الجمعة 30 حزيران (يونيو) 2017

تَغوُّل وسطوة الاتجاهات اليمينية

الجمعة 30 حزيران (يونيو) 2017 par علي بدوان

إن حالة المجتمع “الإسرائيلي” الراهنة، تُقرر بأن هذا المجتمع غير جاهز البتة للقبول بتسوية سياسية مع الفلسطينيين وعموم البلدان العربية عمادها قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة وحق الفلسطينيين بدولة مستقلة وحق اللاجئين بالعودة، وهي القرارات التي قَبِلَ بها الفلسطينيون والعرب بالرغم من إجحافها الكبير بالحقوق التاريخية للشعب العربي الفلسطيني على أرض وطنه التاريخي..
مما لا شكَ فيه، ووفق المُعطياتِ المُستقاةِ من الواقع الملموس، فإن حضور قوى اليمين بشقيه العلماني، والتوراتي، وكذلك اليمين المُتطرف في “إسرائيل” وداخل المجتمع اليهودي على أرض فلسطين التاريخية، يتسع الآن أكثَرَ من أي وقتٍ مضى، لأسباب ذاتية داخلية “إسرائيلية” بحتة، ولأسباب موضوعية مُحيطة، لها علاقة:
أولًا باندلاق شهية التوسع والاستيطان في المجتمع “الإسرائيلي” وسطوة نفوذ لوبي المستوطنات والأحزاب التوراتية الصغيرة وأحزاب (الحريديم) في القرار الحكومي، وداخل مقاعد وأروقة الكنيست (البرلمان الإسرائيلي).
ولها علاقة ثانيًا بتوافر الغطاء الذي تحظى به حكومة بنيامين نتنياهو من قبل الولايات المتحدة، حيث الانتقاد الأميركي الناعم والمخملي لسياسات الاستيطان، ومن باب رفع العتب لا أكثر، دون مفاعيل جدية بالضغط على دولة الاحتلال لدفعها للانصياع لقراراتِ الشرعيةِ الدوليةِ.
ولها علاقة ثالثًا بمستويات الأداء الفلسطيني في ظل الانقسام الفلسطيني السائد والمُزمن منذ سنوات طولية.
كما لها علاقة رابعًا بطغيان الخطاب الإعلامي اللفظي العربي المناهض لسياسات “إسرائيل” الاستيطانية دون مفاعيل جدية على الأرض لجهة الضغط على “إسرائيل” وتحريك المجتمع الدولي لهذا الغرض.
إن الدلائل الحسية والملموسة على ما ذهبنا اليه أعلاه، تتضح الآن بصورة فاقعة، حين قررت حكومة بنيامين نتنياهو، وبكل صلافة، وجسارة، وبكل تحد للعرب ولعموم المجتمع الدولي، رفع منسوب عمليات التهويد والاستيطانِ، في أول رد فعل لها على قمة البحر الميت العربية الأخيرة، وما تلاها من حديث عربي عن إحياء مبادرة السلام العربية وفق نصوصها التي أطلقتها قمة بيروت العربية في آذار/مارس 2002، والتي أكدت في جانب هام منها على التمسك بـ”تبني حل الدولتين”، والذي باركه الاتحاد الأوروبي.
لقد قررت حكومة نتنياهو والمجلس الوزاري المُصغّر (الكابينيت) وباجماع الأصوات داخلهِ، إقامة مستعمرة (عامونا) جديدة للمستوطنين الذين تمّ اخلاؤهم من (عامونا) القديمة بقرار من المحكمة العليا “الإسرائيلية”، في منطقة واقعة على بعد عشرين كيلومتر جنوب مدينة نابلس شمال الضفة الغربية المحتلة عام 1967. فقد أعلن بنيامين نتنياهو عن مصادرة نحو (900) دونم أرض وتسجيلها كـ”أراضي دولة” في قرى: الساوية وقريوت واللبن شمال الضفة الغربية، وهو ما تم البدء العملي به قبل أيام قليلة.
إن الدلائل الحسية الإضافية بشأن التحوّلات المتسارعة في “إسرائيل” لجهة اتساع حضور صفوف قوى اليمين واليمين المتطرف، نلمسها أيضًا من خلال مُعطيات قياسات استطلاع للرأي في “إسرائيل” نُشِرَت نتائجه مؤخرًا، فقد أظهرت تلك النتائج تراجعًا في نسبة المؤيدين لمبدأ “الأرض مقابل السلام” في المجتمع “الإسرائيلي”، مقارنة باستطلاعات، أجريت في سنوات سابقة. وأوضح مركز “القدس للشؤون العامة والدولة” الذي يرأسه (دوري جولد) المدير العام السابق لوزارة الخارجية “الإسرائيلية”، أن نسبة المؤيدين لمبدأ “الأرض مقابل السلام” كأساس للتسوية السياسية مع الفلسطينيين وعموم العرب، هبطت إلى (36%)، مقارنة مع عام 2005، حيث بيّنت استطلاعات مُشابهة عن تأييد حوالي (60%) من “الجمهور اليهودي” لهذا المبدأ.
