الجمعة 12 أيار (مايو) 2017

“الانقسام” وسباق المراهنة على ترامب!

الجمعة 12 أيار (مايو) 2017 par عبداللطيف مهنا

ذا ما سمعه ترامب والفلسطينيون والعالم من طرفي “الانقسام”، فماذا بالمقابل ما سمع الطرفان والفلسطينيون والعالم من ترامب؟!
 لم يسمعوا سوى إحالة صاحب “جرأة التغيير” حل مشعل “المنصف” إلى عهدة التوافق مع نتنياهو، كما لم يسمع منه أبو مازن بالذات كلمة واحدة تتعلَّق بمأثور الأخير “حل الدولتين”..
أول الانطباعات التي خلقتها صدمة تلقي نبأ الإجراءات العقابية الجماعية التي اتخذتها “المقاطعة” بحق مليوني فلسطيني محاصرين في قطاع غزة، ثم ما لحق ونقلته وسائل إعلام المحتلين بحفاوة من وعيد بإجراءات لاحقة خصها بخبره جماعة السلطة وصلت حد إنذار حماس بالاستسلام وتسليم القطاع لها، أو للتنسيق الأمني خلال يومين دون قيد أو شرط، هو أن ما سُمِّي بـ”الانقسام” قد ازداد شرخه طولًا وعرضًا وفصلت بين ضفتيه هوَّةٌ آخذة في اتساع لا يسهل تصوُّر رأبه.
لكنما ما سمعه ترامب في يوم استقباله لأبي مازن في واشنطن، وما سبق وأن سمعه قبل ذلك بساعات قليلة عبر شبكة C.N.N من خالد مشعل في الدوحة، يأتينا بواحدة أخرى أولى الانطباعات الناجمة عنها، هي أن طرفي “الانقسام” المتسع قد أوجدا من حيث لا ينويان عبر مراهنتهما على ترامب ما يجسِّر، إن صح القول، بعضًا مما ألحقته هوَّته المتسعة من تباعد بين ضفتي انقسامهما المزمن، حتى ليكاد يكون جائزًا القول الآن إن ترامب قد بات وحده القاسم المشترك “للإجماع الوطني” المنعدم إجماعه في الساحة الوطنية منذ أن كانت أوسلو وما ظلت…كيف؟!
قبل سفر أبي مازن وتحضيرًا له، نوَّهت مصادر الاحتلال، التي ترقب مسيرة رحلته بدءًا ونهايةً وعن كثب، بكون الإجراءات العقابية الجماعية المتخذة بحق غزة هي واحدة من لوازم هذا التحضير ومن ممهداته، ووصل الأمر حد أن تصفها صحيفة “هآرتس” بأنها دليل على “محاربة السلطة للإرهاب”، أو ما يعني عندها المقاومة. وبعد وصوله، وقبل أن يستقبله ترامب بساعات قليلة وصلت، كما أشرنا، رسالة حماس المتلفزة، وإذا ما أُضيف فحواها إلى فحوى ما سمعه ترامب من أبي مازن في المكتب البيضاوي، يكون الرئيس الأميركي، القادم لفلسطين المحتلة بعد أقل من ثلاثة أسابيع، قد حظي بمبايعة كلٍ من طرفي “الانقسام” ليمضي قدمًا في “صفقة القرن” التصفوية الغامضة حتى على الأميركان أنفسهم، ذلك عبر إجماع الطرفين على المراهنة على عدالته وانتظار مكرمته التسووية!
بعد الثناء على امتلاك ترامب لـ”جرأة التغيير”، حض خالد مشعل الرئيس الأميركي على “التقاط الفرصة” التسووية السانحة “لحل منصف” للقضية! أما أبو مازن فأطنب قائلًا الكثير، ومن بينه ما هو استجابة لاشتراطات مبعوث الرئيس الأميركي جرينبلت التي سبق وأن مهَّدت للزيارة، والتي كنا قد أشرنا إليها في مقال سابق، ومنه قوله: “ثقوا يا فخامة الرئيس بأننا نربي أطفالنا على ثقافة السلام”، في إشارة لمطلب ترامب بوقف التحريض، ونجمل ما تبقى بذكر