الثلاثاء 11 نيسان (أبريل) 2017

من يقبل أمريكا شرطيّ العالم؟

من القمة العربية إلى ترامب
الثلاثاء 11 نيسان (أبريل) 2017 par منير شفيق

ستتناول هذه المقالة موضوع القصف الصاروخي الذي شنه الأسطول البحري الأمريكي، بأوامر مباشرة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، على مطار الشعيرات قرب حمص في سورية من ثلاث زوايا: 1- باعتباره عدواناً سافراً مخالفاً للقانون الدولي وله جملة من النتائج والتداعيات السلبية والخطيرة على الحياة الدولية. 2- تقويم وضعه في إطار السياسة الأمريكية، وموازين القوى الراهنة. 3- أهمية الموقف المبدئي من الظاهرة التي يمثلها.

فبالنسبة إلى الزاوية الأولى فقد لجأت أمريكا إلى الانفراد في تحديد المسؤولية عن جريمة السلاح الكيماوي في مدينة خان شيخون دون الاستناد إلى لجنة تحقيق دولية محايدة. ووجهت رداً عسكرياً بإطلاق صواريخ توماهوك الاستراتيجية على مطار الشعيرات بمخالفة خطيرة للقانون الدولي الذي لا يسمح لها بالعدوان على دولة ذات سيادة عضو في هيئة الأمم المتحدة. وقد فعلت ذلك باعتبارها الشرطيّ العالمي الذي يطبق القانون منفرداً وعلى هواه. مما يجعل النظام الدولي شبيهاً بنظام الغاب.

