الجمعة 2 حزيران (يونيو) 2017

ألمانيا واليابان وعظة التاريخ

الجمعة 2 حزيران (يونيو) 2017 par محمد الصياد

هنالك العديد من الأمثلة التي لا تعد ولا تحصى، المُدلّلة، على الحصاد المخيب الذي حصدته أطراف عديدة من الحروب والنزاعات المسلحة في العالم، والتي تشكل دروساً بليغة يفترض أن تجعلها تفكر ألف مرة قبل إعادة كرة التورط في دوامتها المحيقة. ألمانيا مثل صارخ على عدم اتعاظ بعض الأمم وقادتها بالدروس المريرة التي ساقتها لهم اندفاعاتهم غير محسوبة العواقب صوب الحرب وويلاتها. في 28 يوليو 1914غزت الإمبراطورية النمساوية المجرية، حليفة وربيبة ألمانيا القيصرية، مملكة صربيا، متخذة من اغتيال ولي عهد النمسا الأرشيدوق فرانس فرديناند وزوجته في 28 يونيو 1914 في مدينة ساراييفو (عاصمة جمهورية البوسنة والهرسك حاليا)، ذريعة لذلك. وبعد يومين من ذلك أعلنت ألمانيا الحرب على روسيا، وعلى فرنسا بعد ذلك بيومين أيضا، واجتاحت القوات الألمانية في 4 أغسطس/ آب بلجيكا ولوكسمبورغ قبل أن تمضي قدما لغزو فرنسا، ما دفع بريطانيا العظمى لإعلان الحرب على الإمبراطورية الألمانية، ليتوالى بعد ذلك انقسام العالم إلى معسكرين متحاربين، معسكر الحلفاء الذي ضم بشكل أساسي الامبراطورية البريطانية وروسيا القيصرية وفرنسا ومعهم بعد ذلك الولايات المتحدة، ومعسكر دول المحور الذي ضم بشكل أساسي الإمبراطورية الألمانية والإمبراطورية النمساوية المجرية والدولة العثمانية ومملكة بلغاريا. والنتيجة أن السلطة الحاكمة في ألمانيا القيصرية ذات النزعة العسكرية منيت بهزيمة نكراء كان من أبرز النتائج التي انتهت إليها الحرب في 11 نوفمبر 1918، أن الإمبراطوريات الثلاث، الإمبراطورية الألمانية، الإمبراطورية الروسية، الإمبراطورية النمساوية المجرية، قد زالت من الوجود، إضافة إلى زوال الدولة العثمانية. كما فقدت الإمبراطوريتان السابقتان الألمانية والروسية، أجزاء من أراضيهما، بينما تفككت الأمبراطورية العثمانية بشكل كامل ولم يعد لها وجود.
ومع ذلك لم تتحرج الطغمة العسكرية الألمانية في نسختها القومية هذه المرة بزعامة فوهررها الهمام أدولف هتلر، في الخروج ثانية إلى الحرب، بإعادة الكرة في شن العدوان على الدول الصغيرة المجاورة لها وفي مقدمتها بولندا، مدشنة بذلك بداية الحرب العالمية الثانية (1939-1945)، التي انتهت هي الأخرى بإلحاق معسكر الحلفاء الذي ضم بالأساس كلاً من بريطانيا، روسيا، والولايات المتحدة، هزيمة نكراء بدول معسكر المحور الذي قادته ألمانيا ومعها إيطاليا واليابان.
بعد الحرب، هجعت ألمانيا واليابان واستسلمتا للواقع العالمي الجديد الذي أنشأه المنتصرون في الحرب على أرض الواقع، وانصرفتا للبناء والإعمار، وألقتا بموروثهما النازي والفاشي خلف ظهريهما. وحققتا بهذه الانعطافة السلمية الصامدة لأكثر من سبعة عقود، معجزتين اقتصاديتين لا نظير لهما. فتراءى للأسرة الدولية أن الدولتين قد دفنتا إلى غير رجعة ماضيهما العسكرتاري. ولكن هيهات، فها هي الطموحات القومية تُبعث من جديد في ألمانيا، وها هو رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي ذو الطموحات القومية غير المخفية والنزعة العسكرية التي بدأت تطفو على السطح، يستغل أغلبية حزبه الحاكم في السلطة التشريعية ليعيد بعث الروح العسكرية من جديد داخل مؤسسة الحكم اليابانية، حيث صوت الائتلاف الحاكم منفرداً بقيادة رئيس الوزراء شنزو آبي الخميس 16 يوليو 2015 على قانون يجيز لليابان إرسال قوات إلى الخارج بعد خروج أحزاب المعارضة الرئيسية من قاعة مجلس النواب احتجاجاً وتعبيراً عن الغضب العام إزاء هذا القانون المرفوض أيضا من قبل أغلب الرأي العام الياباني، حيث احتشد حينها قرابة 60 ألف شخص خارج البرلمان احتجاجاً على القانون، بالتوازي مع تجاهل رئيس الوزراء شنزو آبي لتحذيرات الجامعيين ورجال القانون بشأن عدم دستوريته. ويتيح التشريع الجديد للجيش الياباني المشاركة في مهمات لحفظ السلام دون غطاء من الأمم المتحدة، وتحديداً إجازته التدخل لمساعدة بلد حليف، مقصود به أساساً الولايات المتحدة. ولا يقتصر الأمر على اليابان وألمانيا وحدهما، إذ إن عدم الاتعاظ بدروس الحرب، يكاد يكون هو القاعدة ما خلا بعض الاستثناءات النادرة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 25 / 2165450

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع ارشيف المؤلفين  متابعة نشاط الموقع محمد الصيّاد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2165450 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010