الأحد 23 تموز (يوليو) 2017

“الأقصى” المقصى عن الاهتمام العربي!

الأحد 23 تموز (يوليو) 2017 par جواد البشيتي

إنَّها لـ”مُسلَّمة” أن أقول، وأن يقول معي كثيرون، إنَّ “المسجد الأقصى” ليس بذي أهمية تُذْكَر لدى العرب، دولًا وقِمَمًا؛ أمَّا في العالم الواقعي والحقيقي للسياسة التي ينتهجون ويمارِسون فقد أتوا إلينا بكل دليل مُقْنِع ومُفْحِم على أنَّ السلام مع إسرائيل ممكن وضروري وحتمي ولو ظلَّ المسجد الأقصى، والحرم القدسي كله، إلى الأبد على ما هما عليه الآن، وكأنَّ بقاء “الأقصى” خاضعًا لاحتلال إسرائيلي أبدي، لا يقف، ويجب ألَّا يقف، عقبة في طريق السلام (وتطبيع العلاقة بأوجهها كافة) مع “الدولة التلمودية”!
حتى “الشيوخ”، الذين يستسهلون الافتاء في كل شيء، فضَّلوا أن يغيبوا غياب “البدر” في الليلة الظلماء، فَلَم يكلِّفوا أنفسهم عناء الاجتهاد الديني في أمر “الأقصى”، فيُبَيِّنوا للعامة من المسلمين “حُكْم الشرع” في سلام مع إسرائيل يقوم على بقاء المسجد الأقصى على ما هو عليه.
إنَّنا لا ندعو الدول العربية، أو بعضها، إلى “تحرير” المسجد الأقصى، فلا يكلِّف الله نفسًا إلا وسعها؛ كما أنَّ “الدعوة” هي في حدِّ ذاتها مساهمة في بث ونشر مزيدٍ من الأوهام.
ما ندعو إليه فحسب هو أن “يُجامِل” السلام (العربي) مع إسرائيل ولو قليلًا المشاعِر الدينية لشعوبنا ومجتمعاتنا، فجعل “السلام”، في معاهداته واتفاقياته، مشروطًا، على الأقل، بحلٍّ انتقالي (مؤقَّت) دولي لمشكلة الحرم القدسي والأماكن المسيحية ككنيسة القيامة، يقوم على إنهاء كل مظهر من مظاهر السيادة (والاحتلال) الإسرائيلية، هو ما كان يجب أن يُفكَّر ويُعْمَل فيه عربيًّا، أي لدى المؤمنين من العرب بالسلام مع إسرائيل خيارًا استراتيجيًّا لهم.
ينبغي لهذا “الحلُّ” أنْ يجعل المشاعر الدينية الإسلامية بمنأى عن “الاستفزاز التلمودي” المستمر لها من طريق “التطهير الدولي” للحرم القدسي وللأماكن الدينية المسيحية من سيادة إسرائيل واحتلالها.
السلطة الفلسطينية، ومع أنَّها تَعْتَبِر القدس الشرقية أرضًا محتلة إسرائيليًّا، تبدو حريصة على تشجيع المسلمين على زيارة الحرم القدسي بمسجديه (“الأقصى” و”قبة الصخرة”). والفكرة الجوهرية الكامنة في توجهها هذا هي أنَّ زيادة أعداد الزوار المسلمين للقدس الشرقية والحرم القدسي تمثِّل شكلًا (عربيًّا وإسلاميًّا) من أشكال مقاومة الاحتلال الإسرائيلي للمدينة المقدسة، ورفضًا للأمر الواقع الإسرائيلي، ولسياسة التهويد، ولضمِّ إسرائيل إليها، وإعلانها جزءًا من عاصمتها الأبدية الموحدة.
وكانت إسرائيل قد افتعلت أزمة في العلاقة مع الأردن لمَّا شرع الكنيست يناقِش مشروع قانون يَنُص على “بسط السيادة الإسرائيلية على المسجد الأقصى”؛ وبموجب اتفاقية وادي عربة، يتولَّى الأردن الإشراف على المسجد الأقصى.
“القدس الشرقية”، وفي القَلْب منها يَقَع “الحرَم القدسي”، الذي يَضُم المسجد الأقصى، وقُبَّة الصخرة، والفناء الواسع بين المسجد والقُبَّة، هي جزء من أرضٍ فلسطينية، احتلتها إسرائيل من الأردن، في حرب 1967؛ ثمَّ وسَّعَت حدود “القدس الشرقية” بضَمِّها مناطق مجاوِرة لها إليها؛ ثمَّ وَحَدَّت القدس الشرقية والقدس الغربية، التي كانت جزءًا من إقليم دولتها قبل الحرب، مُعْلِنَةً “القدس الكبرى الموحَّدة” عاصمة أبديةً لها؛ وهذا عَنَى ضِمْنًا بسط السيادة الإسرائيلية حتى على المسجد الأقصى؛ وإسرائيل لم تُعْلِن قَطْ ما يمكن أنْ يُفْهَم منه أنَّ “الأقصى” مستثنى من سيادتها هذه.
