الأحد 29 آب (أغسطس) 2010

صوت «إسرائيل» من رام الله : عريقات والرجوب وعبد ربه يخاطبون «الإسرائيليين»

الأحد 29 آب (أغسطس) 2010

بالذات في الاسبوع الاكثر حراً في السنة، الاكثر حراً في قرن من الزمان، بالذات في هذا الاسبوع ذي الكوابيس، في رام الله ثمة توقيت شتوي. في اللحظة التي تجتاز فيها حاجز قلنديا يتعين عليك أن تحرك العقارب ساعة الى الوراء «42.5 درجة مئوية الان في الخارج»، يعلن بفخار ابو عيسى، سائق السيارة العمومية، «مثل هذا الحر لم نشهده». إذن ما الذي يجعل فجأة مجال للتوقيت الشتوي؟ «هذا بسبب رمضان»، يشرح ويضيف «توجد صلوات منذ الرابعة صباحاً، يصعب هكذا النهوض في الظلام». يتبين أننا لم نكتشف شيئاً.

داخل السيارة العمومية الوضع صعب بقدر لا يقل. المكيف يحرص على تنفيذ اثنتين من مزاياه الثلاث التي تميز امثاله : فهو صاخب وهو ينفث الهواء. هواء حار. رام الله قائظة، ولكن رغم رمضان يتجول الناس في الشوارع. قليل من المحلات التجارية مفتوحة. بما في ذلك تلك التي تبيع أو تقدم الطعام. والليل يقال انه جميل هنا.

اذا كانوا يتحدثون في «اسرائيل» عن فقاعة عقارات، فان رام الله هي ببساطة عقارات. مبان جديدة في كل حي، في كل زاوية. رافعة في كل قطعة أرض خالية. الحجر - حجر قدسي. الزجاج - زجاج تكنولوجي بلون اخضر. قبل سنة كانت شقة من ثلاث غرف في مكان جيد تكلف 90 الف دولار اما اليوم فهي تباع بـ 130 الفاً. هذه الايام ينتهي بناء فندق جديد في المدينة لشبكة موفينبيك. على مسافة غير بعيدة منه مقهى يعج بالناس ويسمى «نوفا»، مصمم بالابيض الناصع على نمط جادة روتشيلد في «تل أبيب». القليل جداً من رجال الامن ينتشرون في المدينة. لا سيارات دورية، ولا صافرات. هدوء وسكينة لدرجة ان بوسعك أن تجن من الحسد. الفارق البارز بين رام الله والقدس مثلاً، هو انعدام وجود شبكات الغذاء السريع. لن تجدوا هنا فرعاً لماكدونالدز.

[**قبة الصخرة بقيت*]

من أجل الوصول الى رام الله خرجت من البيت وأخذت سيارة عمومية. عبر طريق 443 دخلنا الى قلنديا، حيث التقيت بـ «رجال مبادرة جنيف» ومن هناك بسرعة، مباشرة الى «تل أبيب السلطة الفلسطينية». على مدى يوم كامل تراكضت بين مباني الحكم المختلفة. دخلت وخرجت من مكاتب ثلاثة من كبار «رجال السلطة» وفي ثلاثة اجزاء مختلفة من المدينة. في نهاية اليوم اخذت سيارة عمومية وعدت الى بيتي في هشارون، على مسافة 55 دقيقة سفر.

كل ذلك دون أن اتأخر ولو مرة واحدة في حاجز. لا عند الدخول الى رام الله ولا عند الخروج. ولا حتى في الدخول الى المباني في المدينة. لا عند الدخول الى المكاتب ايضاً. لم يسألني احد من أنا، ولم يطلب مني أحد بطاقة هوية. لم يجرِ لي احد تفتيشاً. هود هشارون - رام الله، دون اثارة قصة كبيرة، ببساطة الدخول الى سيارة والانطلاق الى الطريق. لو اردت، لكان بوسعي أن آخذ معي سلاحاً وان اختطف كل واحد من كبار المسؤولين الذين التقيتهم. لو اراد، لكان بوسع كل مار ان يدخلني في صندوق سيارة وان يخفيني الى الابد. الان ايضاً، بعد اسبوع من عودتي، يصعب عليّ أن استوعب السهولة والطبيعية التي في السفر الى هناك. إما أن السلام قد حل ولكن احداً ما ببساطة نسي اطلاعنا على ذلك، أو أن كل قصتنا معهم معقدة لدرجة أن صليل سيف بالصدفة يمكنه أن يغيرها. اذا كان يتعين عليّ أن اراهن، فاني سأختار الامكانية الثانية.

