الجمعة 26 أيار (مايو) 2017

كلمات في الذكرى التاسعة والستين للنكبة

الجمعة 26 أيار (مايو) 2017 par علي بدوان

تَحّلُّ الذكرى التاسعة والستين الأليمة لنكبة فلسطين، والشعب الفلسطيني داخل فلسطين وعموم مناطق الشتات يعيش الذكرى بجراحه المكلومة، مواصلًا نضاله وكفاحه المشروع، سائرًا على درب العودة، وعاملًا على إعادة شحذ الهمم من جديد لمواصلة طريق العمل المضني من أجل ابقاء جذوة القضية الوطنية للشعب الفلسطيني حية، باقية، بالرغمِ من الظلامِ القاتمِ المُخيّمِ على عموم المنطقة، وبالرغمِ من سيلِ الضغوط والمشاريع الخارجية الهادفة لفرض حلولٍ تصفوية لقضية فلسطين، وفي المُقدمةِ طمسِ حقِ العودةِ للاجئين الفلسطينيين، وإهالةِ الترابِ عليه لدفنه إلى الأبد، وتكريسِ الحلول الاستئصاليةِ له عبر توطين اللاجئين الفلسطينيين حيث هم، وتهجيرِ أعدادٍ كبيرة منهم إلى جهاتِ المعمورةِ الأربع.
كما تَحِلُّ تلك الذكرى التاسعةِ والستين، الذكرى الآليمة للنكبة، مُترافقةً مع وقفةِ الأسرى وإضرابهم المفتوحِ عن الطعام في سجون الاحتلال، لا كذكرى بل كيومٍ أسودٍ في تاريخِ الشعبِ الفلسطيني، لايتمُ شطبِ سوادهِ إلا باستمرار العملية الوطنية الفلسطينية، وعلى طريق عودة كل الفلسطينيين إلى أرض وطنهم التاريخي.
تأتي ذكرى نكبة فلسطين في عامها التاسع والستين، والحالةِ الفلسطينيةِ مُثخنةِ بالجراحِ والآلامِ، في الداخلِ وفي الشتات، حيث النكبة الثانية لفلسطينيي سوريا، في مخيم اليرموك وغيره من التجمعاتِ الفلسطينيةِ فوق الأرضِ السوريةِ، التي تم استهدافها خلال تلك الحرب الهمجية، والتي كان وما زال من بعض غاياتها المَسُ بلاجئي فلسطين في سوريا، ودفعهم للهجرة إلى بلادِ وأصقاع المعمورة باتجاهاتها المُختلفةِ. فأصحاب مشاريع دَفنِ حقِ العودةِ، يُدركون تمامًا بأن المخيماتِ والتجمعاتِ الفلسطينيةِ اللاجئةِ في الشتاتِ، ليست مكانًا جغرافيًّا بحتًا، أو موئلًا لمجموعات أو كُتلًا بشرية من اللاجئين الفلسطينيين، إنها جزء أساسي من التاريخ والفعل، الذي يُلخص دراما النكبة الفلسطينية وتحولاتها، كما يُلخص سطوة وقوة وحضور الفلسطيني. فهي رمزية كفاحية باتت موجودة بشكل مُستديم في سردية العمل الكفاحي للمسيرة الوطنية الفلسطينية المعاصرة، وللوطنية الفلسطينية.
إن صمود المخيمات والتجمعات الفلسطينية في الشتات، ومنها صمود أبناء لاجئي فلسطين في مخيم اليرموك وعموم التجمعات الفلسطينية فوق الأرض السورية، أعاد إلى الصدارة قضية اللاجئين وحق العودة. فقضية اللاجئين الفلسطينيين لن تقف إلى الأبد عند حدود الأمر الواقع الصهيوني، وكما برهن على هذا الدور الملحوظ والأساسي لأبناء المخيمات الفلسطينية في المقاومة والانتفاضة داخل فلسطين، حيث شكّل المخيم الفلسطيني وما زال الخزان البشري ووعاء الطاقة الذي لا ينضب في رفد وتعبيد مسار الثورة والنهوض الوطني الفلسطيني في إطار الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة وعموم قواها وفصائلها المقاتلة.
في الفعاليات اليومية الجارية في فلسطين والشتات إحياءً لذكرى النكبة التاسعةٍ والستين، والمُترافقة مع فعاليات التضامن مع الأسرى في سجون ومعتقلات الاحتلال، استعادت قضية اللاجئين الفلسطينيين وحقِ عودتهم إلى أرض آبائهم وأجدادهم في فلسطين التي طردوا منها إبان النكبة، زخمًا قويًّا، واجماعًا مُتعاظمًا، في ظل الصمود في الداخل الفلسطيني، ونهوض اللاجئين في مخيمات قطاع غزة والضفة الغربية وداخل مناطق فلسطين المحتلة عام 1948 والشتات، وفي وقفة التأكيد على التمسك بحق العودة كحقٍ غير قابلٍ للتصرف، فحق العودة ليس البحث عن مأوى وطعام ومدرسة ومستشفى كما يروج الاحتلال والكثير من ساسة الغرب، بل هو حق سياسي بالدرجة الأولى يتمثل بالعودة إلى الأرض الفلسطينية وامتلاك الهوية الفلسطينية. وبذا فقد باتت قضية العودة، عنوانًا أساسيًّا من عناوين الصراع بين المشروع الوطني الفلسطيني والمشروع الصهيوني الذي ساق الأكذوبة الكبرى “فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”.
