الجمعة 2 حزيران (يونيو) 2017

العودة إلى زمن الحرب الباردة

الجمعة 2 حزيران (يونيو) 2017 par د. عبد العزيز المقالح

صار واضحاً في العامين الأخيرين، وبعد أن بدأت القطبيات المتعددة بالتكوّن، أن العالم يعود أدراجه مسرعاً نحو زمن الحرب الباردة، بكل ما حفلت به من تحرشات، وتهديدات، وتهديدات مضادة، مباشرة، أو مبطّنة. وعند القطب الشمالي من الأرض، وعلى حدود الكوريتين تتجسد ملامح حرب باردة يرى فيها بعض المتابعين السياسيين مقدمة لحرب عالمية ثالثة. وهي رؤية مبالغ فيها لما يترتب على وقوعها من دمار شامل ونهاية محققة للأرض ومن عليها، وما عليها.
لقد بدأ العالم الدخول في مرحلة حرب باردة جديدة، وهي حرب محسوبة النتائج، سبق للبشرية أن عانت تبعاتها منذ أربعينات القرن المنصرم، إلى ثمانيناته، تسخن حيناً وتبرد حيناً، إلى أن انتهت إلى ما يشبه حالة سلام مؤقت، وانتصار غير متوقع للقطب الوحيد «الولايات المتحدة الأمريكية»، التي بدأت منذ ذلك الوقت تعاني ضعف القدرة على استيعاب المشكلات العالمية، ومواجهة الصراعات والنزاعات الإقليمية في اكثر من مكان وزادت تدخلاتها المباشرة من وطأة العبء، وخطورة المرحلة.
إن الحديث عن حرب عالمية ثالثة سهل، وفي إمكان أي متابع لواقع الشأن الدولي أن يتنبأ بحرب طاحنة، لا تُبقي ولا تذر، ولكن من الصعب عليه، وعلى أي متابع أن يتحدث عما بعد هذه الحرب، إن حدثت الآن لن يكون بعد وقوعها ما يمكن القول عنه «بعد»، كما لا يمكن الحديث عن منتصر ومنهزم، إنها نهاية ليست كل المتحاربين فحسب، بل وجميع البشر الذين لا حول لهم ولا طول، وليسوا طرفاً في الصراع الدائر بين الكبار، وهم لا يقفون مع هذا الطرف، أو ذاك.
لهذا كله، فإن الحرب ستظل باردة، قد تسخن معها الكلمات، وتشتعل التصريحات، لكن الحسابات الدقيقة للنتائج ستجعل من قيام حرب عالمية امراً مستحيلاً، ليس بحكم توازن القوى وإنما بحكم ما سيترتب عليها، إذا ما قامت، من نهاية لكل شيء، ولأسباب مهما كانت أهميتها لدى هذا الطرف أو ذاك، تبقى تافهة، ولا تساوي شيئاً مقارنة بالنتائج المرعبة، والمدمرة، المتوقعة، والمؤكدة.
إن أي مغامر، أو مجنون تقترب يده من أي زر من أزرار التفجير ستنهار مغامرته، ويعود إليه عقله، ولو في اللحظة الأخيرة، فالكارثة اكبر من أن يتحمل وزرها مغامر، أو مجنون، وأكبر من أن تدفع القيادات المتصارعة على المطامع والغنائم المؤقتة إلى الهلاك المحقق. وهناك، كما يخيل لي، عقلاء يتحكمون في مفاتيح الصناديق المقفلة، رغم ما يقال من أنها في يد شخص واحد، مهما كانت سلطته، أو مدى نفوذه، وهذا ما يفرض على الشعوب التي لا ناقة لها ولا جمل، أن تنأى بنفسها عن أن تكون ميداناً لصراع القوى الدولية، ومسرحاً لرياح السياسة العاتية. والطريق إلى ذلك مفتوح، ومفروش بالتصالح والتسامح بين أبناء هذه الشعوب التي كانت منذ عقود بسبب الاختلافات التي طغت بين هؤلاء الأبناء، المكان المفضل لإشعال الحروب والفتن على صعيدها الذي فقد الأمن والسلام، وفقد الاستقرار، ومكان مختل كهذا يشكل خطراً على أهله وعلى جيرانه وعلى العالم أجمع.
وفي هذا الصدد، لا أخفي تعاطفي مع الرأي الذي يقول إن الحرب العالمية الثالثة قد قامت على شكل حروب دارت هنا، وهناك، وأفرغت الشحنة التي كانت تشكل حالة من الاحتقان لحرب عامة وطاحنة، وقد تكون تلك الحروب - مع الأسف - هي وسيلة القوى الكبرى مجدداً لوقف التمادي في التحضير لحرب ليس في استطاعة أية قوة تفادي نتائجها المروعة. إذاً لا وقت لحرب عالمية ثالثة، أو رابعة، وما يقال في بعض وسائل الإعلام، وعلى بعض القنوات، من تطور الصراع بين القوى، وقرب نشوب حرب عالمية ليس سوى محاولة لزرع الرعب في النفوس، وصرف الانتباه عن حروب صغيرة، ولكنها مدمرة، وذات نتائج قاسية على شعوب افتقدت البوصلة، أو بالأحرى افتقد قادتها الرؤية الصحيحة، ووضعوها عن جهل، أو عن وعي وإصرار مسبق، في موضع الهلاك.
وفي ما يخصنا نحن العرب، فإن لدينا من المنغّصات والمخاوف الواقعية والراهنة ما يكفي لو توزع على سكان المعمورة لأغرقهم في بحار من الآلام لا شطوط لها.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 31 / 2165460

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع ارشيف المؤلفين  متابعة نشاط الموقع عبدالعزيز المقالح   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2165460 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010