الأحد 23 تموز (يوليو) 2017

الأقصى مُحتل.. هذه هي الحقيقة..!

الأحد 23 تموز (يوليو) 2017 par علاء الدين ابو زينة

- علاء الدين ابو زينة

تشهدُ فلسطين المحتلة وعدة مدن عربية وإسلامية احتجاجات غاضبة بسبب إجراءات كيان الاحتلال الأخيرة في المسجد الأقصى. ويوم الجمعة قبل يومين، عنونت محطة عربية شهيرة: “جمعة النفير: 3 قتلى ومئات المصابين بمواجهات مع الاحتلال”، من دون استخدام وصف “شهداء” لوصف الضحايا الفلسطينيين، فيما يقال الكثير عن تغير النوايا تجاه فلسطين -والأقصى.
الغضبة الشعبية من أجل الأقصى مبررة. فهو لا يخص الفلسطينيين وحدهم، وإنما يلامس المقدّس لدى مئات الملايين من المسلمين. لكن الملفت هو موسميّة الانتباه إلى وضع الأقصى، ومعه فلسطين التي هو جزء منها. ويبدو أن “غضبات” الأقصى و“النفير” من أجله أصبحت تعني نسيان حقيقة وجود الأقصى تحت الاحتلال المذل كل الوقت، بحيث لا ينتبه أحد إلى وضع هذا المسجد إلا إذا مسّه شيء إضافي غيّر “عادية” وجوده تحت الاحتلال.
يشبه وضع الأقصى اليوم وضع شخص أسير منذ زمن طويل، مشبوح في زنزانة سيئة لا تراها الشمس، ويمر كل لحظة بكل ما يمر به السجين، من فقدان الحرية العزيزة، إلى ذل السجن وإهانات السجانين. ومع ذلك، يظل جماعته وأهله ساكتين إلى أن يأتي حارس سجن فيلكزه مثلاً، أو يمنع أهله من الزيارة.
واقع نسيان احتلال الأقصى وفلسطين، وتذكُّرهما فقط عند المساس بالأقصى، يغوي بشعور غير طبيعي: أن يرغب المرء في أن يفعل الاحتلال شيئاً يخص الأقصى بالتحديد، لأن ذلك كفيل بإعادة مأساة فلسطين إلى الواجهة، ويُذكّر الجميع بأن هناك احتلالاً هو الذي يتحكم بالناس والمقدسات، بغض النظر عن أي توصيفات أو تسميات بقصد تعزية الذات فحسب.
والحقيقة أنه لا كرامة لأسير. ولو وضعتَ عصفوراً في قفص من القش أو الحديد أو الذهب، فإن ذلك لا يغير شعوره ولا واقع حاله. وإذا كان أحدٌ يريدُ أن يغضب للأقصى وما يمثله ويرمز إليه حقاً، فإن حالة الغضب ينبغي أن تكون دائمة وليست موسمية، إلى أن يتحرر.
تذكرنا غضبة اليوم بالانتفاضة الفلسطينية الثانية، انتفاضة الأقصى التي بدأت قبل 17 عاماً إثر دخول آرئيل شارون باحات المسجد. وكانت تلك حالة واعدة وضعت الاحتلال ومؤسسته في وضع محرج أخلاقياً وأمنياً. ولم تستطع سلطات الاحتلال طوال خمس سنوات احتواء الحالة الثورية الفلسطينية إلا بتلقي مساعدة من وعد السلام الذي لم يتحقق.
قررت القيادة الفلسطينية بعد رحيل عرفات أن مهمتها هي إنهاء الانتفاضة الثانية وتحييد المقاومة، على أساس أن “عملية السلام” التي تضمنها الولايات المتحدة، سوف تجلب للفلسطينيين الحرية من دون حاجة إلى مواجهة الاحتلال. لكن العدو استغل توقف الفلسطينيين عن الاشتباك ليأخذ كل وقته في تعميق الاحتلال، وتوسيع المستوطنات، ومصادرة الأراضي، وجعل إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة مستحيلاً بصنع المزيد من “الوقائع على الأرض”. وبالتوازي، ماطل على طاولات المفاوضات ولعب بالفلسطينيين كما يريد.
الهدوء الذي فرض على الفلسطينيين أقنع مواطني كيان الاحتلال أيضاً بأنهم يعيشون في وضع مريح ليس هناك ما يستوجب تغييره. ولذلك، لم يضغطوا على حكوماتهم من أجل السلام وإنهاء الاحتلال. كما واصلوا انتخاب حكومات يمينية عدوانية على أساس برامج الاستيطان والضم، لأن انتخابهم هذه الحكومات لم يرتب عليهم أي كلفة. وبالإضافة إلى ذلك، أصبح العرب الرسميون يدّعون أن الفلسطينيين “على ما يرام”، باعتبار أنهم يفاوضون، وأصبحت أحداث قتل الفلسطينيين واعتقالهم وهدم بيوتهم ومصادرة أراضيهم تمر يومياً من دون إثارة الكثير من الانتباه، بل وأصبحت جزءاً من الطبيعي.
النتيجة الآن، هي ما كانت عليه منذ عقود: ما تزال فلسطين محتلة. والمسجد الأقصى وقبة الصخرة وكنائس المهد والقيامة والمسجد الإبراهيمي وكل شيء آخر تحت الاحتلال. وفي الحقيقة، لا يستطيع معظم الفلسطينيين، وكل العرب والمسلمين، أن يصلُّوا في الأقصى، سواء قبل هذه الأزمة أو بعدها. وحتى القلائل الذين يستطيعون الصلاة فيه، إنما يصلون في مسجد أسير، ويكونون مسجونين في داخله كما هم خارجه.
الغضب الموسمي للأقصى بسبب أحداث مفردة وتجاهل أصل مأساته يخرج القصة من السياق. وإذا كانت هناك جديَّة في احترام الأقصى ورمزيته والحرص على جعله متاحاً للصلاة للجميع وفي كل وقت، فإن الطريق الواضح هو حرية فلسطين، وبالسبيل الوحيد الواعد: المقاومة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 38 / 2165765

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2165765 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 20


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010