وصلت الى رام الله بدعوة من «رجال مبادرة جنيف». فقد جاؤوا ليصوروا حملة بمشاركة كبار مسؤولي «السلطة الفلسطينية». في اشرطة قصيرة وببوسترات كبيرة سيحاول الزعماء الفلسطينيون اقناعنا، نحن الجمهور «الاسرائيلي»، بان الكرة في ايدينا. يفترض بالحملة ان تنطلق على الدرب اليوم، في البداية على الانترنت وفي الايام القريبة القادمة في اعلانات في الصحف وفي يافطات على الطرقات. وفي الادوار الرئيسية يلعب جبريل الرجوب، صائب عريقات، ياسر عبد ربه وآخرون. جمهور الهدف : «الاسرائيليين». الرسالة : «نحن شركاء للسلام، وماذا عنكم؟» التمويل، بالمناسبة، بإجمالي مليون شيكل، امريكي في معظمه. مدير عام «مبادرة جنيف»، غادي بليتيانسكي والمخرج رون اسولين يشرفان على التصوير. اختيار المواقع مضنٍ. مكاتب مسؤولي «السلطة» متفرقة، بشكل متناثر في ارجاء المدينة. مكتب صائب عريقات، مثلاً يقع في مبنى اليافطة عليه تقول : «سلطة دفع مكانة المرأة». ولكن في الطابق الاول وجدنا بالذات دكان أثاث ومطبعة.

مكتب جبريل الرجوب يقع في مكاتب اتحاد كرة القدم الفلسطيني، حيث يعمل الرجوب كرئيس للاتحاد، اضافة الى مناصبه في «فتح». وسبب هذه الفوضى، كما يشرح لي المضيفون، هو انعدام الرغبة الفلسطينية في النظر الى رام الله كعاصمة «للسلطة». «في هذه اللحظة لا توجد لنا عاصمة»، يشرح احدهم. «عندما سنقيم دولة سنبني أجمل مؤسسات «سلطة» في القدس».

في مكتب عريقات يتردد رجال طاقم التصوير طويلاً في مسألة هل يصورونه على طاولة العمل أم في زاوية الجلوس. زاوية الجلوس مثيرة للسأم، ولكن خلف طاولة العمل توجد صورة ضخمة لقبة الصخرة، الى جانب صورتي عرفات وابو مازن وامامهما علم فلسطين. مساعدو عريقات يطلبون إزاحة العلم. وبعد مفاوضات قصيرة يلوح حل وسط : قبة الصخرة والعلم يبقيان، الطابعة التي اختفت في الزاوية وحطمت اطار الصورة ـ ازيحت. احدى «الاسرائيليات» في الفريق تهمس بان المفاوضات الحقيقية تبدو هكذا. «يتحدثون ويتحدثون، وفي النهاية يخرجون مع انجازات بائسة مثل الطابعة».

اسولين يطلب من عريقات ان يبدأ بكلمة «شلوم» بالعبرية. «هذا سيكون مؤثراً»، يشرح بالانكليزية ـ وآكشن. عريقات يتحدث بنبرة متصالحة ويعترف فوراً بانه يعرف بان «القيادة الفلسطينية» خيبت أملنا، نحن «الاسرائيليين»، في عشرات السنوات الماضية. «ولكني أعرف بان هذا لا يزال ممكناً»، يقول. «هيا ننقذ حياة الفلسطينيين والاسرائيليين». رجال الفريق مبتهجون. «كان هذا كاملاً»، يعلن اسولين. «انا صدقتك، هات اتفاقاً وأنا سأوقع عليه فوراً».