قوله حاثًّا النخوة السلمية المأمولة لدى ترامب: إننا “نتكل على الله ثم عليكم لتحقيق معاهدة سلام تاريخية برعايتكم وحكمتكم”، لكنما اللافت هو أنه لم يتطرَّق “للاستيطان” ولا لإضراب الأسرى، والأدهى هو تقديمه دفعة تنازلية سلفًا على الحساب، عندما قال إن “قضايا الوضع النهائي قابلة للحل بما فيها اللاجئون والأسرى”، وهو تنازل صريح عن حق العودة الذي هو جوهر القضية الفلسطينية، وهذا وإن كان منه ليس بالجديد، كما تضمن مداورةً بنود ما تعرف بـ”مبادرة السلام العربية”، إلا أنه الآن يأتي صريحًا وفي معرض إلحاح حد الاستجداء لاستدرار العودة للمفاوضات، هذه التي بدأت منذ ما قارب ربع القرن، وكل ما كان منها هو أنها قد أفضت بالقضية إلى هذه الحال التي هي الآن عليه.
هذا ما سمعه ترامب والفلسطينيون والعالم من طرفي “الانقسام”، فماذا بالمقابل ما سمع الطرفان والفلسطينيون والعالم من ترامب؟!
 لم يسمعوا سوى إحالة صاحب “جرأة التغيير” حل مشعل “المنصف” إلى عهدة التوافق مع نتنياهو، كما لم يسمع منه أبو مازن بالذات كلمة واحدة تتعلَّق بمأثور الأخير “حل الدولتين”، كل ما سمعاه، من فرس رهانهما الأميركية الجديدة الجامحة، هو أن “الحل أسهل مما يتخيله الكثيرون”، والباقي لاحقًا!
قبل وصول أبي مازن تسبقه إلى البيت الأبيض رسالة خالد مشعل التلفزيونية، استبقت واشنطن الزائر والرسالة فصرح نائب الرئيس الأميركي بنس مؤكدًا، أن “التزام الرئيس (ترامب) بنقل السفارة الأميركية إلى القدس ما زال قائما، وربما وشيكًا”، وقبل أن يقفل أبو مازن مغادرًا الديار الأميركية كتبت صحيفة “الواشنطن بوست” إن “اجندة ترامب في الشرق الأوسط هي أجندة نتنياهو”، وإن الإدارة الأميركية الحالية “تتبنى رؤية اليمين الإسرائيلي المتطرِّف الرافض لحل الدولتين، ولمبدأ قيام دولة فلسطينية مستقلة”.
وقبل الرسالة المتلفزة التي أعقبت نشر وثيقة حماس، والزيارة التي طال التحضير لها حياة مليوني فلسطيني محشورين في معتقل غزة الكبير، وتجاهل الزائر إبانها إضراب الأسرى في سجون الاحتلال، وما قاله نائب الرئيس ترامب عشيتهما سلفًا، وما قالته صحيفة “الواشنطن بوست” غداتهما، كانت صحيفة “معاريف” قد تحدثت قبل أكثر من شهر عن زيارة ترامب لفلسطين المحتلة، والتي يفصلنا عنها الآن أسبوعان، ومعه وفد من كبار مسؤولي الإدارة الأميركية لحائط البراق والقدس القديمة، أما زميلتها “يديعوت أحرونوت” فجزمت بأن ترامب سوف يعلن إبان هذه الزيارة الميمونة اعتراف الولايات المتحدة بـ”القدس الموحَّدة عاصمةً لإسرائيل”…وكله، بانتظار “صفقة القرن”!!!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 32 / 2165274

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع عبداللطيف مهنا   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

9 من الزوار الآن

2165274 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 9


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010