ولسوء حظ دونالد ترامب، لتكتمل الفضيحة، كانت الطائرات الأمريكية قد قصفت حياً سكنياً في الموصل، قبل أسبوع ذهب ضحيته خمسماية مدني أغلبهم من الأطفال الذين ماتوا اختناقاً تحت ركام المنازل المهدمة، ومزقت أجسادهم مما يشكل جريمة حرب كذلك تماماً كما يشكل استخدام الكيماوي جريمة حرب. وقبل أن يأخذ دونالد ترامب إجراءً، أو موقفاً، طالب البنتاغون بتشكيل لجنة تحقيق ليقرّر على ضوء نتائجها. أما في موضوعنا فقد ضرب عرض الحائط بتشكيل لجنة تحقيق وأصدر قراره فوراً بالرد العسكري ونفذه.
فالعالم هنا مرة أخرى إزاء ازدواجية في استخدام المعايير في مواجهة الحدث الواحد أو المشابه، وإزاء قرار أمريكي يريد أن يفرض نفسه شرطيّ العالم، والأفدح إذا ما مرّ هذا التدخل العدواني، بما لا يسمح بتكراره، أو يجعله مكلفاً سياسياً ومعنوياً في الأقل. والأسوأ إذا ما مرّ “مرور الكرام”. وحظي على تأييد عدد مقدّر من الدول.
أما الزاوية الثانية التي تتعامل مع الموضوع من ناحية وضعه في إطار السياسة الأمريكية من جهة ومن ناحية قراءة موازين القوى من ناحية أخرى.
ففي الحقيقة جاء هذا العدوان بلا مقدمات عدا ردّة فعله إزاء ضحايا الكيماوي أو إزاء استغلال المناسبة لتحقيق أغراض أخرى. فهو ليس جزءاً من استراتيجية حرب أمريكية، بل بالعكس جاء معاكساً لمقدمات سياسية تمثلت في محاولة فتح خطوط مع روسيا فضلاً عن التنسيق العسكري، بينهما، كما تمثلت في الإعلان الأمريكي الرسمي بأن الأولوية في سورية لمحاربة داعش، ولم تعد “إزاحة الأسد أولوية أمريكية، ومصيره عائد إلى ما يقرره شعبه” وفقاً لتصريح ترامب وتصريح وزير خارجيته تيلرسون. ويمكن أن يضاف هنا محدودية أضراره حين أنذر الروس بالضربة في وقت يكفي لجعلها قليلة التكاليف البشرية والمادية.
ولهذا يجيء هذا العدوان في إطار ردة فعل في مواجهة حدث طارئ وليس جزءاً من خطة حرب متكاملة. ولكن هذا لا يمنع في حالة تحقيق نتائج “إيجابية” في تعزيز هيبة أمريكا وموقعها في ميزان القوى من أن يتحوّل إلى نهج تنبع منه استراتيجية غير الاستراتيجية السابقة. ومن هنا ستكون زيارة وزير الخارجية الأمريكية ريكس تيلرسون لموسكو والتقائه ببوتين ولافروف ونتائجها فارقة بالنسبة إلى السياسة الأمريكية ما بعد العدوان العسكري على مطار الشعيرات. وكذلك ردود الفعل الأخرى المختلفة عليه، ومدى التكلفة التي ستدفعها أمريكا بسببه سواء أكانت سياسية ومعنوية أم غير ذلك.
أما من ناحية موقعه في موازين القوى فإن أيام البلطجة العسكرية قد ولت، أو أن مردودها أصبح أقل بكثير مما كان عليه في الماضي. صحيح أن العدوان العسكري كان دائماً جزءاً من السياسات الاستعمارية والإمبريالية تاريخياً. بل كان في المقدمة. وصحيح أن أمريكا سطرت سجلاً حافلاً من الحروب العدوانية والاحتلالات العسكرية أو توجيه الضربات المحدودة الجزئية في دعم السياسة. ولكن أن تعود “حليمة إلى عادتها القديمة” في عهد ترامب، فأمرٌ فات زمانه وعليه أن يعتبر من الفشل الذي منيت به حرباها ضد العراق وأفغانستان في عهد بوش الابن، ومن الفشل في أربع حروب شنها الكيان الصهيوني، تحت رعايتها، في تموز 2006 في لبنان و2008/2009 و2012 و2014 في قطاع غزة. الأمر الذي يؤكد على أن استخدام القوّة العسكرية والحرب والعدوان مصيره الفشل. ولم يعد منسجماً مع ما يسود الوضع الجديد لموازين القوى. ولكن تبقى طبيعة القوى العدوانية عدوانية حتى لو قادها ذلك إلى التهلكة.
أما الزاوية الثالثة فمتعلقة بضرورة تغليب الموقف المبدئي في التعامل مع هذا العدوان العسكري. فعلى كل من تعاطى مع هذا الموضوع أن يقرر قبل كل شيء: هل يقبل أن تكون أمريكا (المنحازة كلياً للكيان الصهيوني في اغتصاب فلسطين) شرطيّ العالم. وله أن يتخذ القرار بالعدوان العسكري ضدّ أية دولة أو شعب منفردة، وعلى هواها. فالمسألة هنا مسألة مبدأ يخص العالم كله ويخص العلاقات الدولية، ومن ثم فهو يتعدى ظروف وقوعه، ومكان وقوعه، كما يتعدى طبيعته العسكرية إلى ما سيترتب عليه من سياسات دولية تسمح لأمريكا أن تعاقب وتقاطع وتتهم بالإرهاب منفردة، كما تشاء. فأبعاده السياسية والاقتصادية ربما تأتي أخطر بكثير من القبول بها الشرطي العسكري للعالم.
ولهذا فالذين يقبلون أن يُعطى لأمريكا هذا الحق، أكان بسبب ضحايا الكيماوي أم لأي سبب آخر يرتكبون خطيئة تاريخية لأن ذلك يعني، عملياً، تعطيل القانون الدولي، وإسقاط ميثاق هيئة الأمم المتحدة، وتشريع الوضع الدولي والعلاقات بين الشعوب كما بين الدول ليُحكما بقانون الغاب. وبهذا يدخل العالم في فوضى وصراعات وانقسامات دونها ما يجري الآن من فوضى وصراعات وانقسامات دولية.
بالتأكيد لا يجوز أن يسوّغ لأمريكا في أن تنفرد لتكون شرطيّ العالم فهذه قضية مبدئية ولا يصح أن تختلط بأية سياسة راهنة، ولا بسبب جريمة حرب استخدم فيها السلاح الكيماوي.