حتى في اتفاقية وادي عربة، التي أسَّست للسلام بين الأردن وإسرائيل، لم نَرَ ما يمكن أنْ يُفْهَم منه أنَّ الأردن قد اقْتَطَع “المسجد الأقصى” من القدس الشرقية المشمولة بالسيادة الإسرائيلية؛ ولَمَّا صَوَّر السلام مع إسرائيل على أنَّه نُتاج تفاوض، أساسه مبدأ “الأرض في مقابل السلام”، لم يَقُلْ قَطْ أنَّ “الأقصى” جزء من تلك الأرض التي استعادها، أو كان يعتزم استعادتها؛ فكل ما حَصَلَ عليه لم يتعدَّ قبول إسرائيل إشراف الأردن على المسجد الأقصى؛ وهذا الإشراف (الإداري الشكل والمحتوى) لا يتناقَض مع استمرار السيادة الإسرائيلية (والتي هي في أصلها “احتلال”) على “الأقصى”، بصفة كونه جزءًا من “القدس الشرقية”، بصفة كونها جزءًا من “القدس الكبرى الموحَّدة، والعاصمة الأبدية لإسرائيل”.
“الدور الهاشمي” في القدس إنَّما هو، على ما ورد في الاتفاقية الموقعة بين السلطة الفلسطينية والأردن والخاصة بالأماكن المقدَّسة في القدس، “دور الحماية والرعاية والإعمار للأماكن المقدَّسة (منذ سنة 1924″).
وهذا إنَّما يعني أنَّ “الحماية”، وبمفهومها، أو معناها، “التاريخي”، لا تعني حماية هذه الأماكن من إسرائيل، التي لم تكن موجودة سنة 1924، وإنْ كان وجودها، مع مخاطره على هذه الأماكِن، كامنًا في “وعد بلفور”، وفي “الممارسات اليهودية” لسلطة الاحتلال البريطاني في فلسطين.
الرئيس الفلسطيني محمود عباس، بتوقيعه هذه “الاتفاقية”، اعترف لملك الأردن عبدالله الثاني بِمِلْكِيَتِه (الحصرية) لهذه الصفة، التي شرحت “الاتفاقية” كيفية اكتساب الملك لها إذْ قالت: “بناءً على دور الملك الشريف الحسين بن علي في حماية ورعاية الأماكن المقدَّسة في القدس وإعمارها منذ سنة 1924، واستمرار هذا الدور.. في ملك المملكة الأردنية الهاشمية من سلالة الشريف الحسين بن علي حتى اليوم، انطلاقًا من البيعة (أيْ بيعة أهل القدس وفلسطين له في 11 آذار سنة 1924) التي بموجبها انعقدت الوصاية على الأماكن المقدَّسة للشريف الحسين بن علي؛ وقد آلت الوصاية على الأماكن المقدَّسة في القدس إلى جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين”.
ووجه الشبه بين اليوم والبارحة، في هذا الشأن، إنَّما هو “الاحتلال”؛ ففي سنة 1924 كانت فلسطين خاضعة للاحتلال البريطاني؛ وفي سنة 2013، كان إقليم دولة فلسطين (الافتراضي) والذي يشمل، أيضًا، القدس الشرقية، خاضعًا للاحتلال الإسرائيلي.
لإسرائيل التي ما زالت تحتل القدس الشرقية، مع الحرم القدسي، تقول “الاتفاقية”: الملك هو، وحده، صاحب الوصاية وخادم الأماكن المقدَّسة في القدس، و”دولة فلسطين” هي، وحدها، صاحبة السيادة على القدس (الشرقية) والحرم القدسي.
في “الاتفاقية” وَرَدَ الآتي: “تأكيد حرية جميع المسلمين في الانتقال إلى الأماكن المقدّسة الإسلامية..”؛ فهل هذا يعني تمكين مسلمين من مواطني دول عربية ودول أخرى من الذهاب إلى المسجد الأقصى حتى قبل رَفْع الاحتلال الإسرائيلي عنه؟