لقد أيقظت انتفاضات الشعب الفلسطيني المتتالية، وصموده العنيد في قطاع غزة والضفة الغربية وداخل مناطق فلسطين المحتلة عام 1948، وتعاظم إصراره في مواجهة حملات القمع الدموي الصهيوني، حلم العودة الفلسطيني المشروع من سباته القسري، وأظهرت المخزون الهائل عنده في فلسطين ومجتمع اللاجئين منه على وجه الخصوص، ومن الاستعداد العالي للتضحية في سبيل الدفاع عن أرضه وحقوقه الوطنية، وفي مقدمة هذه الحقوق حقه في العودة إلى أرض الوطن. وأظهر الشعب الفلسطيني في محنته مع اتساع القمع الفاشي “الإسرائيلي” الهادف لتدمير ووأد حلمه المشروع بالعودة، محنة الصمود والمثابرة في وجه فاشية حكام دولة الاحتلال، أن لا شيء يمكن أن يَمُرَ من وراء ظهره، وأن لا شيء يُمكن أن يَسُدَ في وجهه طريق الحرية والخلاص، طريق عودة اللاجئين.
إن حق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى أرض الآباء والأجداد، في فلسطين حق لا يموت بالتقادم، ولا يلغيه تَجَبٌّر ظالم، فهو عنوان أساسي في الصراع مع الاحتلال، كما هو حق أخلاقي، إنساني، وطني فضلًا عن كونه حقًّا محفوظًا في إطار قرارات الشرعية الدولية، ويَمِسُ بشكلٍ مباشر العنصر الأهم من عناصر القضية الفلسطينية وعناوين الصراع العربي والفلسطيني ـ الصهيوني.
وانطلاقًا مما ورد أعلاه، إن خطوات فلسطينية، وعربية ملموسة أصبحت الآن ضرورية أكثرَ من أي وقت مضى لإبقاء قضية اللاجئين الفلسطينيين وحق العودة حية، الأمر الذي يستدعي أيضًا إعادة الاعتبار للوحدة الوطنية الفلسطينية، ولقضية اللاجئين الفلسطينيين وحقهم في العودة، انطلاقًا من مشروعية هذا الحق. وفي التأكيد على أن حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم هو حق غير قابل للتفاوض أو التصرف، وهو في الوقت نفسه حق جماعي للشعب الفلسطيني يرتبط بحق تقرير المصير.
إن العبرةِ في يومِ النكبةِ، تُحَتّم على الجميع في الساحة الفلسطينية ضرورة العودة لإعادة بناء الوضع الذاتي الداخلي الفلسطيني، وطي صفحة الانقسام الأسود، وإسدال الستار عليه، فلا انتصار مع وجود حالة التمزق والانقسام، ولا إنجاز مُمكنا مع بقاء الوضع الفلسطيني متشظيًا ومنقسمًا على حاله. فوقفة الأسرى في إضرابهم المفتوح عن الطعام، ونداء الوحدة الوطنية بات الآن يَصُم الأذان وهو يدوي وينطلق على لسان الأسرى، وعامة الناس في فلسطين والشتات.
أخيرًا، إن قوة الحق، حق العودة، لا يُمكن أن تكون فلسفة أو فكرة طوباوية كما يعتقد الكثير من الساسة، ومن أصحاب القرار في الغرب الأوروبي والولايات المتحدة، بل هي قوة الحياة ذاتها التي لا يستطيع كائن مخلوق في دنيا الوجود أن يفرملها أو أن يوقفها عن الدوران، أو أن يلجم حركتها الأبدية. والشعب الفسطيني في هذا المضمار يواصل مسيرته المُعبدة بالتضحيات والضحايا، وكله أمل بأن فجر الانتصار سينير ساطعًا في سماء فلسطين.
لقد قال الشاعر الكبير محمود درويش:
كان المخيَّم جسم أحمد .. كانت دمشق جفون أحمد .. .. هناك حيث أحمد العربي .. تمر الوردة بين مقصلتين .. وردة لشهيد الثورة الفلسطينية في مخيَّم الشهداء .. ووردة لمدافع عنك لهذا التاريخ والتراكم النضالي ..
ونضيف القول من جانبنا، هنا في مخيَّم اليرموك كلما اتكأت على حجر تتدفق من السماءِ زنابقَ بيضاء على شكلِ رجالٍ يحملونَ ما تبقى في هذه الأرضِ من وجعٍ.. يتدفق من السماء ماء وخبز وصلوات سباقًا على طريق العودة لفلسطين.. ودمع مصحوب بعتاب يبقى مُعلقًا على حواف الهواء .. هنا في مخيم اليرموك ينتمي الجميع للفقراء في هذه الأزقة، الفقراء السائرين على دروب العودة لفلسطين.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 59 / 2165848

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع علي بدوان   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2165848 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010