وأظهرت النتائج أن (80%) من المُستطلعة آراؤهم يرفضون التخلي عن السيادة “الإسرائيلية” على الحرم القدسي الشريف في أي تسوية سياسية قادمة مع الفلسطينيين وعموم العرب، فيما عبّر (10%) عن استعدادهم للقبول بمثل هذه الخطوة. كما اعتبر (79%) أن “مدينة القدس يجب أن تبقى في وضعها الإداري الحالي كاملة في حدود دولة إسرائيل”، في أي تسوية سياسية. وبخصوص مستقبل غور الأردن، فقد عَبّرَ (81%) عن تمسكهم بالسيادة “الإسرائيلية” الكاملة عليه، واعتبر (60% ) أنه “لا يجوز الاعتماد على أي قوة دولية “تنتشر في المنطقة كبديل للسيادة الإسرائيلية”.
أما “استطلاع مؤشر السلام الشهري”، الذي تُصدرُه جامعة تل أبيب و”المركز الإسرائيلي للديمقراطية”، ونتائجه التي أعلن عنها قبل أيام قليلة، فتبدو ليست بالبعيدة عن نتائج الاستطلاع السابق، حيث بَدَت آراء ومواقف اليهود في “إسرائيل” منقسمة حول ضم الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967 لـ”السيادة الإسرائيلية”، إذ يرى 44.4% “أنه على إسرائيل ضم المناطق المحتلة، فيما يعارض 45% هذه الخطوة”. في المقابل، يعارض 79.5% من المواطنين العرب في الداخل ضم المناطق المحتلة، فيما يؤيد ذلك 11.5% فقط. ويظهر المؤشر أن 50.8% من اليهود يعتبرون “أن إقامة المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة كانت خطوة صحيحة وهامة من أجل المصالح القومية لإسرائيل، فيما يعارض 31.3% ذلك”. وبحسب نتائج الاستطلاع وقياساته، يرى 27% من اليهود “أنه كان يتوجب على إسرائيل اقتراح إرجاع جميع المناطق المحتلة مقابل اتفاق سلام شامل، فيما يعارض 65.1% منهم هذه الرؤية. وبالمقابل، يرى 46.4% من العرب هذه الخطوة صحيحة فيما يعارضها 40.6%.”. وقال 54.2% من اليهود إنه “كان على إسرائيل ضم المناطق المحتلة عام 1967 (الضفة الغربية، قطاع غزة، الجولان السوري وشبه جزيرة سيناء المصرية) إلى السيادة الإسرائيلية وفرض السيطرة عليها، فيما يعارض هذه الفكرة 80% من العرب”. واعتبر 65% من اليهود، بحسب الاستطلاع “أن احتلال الضفة الغربية والسيطرة عليها حتى اليوم يخدم المصالح الأمنية والعسكرية لإسرائيل، لكنه يضر بوضعها الدبلوماسي، الاقتصادي والديمقراطي في العالم، فيما يرى المجتمع العربي أن احتلال الضفة الغربية يساهم في أي من القطاعات في إسرائيل”.
وعليه، إن حالة المجتمع “الإسرائيلي” الراهنة، تُقرر بأن هذا المجتمع غير جاهز البتة للقبول بتسوية سياسية مع الفلسطينيين وعموم البلدان العربية عمادها قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة وحق الفلسطينيين بدولة مستقلة وحق اللاجئين بالعودة، وهي القرارات التي قَبِلَ بها الفلسطينيون والعرب بالرغم من إجحافها الكبير بالحقوق التاريخية للشعب العربي الفلسطيني على أرض وطنه التاريخي فلسطين. وبالتالي فإن الحديث عن جهد أميركي قادم للوصول إلى حلول بين “إسرائيل” والفلسطينيين مسألة غير مُمكنة على ضوء الواقع الداخلي الحالي في “إسرائيل” التي تعيش فصولًا من تَغَوُّل وسطوة الاتجاهات اليمينية وخطابها اللاسلامي.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 41 / 2165630

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع علي بدوان   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

2165630 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010