يخضع للعبور عبر بوَّابات إلكترونية، ناهيك عن إغلاقه والعبث به والسماح لغلاتهم بأن يصولوا ويجولوا فيه، ذلك قبل فتحه والسماح بالصلاة فيه، وكله يتسق أصلًا مع مخططاتهم الممهِّدة لتقسيمه، فالمقرِّب ليوم هدمه وبناء هيكلهم المزعوم مكانه، وبالمجمل يفيدون منها كخطى اختبارية لردود الأفعال عليها، فإن كانت مثلما حالها الذي نشهده راهنًا، عربيًّا، وإسلاميًّا، ودوليًّا، فما الذي يمنع من تصعيد لاحقاتها؟!
الإشاحة الإسلامية عن الانتهاكات المتواترة لأولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وسياسة النأي بالنفس العربية الرسمية عن القضية المركزية للأمة وأهلها، ومواصلة سلطة أوسلو تعاونها الأمني مع المحتلين لاحتواء الغضبة الشعبية في الضفة، كلها حوافز تقول لنتنياهو إلى الأمام، ما الذي يمنعك من التصعيد؟! بل إن في ارتفاع وتائر حديث التطبيع عربيًّا ما هو حريّ بأن يعده تشجيعًا، وحتى مكافأة، له، ناهيك عن الرعاية الأميركية، والدعم المتعدد الأوجه الذي يلقاه من متعهديه في الغرب المتصهين.
العامل الثاني: هو كون إرادة الصمود الذي لا يحد، والمقاومة العنيدة مهما بلغت قساوة الظروف المعاكسة لها بالمجمل، هما متوافرتان وراسختان لدى شعب مقاوم ومضحي منذ قرن في سبيل حريته واستعادة وطنه، بل هي حالة موضوعية ملازمه لمعاناته وبالتالي مستمرة ولن تتوقف، ولا ينقصها سوى دعم أمته له ووقوفها إلى جانبه، وتوفير عمق استراتيجي لمقاومته، وكف أذى الانهزاميين والمتواطئين والمتآمرين عليها…آخر نسخ تلكم المحطات النضالية الإعجازية، نظرًا للظروف الموضوعية المحيطة شديدة التعقيد والصعوبة، هي انتفاضة الفدائيين، التي ما أن يخالوا خبوَّها حتى تفاجئهم بجديدها وتطوره النوعي، وهذا ما كان من أمر عملية جباريي أم الفحم الفدائية، والتي هي بمثابة صرخة ضد الانهزامية والتطبيع، واستنهاض لأمة يجري تغييبها وتطويعها وشغلها بلعق جراحاتها الغائرة بسبب من الفتن التي يثيرونها في حياضها لإبعادها عن القيام بما عليها اتجاه قضية قضاياها.
ما دام هذان العاملان النقيضان موجودين، وهما كذلك لطبيعة العدو وطبيعة الصراع معه، فالاشتباك متواصل والمواجهة لن تتوقف، وأحداثها تضع الجميع في دنيا العرب أمام الاختبار الذي لا يرحم… الشجب والإدانات والتضامن والتعاطف لا تصرف في مثل هذه المراحل المصيرية في دائر الصراع الوجودي المحتدم… المطلوب هو وضوح وصدق المواقف، وأن يختر كلٍ معسكره… فلسطين حالة اختبار لا يستثني أحدًا على صعيد أمة بكاملها، أي كانت وباتت وتظل سؤال مفاده: أأنت مع نفسك، أم عدوك، مع أمتك، أم مع جبهة أعدائها؟؟!!
عملية الأقصى الفدائية كانت المفاجأة التي سيمكث تردد صداها طويلًا لدى المستويات الأمنية والعسكرية والسياسية الاحتلالية، وإذ بدأنا بالأمنية فلأنها الأهم لدى هذه الثكنة الاستعمارية. أولًا، لنوعيتها، فوفق وزير الأمن جلعاد أردان فإن “منفذي العملية قد تجاوزوا خطوطًا حمرًا”. وثانيًا، لأن منفذيها هم من مدينة أم الفحم الفلسطينية الجليلية في المحتل من فلسطين إثر النكبة، بما يعني هذا من ترابط ووحدة النضال الوطني الفلسطيني في هذه المحطة الإنتفاضية كما سواها، أرضًا وإنسانًا. وثالثًا، لأن ما يدعونها هم “انتفاضة العمليات الفردية” هي مستمرة وإلى تطور نوعي، وكل احترازاتهم الأمنية الهائلة، والمبالغ فيها في القدس بالذات، لم تمنع تواتر وتلاحق هذه العمليات ومفاجآتها ومستجد اشكالها وتعدد استهدافاتها.
…ما تقدَّم لن يمنعنا من القول بأن صدى ما يجري في القدس، تهويدًا ومواجهته، لم يك حتى الآن فلسطينيًّا هو وفق المطلوب. لا نتحدث عن السلطة فهي هنا خارج الحساب، لقد قامت بالمطلوب منها كعادتها، شجبت العملية الفدائية وأدانتها، وعزَّت المحتلين في قتلاهم، وتوالي التنسيق الأمني معهم لاحتواء ردود الفعل الشعبية، وإنما نشير إلى دعوة الفصائل إلى يوم غضب… في حين أن المطلوب منها هو موازاة هبة المقدسيين افعالًا مقاومةً لا احتجاجًا وتظاهرًا، وما يجري في القدس يستوجب غضبًا دائمًا وليس يومًا واحدًا منه!!!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 38 / 2165239

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع عبداللطيف مهنا   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

2165239 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 9


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010