من جبريل الرجوب بالمقابل، اضطر اسولين الى ان ينتزع كلمة شريك بصعوبة شديدة. الرجوب يفضل ان يذكر أولاً بأن على كل المستوطنين المجانين واليهود ان يخجلوا من أن باروخ مارزيل يهودي. وقبل دقيقتين من ذلك تمازح مع ضيوفه («كم شخصاً جئتم؟ هذا حقاً احتلال هنا»؛ «لماذا كل هذا القدر الكثير من الصور؟ أسيذهب هذا الى الفيسبوك؟»)، ولكن عند التصوير بات عدوانياً ومستفزاً، مهدداً أكثر مما هو مطالب. أسأل بعد ذلك غادي اذا كان لا يخاف من أن يحقق فيلم الرجوب نتيجة معاكسة من ناحيتهم. فيعتذر قائلاً : «هذا هو الرجوب. مع ذلك مخرب سابق مكث 17 سنة في السجن. ولكني اعرف بانه ملتزم بهذا الامر».

ما هو هدف الحملة، أسأله. «المفهوم لدى الجماهير «الاسرائيلية» هو أنه لا يوجد شريك للسلام داخل الفلسطيني»، يجيب غادي. «الجميع يريد السلام ولكن لا يؤمنون بانه يوجد مع من يمكن الحديث. نحن نحاول تغيير المفهوم : ان نشرح بانه يوجد شريك، وان المشكلة هي بالذات عندنا».

[**وماذا عن الحملة في الشارع الفلسطيني؟*]

«نحن نقوم بحملة للقيادة. «القيادة الفلسطينية». مع رسالة دولتين للشعبين. نحن ندعي بان من المهم الوصول الى تسوية دائمة وبسرعة. لن نأخذ زعماء «اسرائيليين» لان شريحة الزعماء «الاسرائيلية» الموازية لا تفكر هكذا، لا تفكر بذات الصوت، بذات الرسالة. معظم الزعماء «الاسرائيليين» بشكل عام يعارضون المفاوضات. لدى الفلسطينيين هذا ليس على هذا النحو. باستثناء «حماس»، الجميع يتحدثون بذات الصوت».

كيف برأيك ستستقبل الحملة بين الجمهور «الاسرائيلي»؟ هل أنت حقاً تعتقد بان الرجوب الذي هكذا، مع ماضيه الاشكالي ونبرته الحازمة، سيقنعنا بانه يوجد شريك؟

«انظر، يمكنك ألا تحبهم، ولكن رسائلهم مصداقة. نحن لا نسعى الى تزيين الصورة. هدفنا هو ان يتعاطى الجمهور «الاسرائيلي» مع جوهر الموضوع. لا حاجة به لأن يتماثل أو ان يحب الفلسطينيين. اعتدنا على أن نسمي الحياة غير الطبيعية حياة طبيعية. اريد أن انفض عدم الاكتراث عنا».

[**اسمح لي أن اهدد أنا ايضاً*]

في نهاية يوم التصوير نصل الى مكتب ياسر عبد ربه الذي يظهر كشخص لطيف ويتمتع بحس دعابة. الصور تبدأ وعبد ربه يرفع اصبعاً ويلوح به امام الكاميرا. اسولين المخرج يوقف التصوير ويوضح : «عندما تلوح باصبع، فأنت في واقع الامر تحذرني. أنت تهدد». عبد ربه لا يتشوش : «ماذا يضيرك؟ اسمح لي مرة واحدة أن اهددكم بدلاً من أن تهددونا». في هذه الاثناء جواله يرن. على الخط زوجته. «لا يمكنني أن أتحدث الآن»، يقول، «انا محوط بـ 12 اسرائيلياً». «ولكن بعضهم عرب»، يقول احد ما. فيلذع عبد ربه فوراً : «هؤلاء أسوأ».

في طريق العودة يقرر ابو عيسى السائق أن يأخذنا في طريق التفافي. «توجد فوضى الآن في الحاجز، أزمة سير على طول كيلومترين. ولكني أعرف طريقاً آخر، سنسافر من هناك بسرعة». هو عربي «اسرائيلي»، يسكن في شرقي القدس. عندما قال عبد ربه من قبل «أسوأ»، قصده هو وأمثاله. في الاطراف الغربية من رام الله نمر بحي من الفيلات الفاخرة. «انظروا ما هذا»، يقول ابو عيسى. «انظروا كيف يعيشون. أنا لا افهم ماذا يريدون. فليهتموا اولاً بالمساكين، مثلي، الذين يعيشون في بيت ما كنت حتى لأدخل اليه عنزة. وبعد ذلك فلينشغلوا بكم».

- **«يديعوت»



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 18 / 2165358

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المرصد  متابعة نشاط الموقع صحف وإعلام   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2165358 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 19


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010