الأحد 23 تموز (يوليو) 2017

فلسطين بين الحق والشر

الأحد 23 تموز (يوليو) 2017 par محمد خليفة

- محمد خليفة

التآمر الغربي على القضية الفلسطينية ليس وليد الساعة، بل يعود إلى عدة قرون مضت، فمنذ أواخر القرن الحادي عشر الميلادي، الخامس هجرياً، جاء الصليبيون اللاتين من بلاد غرب أوروبا، إلى هذه الأرض بحجة إنقاذ ما أسموه «القبر المقدس» من أيدي المسلمين. وعاد هؤلاء يجرون أذيال الخيبة متجرعين مرارة الهزيمة بعد نحو قرنين من الصراع المستمر.
لم ينس الأوروبيون جراحهم، وظلوا يبيتون النوايا، ويضمرون الحقد طوال القرون الماضية، إلى أن واتتهم الفرصة، بعدما امتلكوا القوة، عادوا ينبشون جراحات الماضي، مشعلين حرباً صليبية جديدة، لكن بشكل آخر يتناسب مع مقتضيات العصر الحديث، فعلى الرغم من أن اللاتين جاؤوا في الماضي مع نسائهم وأطفالهم لاستيطان فلسطين، وسلخها بشكل نهائي عن محيطها العربي، إلا أنهم هذه المرة قاموا باختراع شعبٍ من مختلف بقاع العالم تحت مسمى «جمع شتات الشعب اليهودي»، زاعمين أن فلسطين أرض بلا شعب، لذا فهي تصلح وطناً لشعب بلا أرض. وقدموا لهذا الشعب كل الدعم من قوة عسكرية متاحة، تاركين له العنان ليفسد ويقتل ويطرد أبناء فلسطين تحت سمع وبصر العالم، إلى أن تمكن من إنشاء كيانه المغصوب، وسارع الجميع مهرولين للاعتراف بشرعيته وحقه، ولم ينقطع دعمهم له في المحافل الدولية والأممية، وحمايته بالتستر على جرائمه وفظائعه، ودعمه اقتصادياً وعلمياً، وإمداده بكافة أنواع الأسلحة حتى الذرية منها.
هذه الأسلحة التي استخدمت في قتل وترويع الشعب الفلسطيني، وشردت العديد منهم في المخيمات والشتات، وأسهمت في ترويع دول الجوار وإرهابها وشن الحروب عليها، وأصبحت المنطقة العربية في وجود هذا الكيان الغاصب رهينة أجواء الخوف والتربص. وزاد الطين بلة محاولة طمس اسم فلسطين من الذاكرة الدولية، فقامت شركة جوجل الأمريكية بوضع خريطة على موقعها «خرائط الأرض» يظهر فيها اسم «إسرائيل» على كامل مساحة فلسطين، ورغم أن الموقع يظهر مدناً فلسطينية في الضفة وغزة، لكن من يراها يظن أنها من ضمن «إسرائيل»، ولم تكتفِ جوجل بذلك، بل أزالت من موقع خرائطها على النت المسجد الأقصى، ووضعت بدلاً منه ما يسمى هيكل سليمان، تحت مسمى «جبل الهيكل في أيدينا» The Temple Mount is in Your Hands
. وقد قال هذه العبارة موتا غور، قائد الفرقة الصهيونية التي استولت على المدينة القديمة في القدس، عام 1967. وسرعان ما تحولت العبارة إلى شعار ترفعه حركة كبيرة من المستوطنين، هدفها الرئيسي بناء معبد هيكل سليمان مكان المسجد الأقصى. وبدأت الحركة تكتسب زخماً كبيراً مؤخراً وحصلت على موطئ قدم قوي لها في حزب الليكود الحاكم، حيث كان أكثر من نصف أعضاء الحزب داعمين لها. وينص برنامج الحزب على ما يلي، «سيعمل الليكود في الفترة المقبلة على إيجاد حل يسمح بحرية العبادة لليهود على جبل الهيكل».
وكان المندوب الفلسطيني لدى منظمة اليونيسكو قد قدم مشروع قرار يؤكد فيه عدم علاقة اليهود بالحرم القدسي الشريف، ويشكك بالتالي، في علاقة اليهود بحائط المبكى «حائط البراق»، ولقي هذا المشروع دعم سبع دول عربية هي (المغرب والجزائر ولبنان وعمان ومصر والسودان وقطر)، واتخذت المنظمة قراراً تاريخياً في 15 أكتوبر 2016، يؤكد عدم وجود أي علاقة تاريخية بين اليهود والدولة الصهيونية وبين المسجد الأقصى والحرم الشريف. ورغم أن رئيسة المنظمة إيرينا بوكوفا، رفضته وتمسكت بحق «إسرائيل» وبالتسمية اليهودية «جبل الهيكل»، إلا أن هذا القرار حصل على غالبية أعضاء المنظمة، وبالتالي أصبح قراراً دولياً نافذاً. وكرد على هذا القرار قررت الحكومة «الإسرائيلية» تأسيس صندوق «لتراث جبل الهيكل»، أي: المسجد الأقصى والحرم القدسي الشريف، في إطار سياسة تهويد البلدة القديمة في القدس المحتلة. وقدم الوزيران «الإسرائيليان» زئيف إلكين وميري ريغف، اقتراحاً بهذا الخصوص لكي تبحثه الحكومة «الإسرائيلية» وتقره في المستقبل القريب، وادعى الوزيران في تبرير مشروع القرار أن هدفه: «غرس المعرفة في موضوع جبل الهيكل، وارتباط الشعب اليهودي به لدى الجمهور الواسع في البلاد والعالم بواسطة أدوات حديثة، وبضمنها المبادرة وإنتاج نشرات إعلامية بلغات مختلفة، وإقامة وصيانة موقع إنترنت متعدد اللغات كي يستعرض المضامين المتعلقة بتراث جبل الهيكل، والقيام بنشاط في شبكات التواصل الاجتماعي، وتطوير ونشر دورات عبر الإنترنت لصالح مجموعات مركزة متنوعة».
لا شك أن معركة الشعب الفلسطيني ضد تهويد تاريخه وثقافته سوف تزداد ضراوة في المستقبل، ف«إسرائيل» لن تتراجع عن هدفها الرامي إلى ابتلاع كل فلسطين، وتهويد المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس وباقي المدن الفلسطينية، مستغلة ضعف العرب وتشتتهم، وانقسام البيت الفلسطيني من الداخل، علاوة على هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية، وحلفائها في الغرب، الداعم الأكبر ل«إسرائيل» اقتصادياً وعلمياً وعسكرياً، على القرار الدولي في مختلف الصعد. لذا فإن الشعب الفلسطيني، وبدعم من الشعوب العربية والحرة في العالم، مطالب بالتوحد، ورأب الصدع والشقاق؛ ليتمكن من متابعة كفاحه حتى يستعيد أرضه ووطنه الذي تآمر عليه صهاينة العالم كلهم شرقاً وغرباً.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 78 / 2165543

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2165543 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010