- من القمة العربية إلى ترامب

أن يجتمع في القمة العربية في 29/3/2017، في البحر الميت، في الأردن، خمسة عشر ملكا ورئيسا، ولتحمل اسم قمة “الوفاق والاتفاق” يعني ذلك اهتماماً لم يُعهَد، في الأقل، منذ سبع سنوات.

فهذه القمة كما يبدو جاءت لتوقف حالة التدهور الذي عانت منه الدولة العربية عموما منذ سبع سنوات. هذه السنوات تُعتبَر عجافاً لم يسبق لها مثيل منذ أن تشكلت الجامعة العربية بل منذ تأسست الدول القطرية العربية في ظل تجزئة سايكس-بيكو.

فمنذ أطيح بنظامي زين العابدين بن علي وحسني مبارك في كل من تونس ومصر، وما تلا ذلك من ثورات وثورات مضادة، حيث تعرض النظام العربي إلى خلخلة شديدة. وقد سماها البعض زلزالاً، وأمعن البعض الآخر في اعتبارها إيذانا بانتهاء النظام العربي الذي وُضعت أساساته بعد الحرب العالمية الأولى وعلا بنيانه في عهد الاستقلال بعد الحرب العالمية الثانية. ثم ليستقر على أساس اثنتين وعشرين دولة عربية.

وقد انتشر قلق شديد على بقاء حدود دول سايسكس-بيكو ليس الدول التي تعرضت إلى الانقسامات وما يشبه الحروب الداخلية الأهلية فحسب وإنما أيضا امتد القلق إلى الدول التي نجت من ذلك المصير. وقد ظنه البعض زاحفا إليها لا محالة.

ولهذا يمكن القول أن قادة الدول العربية من حضر منهم، ومن أرسل ممثلا عنه، جاؤوا إلى هذه القمة تحدوهم الرغبة، ظاهرا في وقف ذلك التدهور.. الخلخلة الزلزال، أو قل الخطر حتى على وحدة الدولة ووحدة مكوّناتها.

اضطر الوحدويون العرب إلى أن يتحولوا إلى الأشد حرصا على وحدة دولة التجزئة القطرية فيما كانوا قبل ذلك يرون في التجزئة العربية سبباً رئيساً وراء ما أصاب الوضع العربي في عهد الاستقلال من ضعف وتخلف وتبعية واستبداد وفساد وخراب. وراحوا يُصرون على أن الحل لا يكون إلاّ بالوحدة أو الاتحاد أو في الأقل بالتكامل الاقتصادي والسوق العربية المشتركة والتضامن العربي.

ولهذا ليس صعبا أن يلحظ المرء مشاعر التعاسة التي تجتاح الوحدويين العرب حين يجدون أنفسهم في وضع أصبح الحفاظ فيه على وحدة الدولة القطرية غاية المنى ودونها الخراب والمصير الأسوأ في ظل تجزيء المجزأ.

على أن رغبة القادة العرب في وقف التدهور واستعادة “الوفاق والتوافق” شيء، وتحقيق تلك الرغبة شيء آخر. لأن المشكل، فيما حصل، أولاً وأخيراً يعود إليهم، مهما حاول من يدافع عنهم بإعادته إلى التآمر الخارجي أو التدخل الخارجي الإقليمي، أو إلى أسباب تتعلق بطبيعة المكوّنات التي تفجرت في وجه الدولة. فإنهم، على تفاوت في المسؤولية هم الداء فكيف يكونون الدواء. وقد انطبق عليهم قول الشاعر“وداوني بالتي كانت هي الداء”. لأن ما يمكن البحث عنه عندهم، أو تأمل تحقيق حده الأدنى ولو بصعوبة، يظل قدرا مقدرا من السوء ما داموا هم الحاكمين، وما دامت موازين القوى الداخلية والعربية والإقليمية والدولية حريصة عليهم. الأمر الذي يفرض البحث عن أدنى الأدنى لأن ما تحته أسوأ. مثلاً، استمرار الفوضى التي توّلد المزيد من سفك الدماء والخراب والتهجير والفتن المذهبية والطائفية والجهوية والإثنية.