قبل هذه “الاتفاقية”، اعترفت إسرائيل للأردن (في معاهدة وادي عربة) بحقِّه في رعاية (أي في الاستمرار في رعاية) الأماكن المقدَّسة (الإسلامية والمسيحية) في القدس؛ وقُبَيْلها، اعترفت القمة العربية في الدوحة بالدور الهاشمي التاريخي في القدس.
لكن كل ذلك يَفْقِد أهميته، أو كثيرًا منها، ما بقي الاحتلال الإسرائيلي للقدس الشرقية؛ وهذا إنَّما يشدِّد الحاجة إلى “اتفاقية” لحلٍّ نهائي ودائم لمشكلة القدس (الشرقية) مع حرمها القدسي.
لو سُئل نتنياهو، مع سائر المتعصبين التلموديين، عن “شرعية” دولة بني إسرائيل لأجاب على البديهة قائلًا إنَّ “السماء” هي التي منها اسْتُمِدت (أوَّلًا) هذه الشرعية؛ فـ”خطاب” الرَّب، أو “وعده”، كان أوَّلًا؛ ثمَّ جاء خطاب بلفور، أو وعده، ثمَّ جاء قرار الأمم المتحدة الرقم 181، ثمَّ..
إنَّ “خطاب الرَّب” هو حجر الأساس في بنية “روايته التاريخية” المقنِعة للأغبياء من بشر القرن الحادي والعشرين؛ وكان ينبغي لكل عقلاني أنْ يشك ولو قليلًا في هذا الذي يعتدونه “مسلَّمة”، على ما يفتقر إليه من أدلة الإثبات؛ فإنَّ من السُّخف بمكان أنْ نتَّخِذ من أمْرٍ يحتاج إلى الإثبات “مُسلَّمة”، ثمَّ نُثْبِت بها، أو ننفي، أمورًا أخرى!
لقد قنط نتنياهو من الجهود المضنية التي بذلها علماء الآثار الإسرائيليون (منذ احتلال إسرائيل للضفة الغربية والقدس الشرقية) لإثبات أنَّ لـ”الشعب اليهودي” حقًّا دينيًّا وتاريخيًّا في أرض فلسطين، وفي “العاصمة الموحَّدة الأبدية” على وجه الخصوص.
ولا شكَّ في أنَّ “النتائج” قد ذهبت بأوهامه التلمودية إذ أكَّد علماء آثار يهود، بعد البحث والحفر والتنقيب في “مدينة داود” في حيِّ سلوان في القدس الشرقية، أنْ لا شيء هناك يدلُّ على أنَّ داود كان له قصرًا، حيث بحثوا وحفروا ونقَّبوا، أو أنَّ ذلك المكان عَرَف داود، أو عرفه داود.
أحد أبناء الوهم التلمودي قال: إنَّ أحدًا في العالم ليس من حقه أن يسأل إسرائيل في أمر بناء منازل في القدس الشرقية (عاصمة الملك داود) لأنَّها عاصمتها منذ ثلاثة آلاف سنة، وإنَّها كانت يهودية خالصة عندما كان أجداد العرب يعاقرون الخمر، ويئدون البنات، ويعبدون اللات والعزَّى. والقرآن نفسه لم يَذْكُر اسم القدس؛ و”خريطة الطريق” لم تُشِرْ لا من قريب ولا من بعيد إلى القدس الشرقية. أمَّا الضفة الغربية (ومعها القدس الشرقية) فهي أرض لا سيادة لأيِّ دولة عليها؛ لقد كانت قبل حرب حزيران 1967 تحت “الاحتلال الأردني”، ثمَّ سيطرت عليها إسرائيل؛ وعليه، لم تستولِ عليها إسرائيل من أيِّ دولة حتى تعيدها إليها؛ وعليه، أيضًا، يحق لإسرائيل أن تفعل فيها ما تشاء.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 19 / 2160584

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع ارشيف المؤلفين  متابعة نشاط الموقع جواد البشيتي   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

7 من الزوار الآن

2160584 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 7


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010