وبهذا يكون مؤتمر “الوفاق والتوافق”، أقل سوءا مما قبله، وكذلك من عدم انعقاده. فقد كان على مؤتمر القمة أن يُعيد مقعد سورية لسورية تصحيحا لخطيئة فادحة ما كان يجب أن تُرتكب بحق أيّة دولة عضو في الجامعة العربية إذ من الناحية المبدئية لا يجوز حرمان عضو في جامعة الدول العربية من عضويته تحت أي ظرف من الظروف، أو حجة سياسية من الحجج. وهذا الخطأ حدث مع حرمان مصر من مقعدها في الجامعة العربية، بسبب توقيعها على معاهدة صلح مع الكيان الصهيوني، بالرغم من أن هذه المعاهدة كانت خروجا على ميثاق الجامعة العربية وعلى مسوّغ وجود الجامعة.

ومع ذلك هاهي ذي الآن تتصدر الجامعة ومن دون أن تلغي المعاهدة. فعضوية الجامعة يقوم على أساس هوية البلد والدولة وليس على أساس ما يطرح من سياسات. ولهذا فإن الحفاظ على الجامعة العربية بالرغم من كل ما تستحقه من نقد، يبقى ضرورة عربية، ولا سيما في هذه الظروف التي أصبحت فيها الهوية العربية موضع تشكيك وتجريح لحساب هويات ما أنزل الله بها من سلطان.

هذا وكان على المؤتمر ليكون منسجما مع عنوانه أن يذهب إلى طلب الحوار والتفاهم والوفاق والتوافق العربي-الإيراني-التركي. وليس الإدانة والذهاب إلى الصراع والمواجهة. فالتصحيح يكون بالوفاق والتوافق وليس بالصراع والقطيعة.

ولكن يجب اعتبار السقطة الكبيرة التاريخية في البيان المناداة بعقد مصالحة تاريخية مع الكيان الصهيوني.
على أن الحكم الفيصل على هذا المؤتمر سيظهر من الموقف مما يحمله دونالد ترامب الرئيس الأمريكي من مشروع لقضية فلسطين، ومن أحلاف سيبلوَران بعد لقاءاته بكل من الرئيسين السيسي والفلسطيني والملك الأردني استكمالا لما عقده من تفاهمات مع محمد بن سلمان ولي ولي العهد السعودي.

صحيح أن القمة العربية تمسكت وتشددت بما سبق وقدمته قمم أخرى من تنازلات مجانية. مثلاً “حل الدولتين” ومبادرة السلام العربية 2002. وذلك بالرغم مما أصابهما من فشل وإهمال وتعفن، وما جرى تحتهما من استيطان في الضفة الغربية وتهويد للقدس وتطبيع. فقرار حل الدولتين تنازل عن 78% من فلسطين لحساب الكيان الصهيوني والاعتراف به.

وقرار مبادرة السلام العربية أبدى الاستعداد العربي للاعتراف بالكيان الصهيوني إذا ما قامت الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية. وهو في القانون الدولي التزام لا يمكن التراجع عنه إذا ما نفذ شرطه. فضلا عما يمنحه من شرعية لدولة الكيان الصهيوني غير الشرعية.

وقد أثبتت التجربة منذ الموافقة على حل الدولتين، وعلى مبادرة السلام العربية، بأنها تنازلات مجانية بلا مقابل عدا الترحيب بها ثم طلب المزيد من التنازلات الإضافية. وها هو ذا ترامب في الطريق ليطلب تنازلات مجانية جديدة بما يتخطى “حل الدولتين” و“مبادرة السلام العربية”.

الأمر الذي يعني أن سمة المعركة السياسية القادمة ستكون في مواجهة ما سيقدمه ترامب من مشاريع، أو صفقات، حل تصفوية للقضية الفلسطينية، وأحلاف كارثية ضد العرب والمسلمين.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 98 / 2165595

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المراقب العام   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2165595 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 18


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010